حلفاء إيران بالعراق يُصعّدون ضد مشروع أنبوب البصرة ــ العقبة

حلفاء إيران بالعراق يُصعّدون ضد مشروع أنبوب البصرة ــ العقبة

17 ابريل 2022
يحاول العراق تنويع منافذ تصدير نفطه (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

تشن قوى سياسية وفصائل مسلحة حليفة لإيران في العراق، منذ عدة أيام حملة انتقادات غير مسبوقة على المشروع الذي أقرته حكومتا العراق والأردن بصيغته النهائية، والمعروف بأنبوب نفط البصرة ــ العقبة.

ويستهدف المشروع تصدير مليون برميل من النفط العراقي الخام باتجاه ميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر، في محاولة لتنويع العراق منافذ التصدير الحالية لديه، غير موانئ البصرة على مياه الخليج، والأنبوب العراقي الواصل إلى ميناء جيهان التركي.

وأعادت القوى الحليفة لإيران مجدداً فتح النار على المشروع، بعد معلومات عن قرب بدء فريق هندسي عراقي وضع المخططات الزمنية للمباشرة بالعمل على الأنبوب.

تلويح بالتوجه للمحكمة العليا لوقف المشروع

ولوحت هذه القوى بالتوجه إلى المحكمة الاتحادية العليا، لإصدار أمر بوقف المشروع، من دون أن تورد وجه الاعتراض لديها، باستثناء اعتبار أن النفط العراقي قد يصل عبر هذا الأنبوب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن الحكومة ليس من صلاحيتها المضي به، وهي حكومة تصريف أعمال، رغم أن المشروع أقر خلال فترة صلاحياتها الدستورية الكاملة العام الماضي.

نبيل المرسومي: المشروع يمثل أهمية قصوى للعراق باتجاه تنويع منافذ تصدير النفط الخام

وقال رئيس الوزراء الأسبق، والقيادي في تحالف "الإطار التنسيقي"، نوري المالكي، في بيان مساء الخميس الماضي، إن "قرار الحكومة، وهي حكومة تسيير أعمال ناقصة الصلاحية دستورياً، المضي بعقد مد أنبوب البصرة – العقبة النفطي يمثل تجاوزاً على الدستور. كما يعد مخالفة قانونية صريحة تستدعي من المحكمة الاتحادية إيقافه، وإيقاف كل القرارات والقوانين التي تصدر عن هذه الحكومة".

وأضاف: "نطالب الحكومة بالتريث، وعدم المضي في تنفيذ المشروع وترك الأمر للحكومة المقبلة. كما نوصي بضرورة التوازن في تصدير النفط، وألا يقتصر أغلبه على الجنوب أولاً. وثانياً نطالب بتبديد شبهة أن النفط العراقي سيصل إلى العقبة، ومنها إلى الكيان الصهيوني".

بيان المالكي يأتي في ظل تصعيد من منصات تابعة لفصائل مسلحة حليفة لطهران، وتصريحات قيادات أخرى رافضة للمشروع، بينها نواب عن تحالف "الإطار التنسيقي"، هاجموا اختيار البصرة لتصدير النفط مع وجود محافظات أخرى شمالية مثل كركوك، وآخرين، أبرزهم النائب يوسف الكلابي عن التحالف ذاته، وقد لوح بالتوجه الأسبوع المقبل إلى المحكمة الاتحادية لوقف إجراءات المشروع.

مشروع الأنبوب أقرّ في عهد المالكي

ويؤكد مسؤولون وخبراء عراقيون أن المشروع مع الأردن أقر أول مرة في اتفاقية بين حكومة المالكي والجانب الأردني، في 9 إبريل/ نيسان 2013، في إطار مساعي العراق لخلق منافذ تصدير جديدة.

ويتضمن المشروع مد أنبوب بطول 1665 كيلومتراً، من حقول البصرة أقصى جنوبي العراق، إلى ميناء العقبة الأردني، وبطاقة تصدير أولية تبلغ مليون برميل يومياً. كما يمنح العراق الجانب الأردني حق شراء 150 ألف برميل يومياً بسعر مخفض عن الأسعار العالمية للنفط. وتقدر كلفة بناء الأنبوب بنحو 9 مليارات دولار، تقع أغلبها على الشركة التي ستقوم باستثماره.

