حكومة فرنسية غير مُقنعة: خطر حجب الثقة والرئاسيات المبكرة قائم

25 ديسمبر 2024
فرانسوا بايرو خلال مشاركته بحوار تلفزيوني، 19 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شكل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حكومة جديدة برئاسة فرانسوا بايرو، تضم وزراء معروفين من حكومات سابقة، دون إشراك تحالف اليسار، مما يعكس التوتر السياسي المستمر.
- الحكومة الجديدة تركز على تمرير ميزانية العام المقبل، وتضم 35 وزيراً، بينهم إليزابيث بورن ومانويل فالس، وتعتمد على القوى الوسطية والمحافظة.
- يواجه ماكرون تحديات في تمرير سياساته بسبب افتقاره لأغلبية برلمانية، بينما يضغط اليسار لإجراء انتخابات مبكرة، وتستعد مارين لوبان لهذا السيناريو.

قدّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء أول من أمس الاثنين، الحكومة الجديدة برئاسة فرانسوا بايرو، كهدية عيد الميلاد للفرنسيين، من دون أن يعني ذلك أن متاعبه ومتاعب الفرنسيين معه انتهت، بل تأجلت إلى حين. فولادة حكومة فرنسية جديدة، أرادها ماكرون جامعة لأطياف يسارية ووسطية ويمينية، واعتبرها وازنة، ليست سوى صورة مستعادة من حكومة ميشال بارنييه السابقة، التي حجب البرلمان الثقة عنها في 4 ديسمبر/كانون الأول الحالي، والتي كانت الأقصر في تاريخ الجمهورية الخامسة، بل تضم حتى وجوهاً ينفر منها الفرنسيون. وبينما لا يزال ماكرون يعوّل كما يبدو، على دعم اليمين المتطرف، أصبحت رقبته تحت رحمة هذا التيار وزعيمته مارين لوبان، إذ تقول كلّ المؤشرات إن الأزمة الرئاسية والسياسية في فرنسا لا تزال مستفحلة، وإن قطوع ميزانية 2025، الذي أسقط حكومة بارنييه، إن مرّ، فقد لا تنجو فرنسا من انتخابات رئاسية مبكرة.

وكان ماكرون كلّف بايرو، رئيس حزب الحركة الديمقراطية "موديم"، الحليفة لحزب النهضة بزعامة الرئيس، بتشكيل حكومة فرنسية جديدة في 13 ديسمبر، حيث يقع على عاتقها سريعاً تمرير ميزانية العام المقبل، التي كانت سبباً في إسقاط تحالف اليسار، واليمين المتطرف، حكومة بارنييه، لما تتضمنه من بنود تقشفية.

تضم الحكومة رئيسي وزراء سابقين، انتقلا من اليسار للوسط

حكومة فرنسية بوجوه وزارية مستعادة

وبينما لم تشكّل حكومة بايرو، مفاجأة من حيث إنها لم تشمل أي اسم من تحالف اليسار المتصدر نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت الصيف الماضي، والتي تتألف من الاشتراكيين والخضر والشيوعيين واليسار الراديكالي (حزب فرنسا غير الخاضعة)، إلا أنها يمكن اختصارها بحكومة الـ"ديجا فو" deja vu، بحسب تعبير صحيفة لمونود أمس، لما تشمله من أسماء وزارية معروفة، جرى تدويرها في المناصب، بينما ضمّت رئيسي حكومة سابقين، هما إليزابيث بورن ومانويل فالس، وهما من الأقل شعبية لدى الفرنسيين. وبورن التي عادت إلى امتلاك حقيبة وزارية، هي التربية، كانت أغاظت الفرنسيين، بعدما مرّرت قانون إصلاح نظام التقاعد الذي رفع سنّ التقاعد إلى 64 عاماً، مستخدمة صلاحيات الحكومة، أي البند 49.3، لتمرير المشروع دون تصويت البرلمان. وفي المحصلة، فإن حكومة بايرو تعتمد إلى حد كبير على نفس القوى الوسطية والمحافظة التي دعمت سلفه، أما الأسماء اليسارية التي تضمّها، فمعظمها تموضع إلى جانب ماكرون وتياره "الوسطي" منذ وقت طويل.

