حفتر والتعذيب والمصالحة الوطنية

16 يناير 2025
قوات حفتر تنفذ اعتقالات، بنغازي، مايو 2020 (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسربت مشاهد مرعبة من سجون خليفة حفتر، مما أثار انتقادات دولية ومحلية، لكن الردود الرسمية كانت ضعيفة، مع غياب مواقف واضحة من الأطراف المحلية وعدم تعليق من جانب حفتر.

- التسريب يبدو مقصودًا لأهداف سياسية، حيث يسعى حفتر لتبني خطاب المصالحة الوطنية، في محاولة للتهرب من الملفات الجنائية التي قد تستخدم ضده، مع إصدار قانون "المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية".

- حفتر يواجه ضغوطًا دولية بسبب انتهاكاته، ويستخدم المصالحة كوسيلة لإرغام المتضررين على قبول تعويضات، بينما تظل الملفات الكبرى مثل المقابر الجماعية والمجازر دون معالجة حقيقية.

بعد مرور يومين من تسرب مشاهد مصورة مرعبة من داخل سجون اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وتحديداً من سجن قرنادة سيئ السمعة، شرقي البلاد، لا تزال مواقف البعثات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والحريات ضعيفة، إذ لم تصدر عنها بيانات رسمية، بل مجرد تصريحات لبعض موظفيها. وحتى موقف البعثة الأممية لم يتجاوز حد المطالبة بالتحقيق في تلك المشاهد، مع إقرارها بأنها وقعت في سجون حفتر، ما يعني أنها تحققت من ذلك. أما على مستوى الأطراف المحلية، فلم يصدر عن أي طرف موقف واضح، كما لم يصدر عن جانب حفتر أي تعليق، فالكثير من الحقوقيين تعرفوا إلى الأشخاص الذين ينفذون التعذيب أو يتعرضون له من خلال تلك المشاهد.

لا يبدو أن التسريب كان بريئاً، بل مقصود لأهداف سياسية تتعلق بتبني حفتر خطاب المصالحة الوطنية، مسلكاً جديداً من مسالك سياساته المتغيرة والمتبدلة دوماً. فقد دفع مجلس النواب لإصدار قانون "المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية"، قبل نحو أسبوعين، ثم تكليف أحد أنجاله (الصديق) بترؤس هيئة عليا للمصالحة الوطنية بدأت في عقد اجتماعات حثيثة وواسعة مع قادة القبائل والمكونات الاجتماعية للدعوة لعقد مؤتمر للمصالحة. يترتب على هذا سؤال وهو: هل يحتاج إرهاب حفتر لإثبات؟ فسجونه لم تعد سرية، وما يحدث فيها معلوم للجميع، معروف للعام والخاص، ووصل صدى ما فيها من رعب وتنكيل وإخفاء، للرأي العام الدولي ووثقته تقارير دولية. أين إبراهيم الدرسي عضو مجلس النواب الذي غيبت مليشيات حفتر مصيره، منذ مايو/أيار الماضي، لمجرد أنه اعترض على كيفية إدارة أنجال حفتر (بلقاسم) لملف الإعمار؟ وأين من سبقوه من شخصيات رسمية وضباط ومواطنين ونشطاء وإعلاميين؟ والقائمة تطول.

بعد أن تسربت المشاهد، نفذت مليشيا تابعة لحفتر عمليات اعتقال واسعة لكل من له علاقة بالتسريب، حتى الذين كانوا يمارسون التعذيب وظهروا في تلك المشاهد قبض عليهم. الواقع أن المشاهد مرعبة، لكن ليس للمشاهد والمتابع فقط، بل لحفتر نفسه، فذهابه إلى تبني خطاب المصالحة الوطنية يشير إلى معاناته الكبيرة حيال الملفات الجنائية التي تمسك بها قوى كبرى يمكن أن تستخدمها ضده في أي لحظة إذا خالف سياساتها ومصالحها. لذا جاء على رأس نصوص قانون المصالحة "جبر الضرر"، فحفتر يسعى لإرغام المتضررين من تنكيله وإرهابه على قبول تعويضات والتنازل عبر بوابة مجلس النواب، بل الأخير، عبر هيئة المصالحة، هو من يحدد حجم التعويض المالي. أما من سيدفع تلك التعويضات فهي خزانة الدولة عبر وزارة العدل بالحكومة الخاضعة لسيطرته.

كشف إرهاب حفتر وحجم الانتهاكات التي يحاول التهرب منها، تحت مظلة القوانين التشريعية والأجسام الحكومية، لا يمكن أن يكون عبر مشاهد عارضة من داخل سجون، فهو ليس التسريب الأول، بل بالدفع بملفات كبرى تخدم مصالح وطنية، لا مصالح الأطراف الدولية. من بين تلك الملفات، المقابر الجماعية في ترهونة، وملف مشاهد الجثث في شارع الزيت في بنغازي لمدة تزيد عن العامين، وملفات المجازر الأخرى في الكلية العسكرية بطرابلس وقاعدة تمنهنت في الجنوب، وملفات مطابع تزوير العملة في بنغازي وغيرها وغيرها، فهي الملفات التي لم تفده مئات لجان الصلح والمصالحة في الالتفاف عليها.

المساهمون