وتسبب اجتياح تنظيم "داعش" لمساحات واسعة من غرب وشمال العراق، بينها الأنبار الحدودية مع الأردن، بتعطيل المشروع، قبل أن تعاد الحياة له في العام 2017 إبان حكومة حيدر العبادي، الذي أعلن تشكيل لجنة من وزارة النفط لهذا الغرض.

وفي العام الماضي، أعلنت حكومة مصطفى الكاظمي، على هامش القمة الثلاثية التي جمعت العاهل الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تأكيدها المضي بالمشروع كأحد خطط الطاقة الاستراتيجية للعراق.

التصعيد سياسي وليس اقتصادياً

وقال مسؤول في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إن التصعيد ضد المشروع سياسي ومرتبط بتحفظ إيران على المشروع.

واعتبر المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في اتصال هاتفي، أن "مشروع أنبوب خط البصرة – العقبة النفطي فيه حساسية سياسية، ولا علاقة للجانب الاقتصادي بالموضوع، فهو مهم للعراق ويحرره من عقدة المنافذ المحدودة التي لازمته منذ العام 1990، حيث كان العراق خسر منافذ مع سورية والسعودية، ولم يتبق له سوى مياه الخليج والأراضي التركية".

وأضاف: "هذا المشروع سيمكن من رفع العراق طاقته التصديرية إلى أكثر من 5 ملايين برميل يومياً، ما يعني أنه سيعود كأعلى الدول تصديراً للنفط بالشرق الأوسط". يشار إلى أن العراق يصدر حالياً 3.6 ملايين برميل.

وأكد أن "الحكومات العراقية المتعاقبة بعد سنة 2003 كانت وافقت على مشروع أنبوب خط البصرة – العقبة النفطي، وعملت على تنفيذه، ولم تكن هناك أي معارضة عليه من قبل هذه الحكومات، وحتى لم نر وقتها أي معارضة سياسية مثل المعارضة الحالية من قبل بعض الأطراف السياسية".

ودحض المسؤول العراقي شبهة أن النفط قد يصل إلى إسرائيل، موضحاً أن "شركة سومو العراقية القابضة هي المشرفة عليه، لصالح شركات وجهات وفقاً لعقود بيع، على غرار ما يجري بالبصرة حالياً".

تناغم مع رفض إيران مشروع الأنبوب

وأضاف أن "معارضة القوى السياسية الحليفة لإيران للمشروع لا علاقة لها بالعراق، بل هي تناغم مع موقف إيران الرافض للمشروع بالكامل، لحسابات عند طهران، تتعلق بمنح العراق أفضلية في سوق الطاقة العالمي، وأيضاً في قضية تعزيز الشراكة بين العراق ومحيطه العربي".

وأكد أن "الحكومة الحالية ماضية في إجراءات أقرت دستورياً وقانونياً خلال فترة كانت فيها كاملة الصلاحية، والمشروع بكل الأحوال ما زال في مرحلة ما قبل التنفيذ الفعلي".


أحمد الموسوي: مشروع الأنبوب بداية دفع العراق نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني

وقال الخبير الاقتصادي العراقي وأستاذ كلية الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، لـ "العربي الجديد"، إن "خط أنبوب خط البصرة – العقبة يعود الاتفاق عليه إلى العام 1983، وعاد بقوة إلى الواجهة في 2012، عندما كان نوري المالكي رئيساً للوزراء، وحكومة الكاظمي، ليس لها علاقة بهذا المشروع، بل هي تعمل على إتمام الاتفاق، الذي عملت الحكومات السابقة على تمريره خلال السنوات الماضية".

وبين المرسومي أن "حكومة العبادي أحالت، في 2018، المشروع إلى شركة ماس العراقية القابضة لتنفيذه بطريقة الاستثمار. وحتى أن حكومة عادل عبد المهدي عملت، في 2019، على إعادة النظر بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع بشكل كامل، بحيث يتم إيصال الخط إلى مصر بدلاً من انتهائه في العقبة".

وكشف أن "كلفة المشروع التقديرية تتراوح بين 7 و9 مليارات دولار وليس 18 ملياراً، كما أن العراق لن يدفع دولاراً واحداً من موازنته العامة، لأن المشروع سينفذ بطريقة الاستثمار وتتحمل الشركة المستثمرة كل التكاليف، وتقوم بإدارته لمدة زمنية معينة تتراوح بين 20 و25 سنة، تتقاضى بموجبه مبلغاً معيناً متفقاً عليه عن كل برميل نفط مصدر من خلال الأنبوب، ثم يصبح الأنبوب بعدها ملكاً للبلدين".

