كشفت مصادر ليبية متطابقة عن استعدادات تيجريها عدد من الزعامات القبلية في شرق ليبيا، للمناداة بالفيدرالية كطريقة لحل الانسداد الذي تشهده العملية السياسية في ليبيا، لا سيما في مسار العملية الانتخابية، مشيرة إلى أن لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح باللواء المتقاعد خليفة حفتر، يوم أمس الجمعة، ناقش هذا الاتجاه.
وتطابقت معلومات المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، بأن حفتر وصالح لن يتبنيا دعوات الفيدرالية بشكل رسمي، لكنهما من يقفان وراء إحيائها، مشيرة إلى أن من بين السيناريوهات التي نوقشت فكرة إحياء "المكتب السياسي لإقليم برقة"، الذي أنشأته مجموعة فيدرالية شرقي البلاد عام 2013، وأفكار مشابهة تصب في خانة اتفاق القبائل على إنشاء حكومة ذاتية لإقليم برقة، واتهام حكومة الوحدة الوطنية بالمركزية وتهميش الأقاليم الليبية.
وأشارت المصادر إلى أن لقاء صالح بحفتر أمس الجمعة، بعد سنوات من الجفاء، خطوة في هذا الطريق الذي يهدف إلى ممارسة الضغوط على الحكومة وأطراف سياسية في غرب البلاد، بعد فشل صالح وحلفائه في مجلس النواب في استخدام ملفي الميزانية والمناصب السيادية أوراقَ ضغط للحصول على مكاسب ومواقع جديدة تمكنهم من التموضع في مشهد الحكم الحالي، بالإضافة لفشلهم في تمرير بنود في القاعدة الدستورية لضمان مرورهم إلى الفترة السياسية المقبلة عبر الانتخابات.
وفي حين أكدت ذات المصادر أن صالح وحفتر على صلة باجتماعات جرت بين خمس زعامات قبلية، في مناطق القبة وأجدابيا شرقي ليبيا، للتوافق على طريقة إعلان فيدرالية في شرق البلاد، أشارت إلى أن عقيلة صالح يسعى إلى دعم هذه المطالب بشكل غير مباشر من خلال إقرار قانون توزيع الدوائر الانتخابية، المطروح على جدول أعمال مجلس النواب، بإنشاء ثلاث مجمعات انتخابية موزعة على الشرق بواقع خمس مناطق دوائر انتخابية، والجنوب بواقع دائرتين، والغرب بواقع أربعة دوائر بدواعي اختلاف التوزيع السكاني في البلاد.
وتبدو الانتقادات التي وجهها صالح للحكومة، خلال لقائه بحفتر، جاءت في هذا السياق، معتبراً أن القبول بحكومة الوحدة الوطنية لا يعني القبول بكل إجراءاتها.
وأشار صالح إلى أنه وجه رسالة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، انتقد خلالها تعامله مع الوزارات والمؤسسات "مقابل تقوية المركزية بشكل مؤسف"، وقال "يجب أن تأخذ كل منطقة حقوقها في كل شيء، سواء الوزارات أو المؤسسات، وأن يكون هناك خطاب واحد وهو تحقيق العدالة بين الليبيين".
وأردف: "توحيد المؤسسات لا يعني عدم مراعاة الأقاليم جميعها، وخطابنا لرئيس الوزراء أن هذا الأمر لا مناص منه، ومطلبنا لكل ليبيا، نحن لسنا ضد الحكومة، ولكن حقوقنا لا تنازل عنها"، وفي سياق مطالبته الحكومة بضرورة منح حفتر ميزانية تمكن مليشياته لـ"تستطيع أن تنفذ من خلالها مهامها"، قال "يجب أن يأخذ الجيش حقوقه، وتأخذ الأقاليم حقوقها، ولن يقدر أحد على الضغط علينا للتنازل عن حقوقنا".
وجاءت تصريحات صالح لتعبر عن موقف جديد يبدو أنه جاء رداً على سعي الدبيبة تجاوز مجلس النواب، والاتفاق مع البنك المركزي والمجلس الأعلى للدولة للحصول على الأموال اللازمة لتنفيذ مهام حكومته، فيما حذر المبعوث الأممي لدى ليبيا يان كوبتيش، خلال إحاطته لأعضاء مجلس الأمن الخميس الماضي، من الآثار السلبية لاستمرار عدم اعتماد مجلس النواب ميزانية الحكومة، وعدم الإيفاء بالتزاماته حيال توضيح القوانين اللازمة لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ورغم أن الاتجاه الفيدرالي ومحاولة التلويح به لن يلقيا دعماً إقليمياً على الأقل، فضلاً عن الرفض الدولي الذي سيلاقيانه، فإن أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعات الليبية عبد الباسط الفاخري يرى أن هذا الرفض الخارجي سيصب في مصلحة حلف صالح وحفتر، وسيشكل عاملاً قويا للضغط على الحكومة والأطراف السياسية في غرب ليبيا لتقديم تنازلات مؤلمة لصالح معسكر شرق ليبيا.
ولا ينظر الفاخري، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى الخطوة سوى أنها أكثر من مناورة سياسية جديدة، وقال "حلف صالح وحفتر هش ومؤقت ومصالحهما غير متوافقة إلا في الحد الأدنى، كما أن أدوات كليهما تختلف"، مشيراً إلى أن صالح يعول على الظهير القبلي، بينما يعول حفتر على مليشياته التي لم يعد لها قبول ولا دعم كبير في البلاد.
ويلفت الفاخري إلى أن اتجاه عقيلة نحو تكريس مفهوم المحاصصة الإقليمية قديم، فـ"هو أول من نادى بذلك وفرضه في التفاهمات التي جرت في بوزنيقة المغربية حول المناصب السيادية، وأخيراً في تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة بالمحاصصة بين الجنوب والشرق والغرب".
ويرى الفاخري أن عقيلة يدرك أن حفتر لن يقبل بالفيدرالية إلا كورقة ضغط وبشكل مؤقت، موضحاً أن "حفتر لن يكف عن طموحه لحكم ليبيا كلها وبأي شكل، ولن يقبل بأن يكون ذراعا عسكرية لصالح وفي منطقة محددة كشرق ليبيا"، محذراً من مخاطر تفجر الأوضاع في شرق ليبيا، إذا عرفت القبائل بأنها مجرد ورقة للعب بها في مشهد الصراعات، خصوصا بعد الفاتورة الباهظة التي دفعتها القبائل في حروب حفتر.
وتتوقف آثار هذا الاتجاه، إذا تم الإعلان عنه وتحول إلى واقع، على ردات فعل الحكومة والمجلس الأعلى للدولة وطريقة تعاطيهما مع ذلك، بحسب الفاخري، لكنه يرى أن أقرب المخارج سيتمثل في فرض المجتمع الدولي قاعدةً دستوريةً يمكنها أن تسمح لجميع الأطراف بالمشاركة في الانتخابات.