استمع إلى الملخص
- الليبيون يدركون أن الفبركة الحقيقية تكمن في أكذوبة "المنقذ من الإرهاب"، حيث تتضمن جرائم حفتر سجونًا سرية وإعدامات وحصار مدن، مما يجعل الفيديوهات لا تحتاج لمؤثرات صناعية.
- التساؤلات تتزايد حول صمت المحكمة الجنائية الدولية والعواصم الكبرى، مما يثير الشكوك حول معايير العدالة الانتقائية التي تتغاضى عن الجلادين بحجة مكافحة الإرهاب.
تُصر قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر على ترويج وهم فاضح، مفاده بأن الفيديو المسرب للنائب إبراهيم الدرسي في سجنه السري "مُفبرك بالذكاء الاصطناعي". ولو سلمنا جدلاً بهذا الادعاء المستحيل، فكيف يمكن لحفتر نفي صحة "فيديو الرعب" الذي يوثق جرائمه منذ أن أطلق أول حروبه في بنغازي عام 2014، بكل مشاهده المتتابعة: مذبحة قاعدة براك الشاطئ 2017، وحربه على طرابلس عامي 2019 و2020، اختطاف النائبة سهام سرقيوة وتغييبها سنة 2019، اغتيال الناشطة حنان البرعصي سنة 2022، قتل وزير الدفاع المهدي البرغثي 2023؟ هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يزوّر عقدا كاملا، ويزيف خلاله أصوات أنين وبكاء أهالي الضحايا، ويلون المشاهد بحمرة الدم؟
صحيح أن الليبيين يعرفون أن من سرب الفيديو في توقيت سياسي مشبوه له أجندته وأهدافه، لكنهم يعرفون أيضاً أن "الفبركة" الحقيقية ليست في التقنية، بل في أكذوبة "المنقذ من الإرهاب" الذي أطلق منذ 2014 فيلم رعب طويلاً: سجون سرية، وإعدامات، وحصار مدن ومناطق، وقصف العاصمة التي تضم ثلاثة ملايين إنسان عاماً ونصف العام. فمشاهد هذا الفيديو لا تحتاج إلى مؤثرات صناعية، لسبب واحد، وهو أنها مسجلة في ذاكرة شعب يعرف أن من قتل البرغثي هو من عذب الدرسي، وأن من أخفى سرقيوة هو من يرفض الكشف عن مصير المئات من المختطفين.
ادعاء فبركة الذكاء الاصطناعي كشف عن "غباء" سياسي لنظام حفتر، يظهر جلياً حين يرفض الاعتراف بجريمة واحدة، ويتباهى في نفس الوقت بما يصفه بـ"الانتصارات العسكرية". فما المختلف في مشهد إهانة الدرسي وتعذيبه ووضع سلسلة في رقبته، عن مشهد جثث المدنيين الذين ربطت أيديهم قبل أن يدفنوا أحياء في مقابر ترهونة الجماعية؟ ولا تزال ذاكرة الليبيين "الطبيعية" تحتفظ بأرشيف مشاهد حية لفيديوهات لا تحتاج لفبركة.
وهنا يلوح سؤال آخر يتعلق بالعدالة الدولية التي تتغنى بحقوق الإنسان؟ لماذا تصمت المحكمة الجنائية الدولية؟ وأين العواصم ذات الثقل في الملف الليبي والبعثة الأممية الذين لا يتوقفون عن الحديث عن الاستقرار والسلام في ليبيا؟ هل كل هؤلاء عاجزون عن تحليل فيديو في مختبراتهم وبتقنياتهم التي يعلنون كل يوم أنها في خدمة الإنسان، أم أن صمت مجلس الأمن ومنظمة العفو الدولية يعني أن "الفبركة" الحقيقية هي في معايير العدالة الانتقائية التي تحاسب الضعيف وتتغاضى عن الجلاد إن حمل راية "مكافحة الإرهاب"؟