تنويع منافذ تصدير النفط

وأكد المرسومي أن "المشروع يمثل أهمية قصوى للعراق باتجاه تنويع منافذ تصدير النفط الخام، ودخول أسواق جديدة، لأن الاقتصار على التصدير جنوباً عبر البحر قد يعرقل الإمدادات النفطية العراقية مستقبلاً، بسبب التوترات الأمنية، وخاصة في مضيق هرمز".

وأوضح أن "كل الدول النفطية الكبرى في أوبك استثمرت في طرق ومنافذ جديدة لتصدير نفطها بعيداً عن مضيق هرمز، وفي مقدمتها السعودية".

والعام الماضي، أجرى وفد أردني رفيع المستوى برئاسة رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات زيارة لعدة أيام إلى العراق، هي الأولى من نوعها من حيث جدول أعمالها. والتقى الوفد بالقوى الحليفة لطهران، أبرزها زعيم جماعة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، وزعيم منظمة "بدر" هادي العامري، ونوري المالكي، ورئيس الهيئة السياسية في "التيار الصدري" آنذاك نصار الربيعي. وأكدت مصادر سياسية في بغداد، وقتها، أن الوفد بحث أهمية المضي بتنفيذ الاتفاقيات الأردنية مع العراق.

اتهام بدفع العراق للتطبيع مع إسرائيل

في المقابل، قال النائب عن تحالف "الإطار التنسيقي" أحمد الموسوي لـ "العربي الجديد"، إن "مشروع الأنبوب من البصرة إلى العقبة بداية مشروع دفع العراق نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولهذا لن نسمح بتمرير هذا المشروع، لمنع العراق من إقامة أي علاقات مع إسرائيل تحت أي عنوان كان".

وأشار إلى أنه "سيكون، خلال الأيام المقبلة، تحرك كبير نحو المحكمة الاتحادية العليا لإيقاف تنفيذ هذا المشروع من قبل حكومة مصطفى الكاظمي. نحن نسعى لإصدار أمر قضائي لإيقاف المشروع، خصوصاً أن حكومة الكاظمي لا تملك صلاحيات كاملة لتنفيذ هكذا مشاريع".

واعتبر الموسوي أن "هناك جهات وشخصيات سياسية وحكومية تعمل منذ فترة طويلة على أن يكون العراق مع الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني، ومشروع خط أنبوب خط البصرة ــ العقبة، هدفه التطبيع من خلال إيصال النفط العراقي لإسرائيل، حتى تكون هناك علاقات اقتصادية بين بغداد والكيان الغاصب. وهذا الأمر لم ولن نسمح به مهما كلف الأمر ذلك".

وحول ذلك، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" إحسان الشمري، إن "التصعيد ضد مشروع خط أنبوب البصرة – العقبة، سياسي وليس اقتصاديا".

وأضاف الشمري، لـ"العربي الجديد"، أن "من صعّد الموقف السياسي ضد هذا المشروع هو من وقّع وأيّد المشروع خلال السنوات الماضية، بزمن حكومة المالكي. وحتى أن حكومة عادل عبد المهدي، التي هي قريبة من طهران، سعت إلى إحياء هذا المشروع، خصوصاً بعد تهديد إيران بغلق مضيق هرمز".

وبيّن الشمري أن "ما يجري هو تصعيد سياسي ضد المشروع، ومحاولة تضييق. كما أن هناك بعض الأطراف تحاول القيام بعملية ابتزاز، لغرض الحصول على مساحات ومحطات استثمارية. هناك أطراف دائماً تعترض على بعض المشاريع الاستثمارية، لكن عندما تحصل على عقود ثانوية، تتراجع عن التصعيد".

واعتبر أن المشروع النفطي بين العراق والأردن "فيه ضرر اقتصادي لإيران، ولهذا يشن حلفاؤها حملات تصعيد ضد المشروع. كما أن الحملة ضد مشروع الربط السككي بين العراق والكويت، لها وجه سياسي ولا علاقة لها بالاقتصاد".