حكومات لبنان وأزمات التشكيل: تاريخ من تصريف الأعمال

حكومات لبنان وأزمات التشكيل: تاريخ من تصريف الأعمال

26 يوليو 2022
يواصل ميقاتي مساعيه لتشكيل الحكومة منذ 23 يونيو الماضي (حسين بيضون)
+ الخط -

يواصل رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نجيب ميقاتي مساعيه لتشكيل حكومة منذ 23 يونيو/حزيران الماضي، وسط خلافات على بعض الحقائب الوزارية التي قد تطيل فترة تشكيل الحكومة، وهو ما قد يُبقي البلد في مرحلة تصريفِ أعمالٍ ترتب تبعات قاسية نسبةً إلى الصلاحيات المحدودة جداً والضيقة التي يمنحها إيّاها القانون والتي تنحصر في إطار تسيير المرافق العامة.

وعرف لبنان منذ ما بعد الاستقلال عام 1943 حتى عهد الرئيس ميشال عون 77 حكومة، بيد أن مسار التشكيل لم يكن يوماً بسلاسةٍ تامة أو يمرّ من دون عقبات، وخصوصاً منذ خروج النظام السوري من الأراضي اللبنانية في 26 إبريل/نيسان 2005، الذي كان مهندس مرحلة الوصاية وصانع المسؤولين والعهود. وبدأ بعد انسحابه الخلاف والتناحر السياسي والمحاصصة والتسويات، ما أدى إلى إطالة أمد ولادة الحكومات لأشهرٍ، وأطول مدّة تأليف كانت في السنوات الأخيرة من نصيب حكومة حسان دياب.

وشُكِّلَت في 21 يناير/كانون الثاني 2020 حكومة دياب بعد تكليفه في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019 قبل أن تستقيلَ في 10 أغسطس/آب 2020 غداة انفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس 2020)، وتبقى في حالة تصريف أعمال مدة 13 شهراً حتى 10 سبتمبر/أيلول 2021 تاريخ تشكيل نجيب ميقاتي حكومته الثالثة.

يقول الكاتب السياسي في جريدة "المدن" الإلكترونية وليد حسين لـ"العربي الجديد"، إن مراحل تصريف الأعمال سُجِّلَت في حقبات ما بعد خروج الجيش السوري من لبنان بشكل كبير، أي عام 2005 وصعوداً، باعتبار أن الأخير كان يفرض إيقاعاً سريعاً، سواء على صعيد تكليف الرؤساء، أو تركيب الحكومات.

ويردف حسين، قائلاً: "بالإضافة إلى حكومة دياب التي بقيت بحال تصريف الأعمال لـ13 شهراً، استمرت حكومة نجيب ميقاتي الثانية (استقالت في 23 مارس/آذار 2013) نحو 11 شهراً، إذ بقيت في حالة تصريف أعمال حتى 15 فبراير/شباط 2014، وشكل بعده تمام سلام حكومته مطلع عام 2014، وبقيت ما عرف بحكومة الوحدة الوطنية أكثر من سنتين، لكنها ترافقت مع فراغٍ لعامين تقريباً في موقع رئاسة الجمهورية، ما جعلها أيضاً بمثابة "تصريف أعمال" وإن ليس بالمفهوم القانوني، فقد اتسمت بالتعطيل".

ويشير إلى أن لبنان عرف منذ انتخابات عام 2009 النيابية وحتى عام 2018 أكثر من سنتين من حكومات تصريف الأعمال، وحكومة فؤاد السنيورة التي تشكلت بعد انتخابات عام 2005 النيابية في عام 2005 لم يدم عقدها لأكثر من سنة ونيّف، وباتت بحكم حكومة تصريف الأعمال من نهاية عام 2006 ولغاية منتصف عام 2008، وهو تاريخ إعادة تشكيل حكومته الثانية.

ويلفت حسين إلى أنه بعد استقالة دياب، كُلِّف السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب تشكيل الحكومة في 31 أغسطس/ آب 2020، قبل أن يعتذرَ في 26 سبتمبر/ أيلول 2020 نتيجة المناكفات السياسية وتمسّك حركة أمل (بقيادة نبيه بري) بوزارة المالية، والتيار الوطني الحر (بقيادة النائب جبران باسيل) بوزارتي الطاقة والخارجية، ومن ثم كلف سعد الحريري في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 وقد استمرّ بحالة التكليف الطويلة جداً حوالى 9 أشهر قبل أن يعتذر في منتصف يوليو/ تموز 2021، وبعدها كُلِّف ميقاتي في 26 يوليو/ تموز الحالي.