واختار ماكرون وبايرو، رئيس الوزراء الأسبق إيمانويل فالس (62 عاماً)، وزيراً للأراضي الفرنسية ما وراء البحار، فيما أصبح وزير الداخلية السابق جيرالد دارمانان، وزيراً للعدل. واحتفظ سيباستيان لوكورنو، بمنصبه وزيراً للدفاع، وكذلك وزير الخارجية جان نويل بارو. علماً أن لوكورنو كان المفضل لدى ماكرون لرئاسة الحكومة بعد بارنييه، لكن "موديم" ضغط من أجل تشكيل بايرو حكومة فرنسية متصالحة مع اليمين واليسار، نظراً لمواقف الأخير الوسطية. ويُطرح اسم لوكورنو (38 عاماً)، مرشحاً للرئاسة عن "النهضة" في 2027، وهو وزير في كل حكومة شكّلها ماكرون منذ 2017. واحتفظ أيضاً وزير الداخلية المحافظ، برونو روتايو، بمنصبه، وهو كان توعد بمحاربة الهجرة غير القانونية، وكذلك وزيرة الثقافة رشيدة داتي، المنتمية لحزب الجمهوريين اليميني. أما مهمة إعداد وطرح الميزانية، فأوكلت إلى إريك لومبار، رئيس صندوق الأمانات والودائع، الذراع الاستثمارية للحكومة الفرنسية.

وتضم حكومة بايرو، 35 اسماً، ليس من بينها أي وزير من تحالف اليسار الذي يملك مجتمِعاً الأغلبية في البرلمان (أكثر من 160 صوتاً)، وكان طالب بعد الانتخابات التشريعية المبكرة، بأن يُسمي ماكرون رئيس حكومة فرنسية من هذه الأكثرية، لكن الرئيس تذرع برفضه التعاون مع اليسار الراديكالي وزعيمه جان لوك ميلانشون. ويبدو أن بايرو، كما سلفه بارنييه، قد تشاور مع اليمين المتطرف، أيضاً، لتشكيل الحكومة، علماً أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، رئيسة كتلة حزب التجمع الوطني في البرلمان، كانت استحصلت من بارنييه على تنازلات عدة بشأن للميزانية، ثم انقضت عليه، وحجبت كتلتها الثقة عنه لاحقاً في البرلمان.

اليمين المتطرف المتحكم

ويتأكد هذا التشاور، بتصريحات لزعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور، حيث كتب على إكس، فور إعلان الحكومة، أن "هذه ليست حكومة، إنها استفزاز. اليمين المتطرف في السلطة، تحت أعين اليمين المتطرف". كما أشارت رئيسة حزب الخضر مارين تونديلييه، إلى أن أعضاء الحكومة الجديدة الذين لديهم خلفيات يسارية تاريخياً (مثل بورن أو فالس) قد انفصلوا منذ فترة عن اليسار السياسي. وقالت: "الوحيدون الذين لديهم أي كرامة هم أولئك الذين رفضوا المشاركة في هذه المهزلة".

بالنسبة لبايرو، فإن الأولوية هي تجنب حجب الثقة في البرلمان، وتمرير الميزانية

بدوره، أكد السياسي اليميني كزافييه برتران، رئيس منطقة أو دي فرانس، قبيل الإعلان عن الحكومة، أنه لن يكون مشاركاً فيها، قائلاً إنها حكومة تتشكل بتواطؤ مع اليمين المتطرف، ولوبان، والتي ستكون لها اليد الطولى في ضمان بقاء هذه الحكومة. وكشف برتران أن ماكرون أخبره الاثنين أنه سيتراجع عن وعده له بمنحه حقيبة العدل، بسبب معارضة حزب لوبان، إذ يعدّ برتران ولوبان خصمين شرسين.

وسيجتمع ماكرون مع الحكومة للمرة الأولى، في 3 يناير/كانون الثاني المقبل. وبالنسبة لبايرو، فإن الأولوية هي تجنب حجب الثقة في البرلمان، وتمرير ميزانية بإمكانها مساعدة فرنسا على تجاوز أزمتها المالية وتقليص العجز. بعد ذلك، يصعب التنبؤ بمصير الحكومة، حيث لا تزال ولاية ماكرون الثانية تواجه صعوبات كثيرة، منها افتقار الرئيس لأغلبية واضحة في البرلمان، تساعده على تمرير سياساته الاقتصادية "الإصلاحية". كما أن اليسار الراديكالي يضغط لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو أيضاً ما بدأ التجمع الوطني يتوقعه.

وقالت لوبان لصحيفة لو باريسيان، قبل أسبوع، إنها "تستعد لانتخابات رئاسية مبكرة على سبيل الاحتياط، نظراً لضعف ماكرون، وما تبقى له من أدوات مؤسسية قليلة"، مشيرةً إلى أن "شعبية الرئيس تضاءلت على الصعيدين المحلي والدولي، ولم يعد له أي نفوذ في الاتحاد الأوروبي". وتتقدم لوبان في استطلاعات الرأي، ويمنحها الفرنسيون بين 35 و38% من نوايا التصويت الرئاسية، في آخرها.
من جهته، أعرب بايرو، مساء الاثنين، عن ثقته في أن المعارضة لن تقوم بإسقاط حكومته، حيث قال لقناة "بي أف أم تي في" بعد تعيين وزرائه: "أنا واثق من أن الإجراءات التي أطرحها أمامكم مع فريق الحكومة سوف تضمن عدم إطاحتنا".

المساهمون