استمع إلى الملخص
- استقالة ظريف جاءت بسبب قانون يمنع تولي المناصب الحساسة لمن لديهم جنسيات أجنبية، حيث استغل المحافظون جنسية ابن ظريف لإقصائه، رغم محاولات بزشكيان لحل المسألة.
- بعض المحللين يرون استقالة ظريف كمناورة سياسية لتسليط الضوء على الضغوط، بينما ينفي آخرون الاتهامات للمحافظين بإفشال الوفاق الوطني.
لم تمض أكثر من ستة أشهر على عمر حكومة الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان، حتى وجدت نفسها أمام "مرحلة عملية" من ضغوط المحافظين الإيرانيين المتشددين بعد تمكّنهم من الإطاحة بوزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، أمس الأحد، في جلسة برلمانية لاستجوابه، ومساعد بزشكيان للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، الذي اضطر إلى الاستقالة في اليوم نفسه.
أثارت الخطوة التصعيدية حفيظة الإصلاحيين في إيران وانتقادات خلال اليومين الأخيرين، لم يكن بزشكيان نفسه بعيداً عنها، حيث يرى إصلاحيون أنه بالغ في توجهه الرامي إلى الوفاق الوطني في مغازلة المحافظين والتودد إليهم على حساب قاعدته الاجتماعية ووعوده الانتخابية، وهو ما جاء بمردود عكسي وفق تلك الأوساط. وتتزامن التجاذبات السياسية مع أزمات داخلية متفاقمة في إيران، تأتي في مقدمتها الأزمة الاقتصادية، وتحديات خارجية كبيرة عقب عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو صاحب استراتيجية الضغوط القصوى ضد طهران، فضلاً عن تهديدات أميركية وإسرائيلية متصاعدة بإمكانية شنّ ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية خلال العام الجاري.
وقال المتحدث باسم حزب "نداي إيرانيان" (نداء الإيرانيين)، سعيد نور محمدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "استقالة مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية تعود لقانون أقرّه البرلمان الإيراني المحافظ في دورته السابقة بشأن مؤهلات تولي المناصب الحساسة، حيث يحظر توليها من قبل أشخاص لديهم أو لدى أولادهم جنسيات أجنبية"، مشيراً إلى أنّ المحافظين المتشددين تذرعوا بامتلاك أحد أبناء ظريف الجنسية الأميركية التي اكتسبها خلال حضور والده في البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة لإقصائه من المنصب.
وأوضح أنّ الرئيس الإيراني قام بمشاورات خلال الشهور الماضية لحل المسألة وجرى احتواؤها لفترة، لكن برلمانيين متشددين لم يتركوها وتابعوها يومياً، رافعين دعاوى قضائية، كاشفاً، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إيجئي قد ناقش الموضوع مع بزشكيان خلال جلسة رؤساء السلطات الثلاث أخيراً، موصياً باستقالة الدكتور ظريف، فطلب منه رئيس الجمهورية أن يطرح الموضوع بنفسه على السيد ظريف".
وأكد نور محمدي أنّ "رئيس السلطة القضائية، بناء على ذلك، دعا ظريف إلى اجتماع، وأوصاه بالاستقالة لمنع الضغوط المضاعفة على الحكومة في هذه الظروف"، مضيفاً أن ظريف بدوره رحّب بالأمر، ووافق على تقديم استقالته، وهو ما حصل. غير أنّ استقالة ظريف بطلب أو توصية من رئيس السلطة القضائية جاءت في يوم إقالة البرلمان وزير الاقتصاد، وهو ما أثار تساؤلات ملحة في الأوساط السياسية الإيرانية الإصلاحية بشأن الصلة بين الأمرين والرسائل من وراء ذلك.
وعن ذلك قال المتحدث باسم حزب "نداي إيرانيان" الإصلاحي "بشكل عام نعم هناك صلة بينهما، لأن المحافظين المتشددين الذين لم يألوا جهداً لمنع فوز السيد بزشكيان بالرئاسة يسعون إلى إقصاء الشخصيات المحورية من الحكومة"، مشيراً إلى أنهم "يهدفون إلى تحويل بزشكيان إلى شخصية محافظة مثلهم، فنجحوا في إقصاء ظريف وهمتي اللذين كانا رمزين وركنين للحكومة".
التشكيك بالوفاق
لا يخفي نور محمدي أن الرئيس بزشكيان يواجه اليوم أسئلة ملحة من قاعدته الاجتماعية بخصوص الوفاق الذي أعلنه وتابعه، بات "من دون فائدة" حيث لم يعمل المحافظون المتشددون بمقتضى الوفاق، بعد "التنازلات" التي قدمها لهم رئيس الجمهورية، و"منعوا" أحد أهم وزراء الحكومة، أي وزير الاقتصاد، من تنفيذ سياساته بإقصائه.
ودفعت هذه التصرفات أنصار الرئيس الإيراني إلى تشكيك "جاد" بجدوى الوفاق، وفق المتحدث الإصلاحي الذي أضاف أنهم يتساءلون عما يبحث عنه بزشكيان بهذا الوفاق الذي لم يساعده في تطبيق وعوده، فعلى سبيل المثال، لم تتحقق وعوده برفع الحجب عن شبكات التواصل وكذلك الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية لرفع اسم إيران عن قائمتها السوداء عبر سنّ تشريعات داخلية في إيران.
ردود بزشكيان
وبشأن ردة فعل الرئيس الإيراني على تصاعد ضغوط المحافظين، أوضح المتحدث باسم حزب "نداي إيرانيان" أنه "لا يمكن توقع ذلك، لكنني أعتقد أنه في الظروف الراهنة يتجنب طرح ذلك في الفضاء العام. مع ذلك ليس واضحاً ماذا سيفعل من وراء كواليس السياسة". واستبعد نور محمدي أن يتوقف ما يصفه بالتيار المحافظ المتشدد عن هذا الحد، معتبراً أنه "سيطيح بأشخاص آخرين في الحكومة إن لم ينجح السيد بزشكيان في الرد على الأسئلة الملحة حول جدوى الوفاق". وقال إنه لا يساوره الشك أن هذا التيار أيضاً سيعمل في نهاية المطاف لإقصاء بزشكيان نفسه.
مناورة سياسية؟
إلا أن رئيس "حزب إيران الأخضر"، حسين كنعاني مقدم، يرى في استقالة ظريف "مناورة سياسية" بالتزامن مع استجواب وزير الاقتصاد، و"ذلك للتسويق أن الحكومة تحت ضغوط المحافظين"، قائلاً إن الموقع الذي احتله ظريف قد جرى إنشاؤه في الحكومة الحالية "وفق قرار غير قانوني"، مضيفاً أنه "إذن لم يحمل صفة رسمية".
وقال كنعاني مقدم إنّ ظريف كذلك "شعر بأنه لم يعد له موقع في الحكومة"، عقب إعلان المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي حظر التفاوض مع الولايات المتحدة، وذلك "لأن ظريف كان يضطلع بمهمة بشأن هذه المفاوضات والاتفاق النووي"، مشيراً إلى أن "البعض كان بصدد طرح مسألة التفاوض مجدداً". وأضاف أنّ استقالة ظريف "تهدف إلى إيجاد قطبية ثنائية في الحكومة للترويج بأن مشروع الوفاق الوطني فاشل، وأن المحافظين ليسوا مستعدين لذلك"، نافياً صحة الاتهامات للتيار المحافظ بالعمل على إفشال الوفاق، وقائلاً إن هؤلاء البرلمانيين الذين أقالوا همتي هم الذين منحوه الثقة ليصبح وزيراً للاقتصاد.