حكومات متعاقبة ووضع مهترئ

حكومات متعاقبة ووضع مهترئ

18 يناير 2021
لا يزال التونسيون مرابطين في الشوارع ويحتجون على أوضاعهم (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -

بعد أقل من خمسة أشهر على منح الحكومة التونسية الثقة في سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن رئيسها هشام المشيشي، أمس الأول السبت، عن تشكيل جديد، ليدخل تعديلات عدة، شملت خصوصاً وزارات الداخلية والعدل والصناعة والصحة. ربما يفاجأ مراقبون لا يعرفون الوضع في تونس من سرعة هذه التعديلات وأسبابها وجدواها، ولكن الجميع في تونس كان يتوقعها، حتى قبل أن ينال المشيشي ثقة البرلمان، بسبب الأجواء التي أحاطت بتعيينه شخصياً، وبتشكيل حكومته الأولى، وهي مناخات لم تقتصر على المشيشي وحده وإنما شملت كل الحكومات التي سبقته في السنوات الأخيرة.

في ظرف عشر سنوات من عمر الثورة، تولّى الحكومات التونسية المتعاقبة كل من محمد الغنوشي ثم الباجي قائد السبسي ثم حمادي الجبالي فعلي العريّض، وخلفه مهدي جمعة، ثم جاء من بعده الحبيب الصيد فيوسف الشاهد، وسقطت حكومة الحبيب الجملي في اختبار نيل الثقة، قبل أن تمنح لإلياس الفخفاخ الذي استقال ليفسح المجال أمام المشيشي.

هذا يعني أن تسعة رؤساء حكومات تداولوا على إدارة الشأن العام في تونس منذ الثورة، من دون احتساب الجملي، ومن دون احتساب أن بعضهم شكّل حكومتين خلال ولايته. وعلى الرغم من ذلك، لم يتغيّر الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، والناس يرابطون في الشوارع يحتجون على أوضاعهم، وكثير من الشباب لا يزال ينتظر تحسن الطقس ليبحر في اتجاه إيطاليا. فهل إن مئات الوزراء الذين تداولوا على الحقائب هم بلا كفاءة وبلا رؤية سياسية ومشاريع لتغيير الأوضاع، أم أن البلاد مفلسة تماماً ولا يستطيع أحد أن يفعل شيئاً؟

يعرف كثير من التونسيين أن ذلك غير صحيح، لأن غالبية الوزراء هم من الكفاءات الكبيرة التي أثبتت ذلك في مؤسسات دولية قبل تولي حقائب الوزارات، والبلاد ليست مفلسة بالدرجة التي تصيب بالعجز. ولكن الكارثة في المناخات السياسية وخصومات الأحزاب التي لا تنتهي، وخلافات الرئاسات الثلاث (الحكومة والبرلمان والجمهورية). فعلى مدى السنوات الأخيرة، تتغير الأسماء ولكن الخلاف ذاته، من يستأثر بحكم هذا الشعب المسكين؟ والحقيقة أن هذا الشعب ليس مسكيناً ولا هم يحزنون، فهو الذي اختار هؤلاء ومن الطبيعي أن يتحمّل تبعاً لذلك جزءاً من المسؤولية، وهو ليس مسكيناً أيضاً لأنه لم يعد على الصمت نفسه الذي كان عليه قبل الثورة، فهو يثور ويحتج وينتقد ويقصي. ولكن مصيبة النخبة السياسية أنها لا تعي ولا تنصت، حتى تكبر كرة الثلج ويجرف تيار الغضب كل شيء في طريقه، وقد فعلها منذ عشر سنوات لمن يريد أن يتذكر.

المساهمون