في نهاية الشهر الماضي، وأثناء انخراط ممثلي مجلسي النواب والدولة الليبيين في أول لقاء بينهما، في العاصمة المصرية القاهرة، بعد خلاف لأشهر حول الانتخابات، وتباين سقف التوقعات حول نتائجها وإمكانية التوصل إلى حل من أجل تنظيمها، كان اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في ذلك الوقت، يدوّن رسالة لتهنئة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفوزه بولاية رئاسية ثانية، في الانتخابات الفرنسية التي أجريت في إبريل/نيسان الماضي.
شكر حفتر في رسالته ماكرون على "الدعم" الذي قدمته باريس لمليشياته "في مكافحة الإرهاب"، بل وعبّر عن رغبته في التطلع إلى "مزيد من التعاون المثمر بين البلدين"، بحسب الرسالة التي نقلتها وسائل إعلام مقرّبة منه.
وفي رسالة حفتر دلائل تشير إلى تمسّكه بعدم الاعتراف بكل الأجسام السياسية في البلاد، بما في ذلك مجلس النواب، الذي لا يزال يشكّل غطاءً سياسياً له، خصوصاً بعد الإعلان عن حكومة فتحي باشاغا، التي خرجت للوجود نتيجة تقارب واهم بين الرجلين.
ومن المفترض أن هذه الأجسام هي المخوّلة بإرسال مثل هذه التهاني والتواصل الدبلوماسي، لتأكيد الرغبة في التطلع لتبادل التعاون مع أي بلد آخر.
غير أن السؤال الذي من الواجب طرحه هو حول نوع التعاون الذي يتطلع إليه حفتر مع فرنسا. فـ"ثمار" هذا التعاون، وفقاً لعقل هذا العسكري المتمرد ومليشياته، هو جلب السلاح والحروب والدماء لا غير.
وبالنظر إلى تاريخ العلاقة التعاونية بينه وبين فرنسا، لا نجد أي ترجمة لها إلا في المجال العسكري، وما صواريخ "جافلين"، التي عُثر عليها في معسكر كانت تشغله فرقة فرنسية لدعم مليشيات حفتر في مدينة غريان، أثناء الحرب على طرابلس، والطائرة الفرنسية التي سقطت في ضواحي بنغازي وقُتل على متنها ثلاثة جنود فرنسيين أثناء عمليات حفتر التوسعية حول بنغازي، سوى مثلَين على تعاونهما، والذي لا يزال ماثلاً في أذهان الليبيين.
لقد جددت الرسالة في طياتها موقف حفتر القديم: لا حوار ولا تفاوض من دون تحقيق هدفه في الوصول إلى الحكم. وربما كانت الرسالة موجّهة لا لماكرون وحده، بل للمتفاوضين حول المسار الدستوري حالياً، بل إن حفتر، وفي أي مفاوضات جارية، يوجّه رسائل مضمونها أنه جاهز للحرب مجدداً إذا لم يخدم أي تفاوض مصالحه.