حلف الأطلسي يستجيب لضغوط ترامب ويقرّ أكبر خطة لإعادة التسليح منذ الحرب الباردة
استمع إلى الملخص
- ضغطت الولايات المتحدة لزيادة الإنفاق الدفاعي للناتو إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن تم التوصل لاتفاق تسوية بإنفاق 3.5% بحلول 2032، مع تخصيص 1.5% لمجالات أمنية أوسع.
- تثير تصريحات حول خفض القوات الأميركية في أوروبا والتركيز على الصين قلق الناتو، بجانب مراجعة دعم واشنطن لأوكرانيا، مما يضغط على أوروبا لتحمل مسؤولية أكبر.
وافق حلف شمال الأطلسي (ناتو) على إطلاق أكبر برنامج لإعادة التسليح منذ نهاية الحرب الباردة، في خطوة تعكس تصاعد التوترات الجيوسياسية والحاجة لتعزيز الجاهزية الدفاعية في وجه التهديدات المتزايدة، ولا سيما من جانب روسيا. ويأتي ذلك أيضاً استجابة لضغوط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الحلف لزيادة الإنفاق العسكري.
ومن المتوقع أن يشمل البرنامج تعزيز قدرات الجيوش الأوروبية في مجالات الأسلحة الثقيلة والأنظمة الدفاعية المتقدمة، وتوسيع مخزونات الذخيرة، وتطوير البنية التحتية العسكرية المشتركة. وأفادت المصادر بأن هذه الخطة التاريخية ستحظى بدعم مالي غير مسبوق، مع التركيز على تحديث المعدات العسكرية التي تعود إلى عقود ماضية، وإعداد الحلف لأي سيناريو صدامي محتمل في المستقبل.
ضغوط أميركية
وكان وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث مارس ضغوطاً على حلف شمال الأطلسي (ناتو)، اليوم الخميس، للتوصل إلى اتفاق لزيادة الإنفاق الدفاعي يرضي ترامب الذي يشارك بقمة مرتقبة للحلف في وقت لاحق هذا الشهر. وكان ترامب طالب أعضاء الناتو بالاتفاق في الاجتماع المقرر في 24 و25 حزيران/يونيو في لاهاي بهولندا، على زيادة الميزانيات المخصصة للدفاع لتشكّل خمسة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة.
وقال هيغسيث أثناء اجتماع مع نظرائه من البلدان المنضوية بالناتو في بروكسل: "أنا هنا لضمان أن كل بلد في الناتو يفهم أن على الجميع العمل معاً. على كل بلد المساهمة بهذا المستوى البالغ خمسة في المائة"، وأضاف: "رسالتنا ستبقى واضحة. الردع والسلام من خلال القوة، لكن لا يمكن أن تكون هناك حالة اعتماد. لا يمكن أن يكون ولن يكون هناك اعتماد على أميركا في عالم مليء بالتهديدات".
وعرض الأمين العام للناتو مارك روته اتفاق تسوية ينص على أن يشكل الإنفاق الدفاعي الأساسي 3,5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2032 وأن تشكّل مجالات أوسع مرتبطة بالأمن، مثل البنى التحتية، 1,5%. ولفت عدد من الدبلوماسيين إلى أن روته يبدو في طريقه لضمان التوصل إلى اتفاق بالتزامن مع قمة لاهاي. لكن بعض الحلفاء ما زالوا مترددين حيال الالتزام بمستويات إنفاق كهذه.
وتبدو إسبانيا أكثر البلدان صراحة في التعبير عن ترددها حيال المسألة، علماً أنها لن تصل إلى هدف الناتو الحالي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي إلا بحلول نهاية العام. ويفيد دبلوماسيون بأن بلداناً أخرى ما زالت تفاوض على تمديد الإطار الزمني، والتخلي عن مطلب بزيادة الإنفاق الدفاعي الأساسي بـ0,2 نقطة مئوية كل عام. لكن الاتفاق يبدو تسوية مقبولة بالنسبة إلى معظم بلدان الحلف، إذ سيسمح لترامب بالتباهي بأنه حقق مطلبه الأساسي رغم أنه، في الواقع، خفض مستوى المطالب بالنسبة إلى حلفاء بلاده الذين يواجهون صعوبات في هذا الصدد. وبينما أيّدت خطة روته، تصر واشنطن تصر على أنها ترغب بأن يحدد كل بلد "مساراً موثوقاً به" لبلوغ الهدف.
ضبابية الموقف الأميركي تزيد من مخاوف الناتو
وفي السياق، من المقرر أن يوقّع وزراء الناتو خلال اجتماعهم على الأهداف المتعلقة بالقدرات الجديدة للأسلحة التي يتطلبها ردع روسيا. وقدّر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن المتطلبات الجديدة تعني أنه سيتعيّن على برلين إضافة "ما بين 50000 و60000" جندي جديد إلى صفوف جيشها. من جهته، أفاد وزير الدفاع الهولندي روبن بريكلمانز بأن التوصل إلى المستوى المطلوب سيكلّف هولندا 3,5% من الناتج المحلي الإجمالي. وقال روته: "ما سنقرره في لاهاي وما سننفقه على الدفاع مع مرور الوقت، بخطة الاستثمار الجديدة في الدفاع، مرتبط بالطبع بما نحتاج إليه في ما يتعلق بالقدرات المادية".
وليس الخوف من موسكو وحده ما الذي يدفع أوروبا لرفع سقف طموحاتها، إذ تسود أيضاً ضبابية بشأن التزام الولايات المتحدة حيال القارة. إذ أحدث هيغسيث الذي كان مقدم برامج تلفزيونية، هزّة في الناتو خلال زيارته الأخيرة إلى بروكسل، في فبراير/شباط الماضي، عندما حذّر من أن واشنطن قد تسعى لخفض عدد قواتها في أوروبا للتركيز على الصين. ولم يصدر أي إعلان ملموس مذاك عن الولايات المتحدة بشأن سحب الجنود، لكن حلفاء الناتو ما زالوا يترقبون بقلق.
وأكد هيغسيث من جهته ضرورة فك الارتباط بين الولايات المتحدة وكييف عبر تغيّبه عن اجتماع لداعمي أوكرانيا، استضافته بروكسل الأربعاء الماضي. ويسعى حلفاء كييف لتجاوز التردد الأميركي ودعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى لاهاي تعبيراً عن الدعم، ولكن حتى الآن اكتفى الناتو بالقول إن أوكرانيا ستكون مُمثّلة في الاجتماع دون أن يؤكد إن كان زيلينسكي سيحضر.
وكان هيغسيث قال في فبراير/شباط الماضي إن عضوية كييف في "الناتو" أمر غير واقعي، ونبّه إلى أن على أوروبا أن تؤمن "القسم الأكبر" من المساعدة المقبلة لأوكرانيا، مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تقبل بعد اليوم بـ"علاقة غير متوازنة" داخل الناتو. وأضاف: "إن الولايات المتحدة تظل ملتزمة في التحالف وتؤيد الشراكة الدفاعية مع أوروبا. لكن الولايات المتحدة لن تقبل بعد اليوم بعلاقة غير متوازنة تشجع الارتهان".
(فرانس برس، أسوشييتد برس، العربي الجديد)