منذ أكثر من شهرين، كثّف اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر زياراته لجنوب البلاد، متخلياً عن الغموض الذي اكتنف وضعه السياسي بعد هزائمه العسكرية وانكسار مشروعه في حكم البلاد بقوة السلاح طيلة السنوات الماضية.
وبدأ حفتر زياراته للجنوب الليبي، بزيارة الكفرة (أقصى جنوب شرقي البلاد) منتصف أغسطس/آب الماضي، ثم غات (أقصى جنوب غربي البلاد) منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وأخيراً ركز على وسط الجنوب بزيارة براك الشاطئ نهاية سبتمبر الماضي، ويستعد خلال أيام لزيارة سبها، وربما غيرها.
واللافت في كل هذه الزيارات أنها لم تستهدف زيارة مقار مليشياته وقاداتها، بل ركزت على لقاء الفعاليات الاجتماعية والزعامات القبلية وممثلي مؤسسات المجتمع المدني، وحتى ممثلي روابط مشجعي الأندية الرياضية.
ولم يستخدم في خطاباته التي حرص على إلقائها في جموع من يلتقيهم في كل هذه المناطق، الخطاب العسكري أو الحديث عن قواته، بل خلا حديثه من كل الشعارات السابقة التي مثّلت عنوان حروبه طيلة سنوات، مثل "الحرب على الإرهاب"، و"القضاء على المليشيات والجريمة المنظمة"، وغيرها.
وركزت خطاباته على "تحريض الشعب ليتصدر المشهد بنفسه"، حاثاً "القوى المدنية على رص الصفوف من أجل واجباتها الوطنية في تخطي المرحلة الحالية"، ومهاجمة كل الأجسام السياسية، واصفاً حلولها السياسية بـ"الحلول التلفيقية"، ومن بينها حل "المحاصصة السياسية التي ثبت فشلها، ولا تخدم إلا صانعيها، ولا مجال لإعادة تدويرها".
لا شك أن نجم حفتر أفل إقليمياً ودولياً، فلم يعد يُستقبل كالسابق في كبرى العواصم الإقليمية والدولية، كأحد قادة المشهد، وغاب مع غيابه حديث تلك العواصم عن الحلول العسكرية. لكن اللافت في حراكه في مدن الجنوب أخيراً، بعد غياب طويل، مؤشر على رغبته في العودة مجدداً، لكن هذه العودة تُظهر فقدانه الدعم السياسي الذي كان يتلقاه من مجلس النواب، بدليل دعوته "الشعب" للانتفاضة و"إزالة كل الأجسام السياسية"، وقطعاً منها مجلس النواب.
وتحمل تلك الزيارات الكثيفة رسائل عديدة، ربما استعداداً لعودة محتملة لملف الانتخابات، وبالتالي باشر مساعيه للحشد شعبياً في الجنوب، على اعتبار ضمانه لأصوات قبلية في شرق البلاد لا تزال على تأييدها، وربما ضمانها حتى بقوة السلاح والترهيب.
وربما أيضاً يسعى للصعود مجدداً محلياً، للفت الأنظار الخارجية، لا سيما الإقليمية منها لدعمه، خصوصاً في خضم الانقسام الحكومي الحالي الحاد بين حكومتين، وتلقي حكومة مجلس النواب التي تعمل في مناطق سيطرته دعماً من بعض الدول الإقليمية المقربة منه.
ووسط كل هذا التكهن لمضامين وأهداف زياراته الكثيفة للجنوب الليبي، يبدو الثابت الوحيد حتى الآن، أن سقوطه العسكري وتبعاته الاجتماعية والسياسية كان سبباً في انزياحه، وسبباً في عودة الصراع الى الباحة السياسية، لكن عودته الآن مؤشر على عودة العراقيل لأي حل سياسي في البلاد.