حكومة السويد تسقط بتوافق يميني - يساري للمرة الأولى منذ 1980

حكومة السويد تسقط بتوافق يميني - يساري للمرة الأولى منذ 1980

21 يونيو 2021
بات لوفين في وضع تصريف أعمال (جوناثان ناكستراند/ فرانس برس)
+ الخط -

حجب البرلمان السويدي الثقة، اليوم الاثنين، عن رئيس الوزراء ستيفان لوفين، في سابقة في تاريخ البلاد السياسي، ما يمنحه أسبوعاً إما لتقديم استقالته أو للدعوة إلى انتخابات جديدة.
وبحسب نتيجة التصويت، أيّدت أغلبية مطلقة من 181 نائباً (من أصل 349 برلمانياً) حجب الثقة عن رئيس الحكومة الذي يحكم منذ عام 2014، في خطوة جاءت نتيجة تغيير حزب "اليسار" موقفه الأسبوع الماضي بعدما كان الداعم الوحيد للحكومة.
ويعتبر التصويت تاريخيا، فهي المرة الأولى منذ 1980 التي يجرى فيه اقتراح حجب ثقة، ويحظى بأغلبية كافية، ما يضع البلاد مجددا وسط أزمة حكم. 
ومنذ اليوم، بات لوفين في وضع تصريف أعمال، إلى أن يقرر ما إذا كانت البلاد ستذهب نحو مداولات تكليف رئيس حكومة جديد أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، قبل نحو 15 شهرا من انتخابات 2022. وسيسعى يمين الوسط للحصول على تكليف البرلمان له تشكيل حكومة بديلة، وسط خلافات عميقة على دور يمين قومي متشدد بات يؤثر على السياسة، على عكس تعهد الأحزاب بعدم التعاون معه بعد انتخابات 2018.
وكانت الأزمة قد تفجرت على خلفية قضية الإسكان في السويد، والخشية من عدم تأمينها للمواطنين مستقبلا. 
وكشف لوفين، رئيس وزراء يسار الوسط، عن توافق مع حزب "الوسط" (يمين وسط) لترك تأجير المساكن مستقبلا يتحدد حسب سعر السوق، أي من دون سقف كما هو معمول فيه اليوم. وأثار ذلك الموقف معارضة حزب "اليسار الاشتراكي" (28 مقعدا)، الذي يشكل مع آخرين أرضية برلمانية تدعم لوفين، ما دفع الحزب خلال الأيام الماضية لتأييد مقترح حجب الثقة باتفاق غير مباشر مع اليمين القومي المتشدد، "ديمقراطيو السويد"، ودعم من يمين الوسط.
وللمرة الأولى منذ تشكيل الحكومة بدعم من حزب البيئة (أقرب إلى اليسار) وحزب "الوسط" (ليبرالي) في 2018، واجه لوفين مقترح حجب ثقة توافقي في البرلمان، بدعم حزب "اليسار الاشتراكي" لأقصى اليمين في "ديمقراطيو السويد" ويمين الوسط "موداراتا" (الاعتدال)، لإجباره على عدم الموافقة على مقترح الليبراليين تبني قانون سعر تأجير المساكن. ووجد لوفين نفسه أمام معضلة حقيقية بين الموافقة على مقترح حزب "الوسط" القاضي بترك سعر تأجير المنازل المبنية مستقبلا يتحدد وفق السوق، وليس بسقف كما هو المعتاد في دولة الرفاهية السويدية، وبين تهديد "اليسار" مع اليمين بإسقاط حكومته.
وطيلة الأيام الثلاثة الماضية، تزعمت رئيسة حزب "اليسار" نوشي دادغوستار حملة سياسة وإعلامية للضغط على لوفين، من أجل القبول بتسوية للتراجع عن تأييده المساس بسياسة ثابتة في سقف أجرة المساكن الشعبية. وكان أمام لوفين مخرجين لا ثالث لهما في حال لم يقبل بالتسوية: الاستقالة أو الإعلان عن انتخابات مبكرة.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2018، تعيش السويد عملية تجاذب غير مسبوق على مستوى البرلمان. فبعد أن تعهدت الأحزاب السياسية، من كلا معسكري اليسار واليمين، بعدم منح "ديمقراطيو السويد" أي نفوذ سياسي بعد حصوله على نحو 17 في المئة من أصوات الناخبين، اضطر لوفين إلى قبول دعم الليبراليين "الوسط" لتشكيل حكومته في يناير/ كانون الأول 2019.
وإذا كان جوهر الخلاف الأخير تمثل في استجابة لوفين لضغوط الليبراليين شرطاً رئيساً لتقديم الحزب في 2019 دعماً برلمانياً لحكومته، للمس بقضية حساسة تتعلق بجوهر دولة الرفاهية المتعلقة بأجور المساكن في الأبنية الجديدة، فقد حاول "الاجتماعي الديمقراطي" درء حجب الثقة بمقترح لتأجيل "مناقشة قانون الإيجارات الجديد حتى سبتمبر/أيلول القادم". وأدى رفض "اليسار الاشتراكي" المقترح إلى فسح المجال أمام اليمين ويمين الوسط في السويد لاقتناص الفرصة لخلخة تحالف الحكم في استوكهولم، قبل نحو عام ونصف العام من الانتخابات العامة المقررة في 2022.
ولا تتوقف مشكلة الحكم السويدي عند قانون الإيجارات، بل تتعداه إلى امتعاض واضح من سياسات الهجرة واللجوء، وهي قضية يلعب على وترها اليمين المتشدد، وينساق وراءها يمين الوسط، وبالأخص "الحزب الديمقراطي المسيحي" بزعامة السياسية المغمورة إيبا بوسك، التي تتخذ موقفا معاديا للاجئين كقضية مركزية، وحزب "الاعتدال" بزعامة أولف كريسترسون، الساعي لترؤس حكومة يمين وسط من دون التحالف مع اليمين المتشدد.
وتتعرض الحكومة لانتقادات مستمرة بشأن سياسة الهجرة رغم محاولات يسار الوسط الظهور بمظهر المتشدد فيها منذ 2016. ويطالب اليمين بتبني سياسات ترحيل اللاجئين بصفة مؤقتة إلى دولهم الأصلية، بل يذهب القوميون المتشددون إلى ضرورة تبني بلادهم النموذج الدنماركي مع اللاجئين السوريين، باعتبار منطقتي دمشق وريفها "آمنتين" لترحيل الآتين منهما. 
وكانت استوكهولم قد استقبلت في ذروة تدفق اللاجئين في 2015 نحو 163 ألفا، أغلبهم من السوريين، ما دفع الحكومة لانتهاج سياسة متشددة في الأعوام التالية، حيث أغلقت حدودها مع الدنمارك منعا لوصول المزيد من اللاجئين. 
ويقود اليمين المتشدد في السويد حملة ضد المهاجرين واللاجئين في مدن جنوب البلاد وضواحي العاصمة استوكهولم، على خلفية حرب بين عصابات ينشط فيها بكثرة المهاجرون، وذلك مع تزايد أعمال الجريمة المنظمة وعمليات القتل.