ويرى الكاتب السياسي اللبناني أن القوى السياسية باتت بعد خروج النظام السوري أكثر "راحةً" بفرض شروطها والشروط المضادة الوزارية وتقاسم الحصص، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة أمد التشكيل، وهذه العقد الأساسية في المجتمعات المتعددة التي تحول دون انتظام الحياة السياسية في السلطة التنفيذية بشكل سليم، عدا عن الشق القانوني الذي يصار إلى استغلاله لناحية عدم وجود مدة زمنية تلزم أولاً رئيس الجمهورية بالدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرئيس المكلف الذي لا تقيّده أي مهلة زمنية لتشكيل حكومته.

ويستبعد حسين أن يصار إلى تشكيل ميقاتي الحكومة بوقت قريب، مشيراً إلى أن الأزمة "ستطول، وقد تذهب إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية (تنتهي ولاية عون في 31 أكتوبر 2022)"، إلا في حال حصول اتفاق أو "ديل" لكيفية توزيع الوزارات على القوى السياسية، كما حصل عند تشكيل حكومة ميقاتي الأخيرة، علماً أنه يُحكى عن ضرورة تسريع عملية التأليف تجنباً لأزمة دستورية قد نصل إليها على غرار عام 2014، بحيث تكون الحكومة موجودة في حال حصول فراغ رئاسي.

ما هي حكومة تصريف الأعمال؟ وما صلاحياتها؟

ويشرح الخبير الدستوري سعيد مالك لـ"العربي الجديد" مفهوم حكومة تصريف الأعمال، موضحاً أنها "الحكومة التي تستقيل أو تُعتبَر مستقيلة بحكم الدستور اللبناني، المادة 69 منه، وهذه الحكومة مبدئياً كانت تُكلَّف في السابق من قبل رئيس الجمهورية بتصريف الأعمال حتى يصار إلى تشكيل حكومة جديدة، ولكن عام 1990، ورد في القانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 ذكر في الفقرة الثانية من المادة 64 لتصريف الأعمال بأن الحكومة بحال استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، لا تمارس نشاطها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، حتى يصار إلى تشكيل حكومة جديدة، علماً أن هذه الإضافة حصلت بعد اتفاق الطائف بينما كانت الممارسة وقتها تلتزم هذه القاعدة دون نصّ حتى".

تبعاً لذلك، يشير مالك إلى أن "مفهوم تصريف الأعمال غير مذكور لا في القانون ولا في الدستور، ولم يكن في بال المشرع ربما أنّ الحكومات بحاجة إلى أشهر حتى تُشكَّل كما يحصل اليوم، وخصوصاً منذ ما بعد عام 2005، لافتاً في المقابل إلى أن الاجتهاد الإداري تطرّق إلى الأمر، بحيث شرح أن القضايا العادية تدخل في سياق تصريف الأعمال الضيّق، أما القضايا التصرفية التي تنتج عنها أعباء والتزامات على الدولة، فلا تُعتبر من قبيل تصريف الأعمال الضيق، إنما تدخل في صلاحية أي حكومة مكتملة الأوصاف".

ويلفت مالك إلى أنه "في حال الفراغ الرئاسي، تنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة إلى مجلس الوزراء، بغضّ النظر عمّا إذا كانت حكومة تصريف أعمال أو متكملة الأوصاف"، مشيراً إلى أنه "اليوم ليس هناك من نص دستوري يمنع عليها التوسّع بعملها ونشاطها، ولكن شرط أن تبقى ضمن إطار تصريف الأعمال، بمعنى، ليس هناك في الدستور أي نص يحظر على حكومة تصريف الأعمال الاجتماع، أو التصدي للتحديات التي يواجهها لبنان ولأي طارئ يمكن أن يقع في البلاد، وتناقشها وتجد العلاجات لها، لا بل من واجب الحكومة، ولو بحالة تصريف الأعمال، أن تعالج أي طارئ قد يحصل أو أي مستجد ممكن أن يجري، وبالتالي فإن حكومة تصريف الأعمال اليوم لها صلاحيات، ويمكن لها أن تتصرف وتردّ المخاطر بحال وجِدت، ومفهوم المعنى الضيق لتصريف الأعمال هو متحرك وليس جامداً".

ويرى مالك أن تسلّم الحكومة زمام الأمور وقيادة البلاد والعباد، يبقى أفضل بكثير من الفراغ، وبالتالي أمام معادلة الفراغ الرئاسي أو تسلّم حكومة تصريف الأعمال مهام رئيس الجمهورية، فمن الأفضل تغليب أحكام تسلّم حكومة تصريف الأعمال المهام على أحكام الفراغ، وذلك فيما لو انتهت ولاية عون، ولم يصَر إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد، مشيراً انطلاقاً من هنا إلى أنه لا يحق لحكومة تصريف الأعمال أن تتهرب من مسؤولياتها بالتلطي خلف عباءة تصريف الأعمال.

المساهمون