واستغل حزب "ديمقراطيو السويد" الجلسة البرلمانية، التي تابعها الملايين صباح اليوم الاثنين، لمهاجمة سياسات الحكومة في قضايا انتشار الجريمة والبطالة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مركزا على "غياب سياسات هجرة ودمج واضحة، ما يجعل السويد تواجه أزمة وجودية تاريخية"، بحسب كلمة زعيم الحزب جيمي أوكسون.
وتعود أزمة الحكم في السويد إلى بداية 2019، ووجد "اليسار الاشتراكي" نفسه خارج التأثير على الحكومة، بعد أن دخل لوفين (وهو شخصية نقابية سابقا) في اتفاقية سميت بـ"اتفاق يناير" مع حزب "الوسط" الليبرالي لتأمين أغلبية في البرلمان، بعد 4 أشهر من فشل السياسيين في تشكيل حكومة عقب انتخابات 2018. 
وهاجم الحزب الحاكم، "الاجتماعي الديمقراطي"، أثناء جلسة البرلمان صباح اليوم الاثنين، حزب "اليسار الاشتراكي" متهما إياه بـ"اختيار التحالف مع اليمين المتطرف". وذهب حزب "البيئة" إلى مهاجمة الأحزاب في معسكر اليمين واليسار، واضعا ذلك في سياق "أجواء شعبوية وعنصرية في الخطاب السياسي الذي يهيمن على الساحة السياسية الأوروبية".
وكان البرلمان السويدي صوت 11 مرة منذ 1980 على مقترحات حجب ثقة عن الحكومات، من دون أن يحصل أي من المقترحات على تأييد الأغلبية، لكن مع وجود أصوات "ديمقراطيو السويد" اختلف الأمر هذه المرة.
وفي كل الأحوال، فإن لوفين وحزبه "الاجتماعي الديمقراطي" عاشا، خلال السنوات الماضية، أزمات أثرت على شعبيته وأدت لتراجع حظوظه وفق الاستطلاعات.

المساهمون