حصانة لإرهابيي "فتية التلال": جرائم المليشيات تحت رعاية حكومة نتنياهو

12 فبراير 2025
عناصر من "فتية التلال" يقطعون طريق مساعدات لغزة، 1 فبراير 2024 (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى حكومة نتنياهو لتكريس سيطرتها على الضفة الغربية عبر اقتحامات عسكرية وتشجيع اعتداءات المستوطنين، بهدف ضمها وإسقاط إمكانية قيام دولة فلسطينية.
- قررت الحكومة تنظيم عمل مجموعة "فتية التلال" ومنحها حصانة، مما يعكس توجهات اليمين المتطرف ويعزز اعتداءاتها على الفلسطينيين.
- تتزامن هذه التحركات مع إجراءات في الكنيست، مثل مشروع قانون لتسجيل اليهود كمالكين لأراضٍ فلسطينية وتغيير اسم المنطقة، ضمن مخطط لضم الضفة الغربية.

تتسارع وتيرة عمل حكومة الاحتلال الإسرائيلي على تكريس سيطرتها على الضفة الغربية المحتلة، تمهيداً لضمها لـ"دولة إسرائيل"، وإسقاط أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقبلاً، ففي حين يحتفي بنيامين نتنياهو وأركان حكومته باقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهجير أهالي غزة من القطاع المنكوب، بعد حرب لأكثر من 15 شهراً عليه، فإنه يواصل في المقابل حربه على الضفة، التي لا تقتصر على الاقتحامات والحملات العسكرية التي يشنها على مخيمات شمال الضفة في الفترة الأخيرة، بل تتخطاها لتشجيع اعتداءات المستوطنين الساعين لتوسيع سيطرتهم على مزيد من الأراضي بالقوة.

من هنا يأتي توجّه حكومة نتنياهو، وتحديداً وزير الأمن يسرائيل كاتس، لتنظيم عمل عصابة "فتية التلال" الاستيطانية في الضفة، ومنحها عملياً الحصانة، عبر تعيين مسؤول مدني للتعامل مع هذه المجموعة، التي كانت في وقت سابق ملاحقة، ولو بوتيرة خفيفة، من قبل سلطة الاحتلال، لتصبح اليوم شبيهة بمليشيات تابعة للحكومة وتنفذ توجيهاتها. مأسسة هذه المليشيا وتوفير الحصانة لها في الضفة الغربية سيوفّر لها غطاء كاملاً من الحكومة، ويجعل التعامل معها مدنياً لا عسكرياً كما كان في السابق، في انعكاس لتوجهات حكومة نتنياهو، إذ تُعتبر مجموعة "فتية التلال" جزءاً من مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرف، الممثل في الحكومة اليوم بوزير المالية، رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، وقبل استقالته وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

هذه المجموعة التي تؤمن بإقامة "دولة يهودية" على "أرض إسرائيل الكبرى" بعد طرد الفلسطينيين منها، تستمد أيضاً تصرفاتها من علاقتها بوزراء ونواب في الكنيست، بحسب تقرير سابق لصحيفة يديعوت أحرونوت، علماً أن الوزير كاتس كان قد قرر الشهر الماضي عدم استخدام أوامر الاعتقال الإداري ضد "فتية التلال"، فيما الجرائم القومية (جرائم بدوافع استيطانية وعنصرية) آخذة في الازدياد. كل ذلك يأتي في سياق متكامل من سعي الاحتلال لتهويد الضفة الغربية وإخضاعها، وهو ما برز عبر سلسلة من الإجراءات في الكنيست أخيراً، ومنها العمل على مشروع قانون يسمح لليهود بتسجيل أنفسهم مالكي أراض فلسطينية في الضفة، والسعي لتغيير اسم المنطقة إلى "يهودا والسامرة".

مسؤول مدني للتعامل مع "فتية التلال"

وفي ظل زيادة الجرائم القومية العنصرية من قبل المستوطنين، وتراخي شرطة الاحتلال في التعامل مع هذه القضية، ووسط حالة نشوة يعيشها المستوطنون بوجود حكومة تعزز الاستيطان وتصعّد استهداف الفلسطينيين، توصّل يسرائيل كاتس وجهاز الأمن العام (الشاباك)، إلى فكرة جديدة للتعامل مع الجرائم التي ترتكبها عصابة "فتية التلال" الاستيطانية في الضفة المحتلة، من خلال تعيين مسؤول "مدني" تابع للحكومة يكون مسؤولاً عن قضيتهم، في إشارة إلى شخصية نافذة في صفوف المستوطنين، وليست من الأجهزة الأمنية. وبالنظر إلى إطلاق حكومة اليمين المتطرف العنان لمجموعات المستوطنين، بما في ذلك مجموعة "فتية التلال" الإرهابية، للاعتداء على الفلسطينيين، وإحراق وتخريب ممتلكاتهم، فإن خطوة كهذه تأتي بالأساس لضبط سلوكيات "فتية التلال"، من أجل حمايتهم، وعدم إشغال قوات الاحتلال بتطورات أمنية، وإفقادها تركيزها على المسائل التي تراها مهمّة، خصوصاً في ظل العدوان المستمر على الضفة، لا سيما شمالها.

قرار تعيين مسؤول للتعامل مع "فتية التلال" جاء بعد سلسلة اجتماعات عقدها كاتس مع حاخامات من مجتمع المستوطنين

وأوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت، أمس الثلاثاء، أن قرار تعيين مسؤول للتعامل مع "فتية التلال" جاء بعد سلسلة اجتماعات عقدها كاتس مع حاخامات من مجتمع المستوطنين، واجتماع عمل عقده قبل أسابيع مع "الشاباك"، تناول قضية "فتية التلال"، والتعامل مع الجرائم القومية. ويبدو أن المسؤول المرتقب، سيكون "مدنياً" من المستوطنات ويحظى بقبول من قبل "الشاباك" للتعامل مع القضية، "بهدف العثور على شخص تُمنح له صلاحيات تنفيذية، مع فريق كامل من الأفراد، للقيام بمعالجة شاملة لإعادة تأهيل الفتية وتوجيههم، حتى لا ينحدروا إلى الجريمة والعنف والإرهاب". علاوة على ذلك، يتوجب على المسؤول إدراك كيفية العمل مع الوزارات المختلفة في حكومة الاحتلال، ومع الجهات الأمنية المختلفة، مثل الجيش والشرطة.

وكانت "يديعوت" قد كشفت في أغسطس/آب 2023، عن تخصيص موظف خدمة، داخل القسم اليهودي في جهاز "الشاباك"، للتعامل مع الظاهرة. ومنذ ذلك الحين، كان هذا الشخص في القسم اليهودي على اتصال مستمر مع حاخامات المستوطنين ورؤساء المجالس الاستيطانية، ويجري محادثات منتظمة معهم. لكن الآن، تقرر تعيين مستوطن "غير مرتبط" بأي جهة، وسيعمل بالتعاون مع جميع المنظمات.

وأفاد مسؤولون أمنيون، وفق ما أوردته "يديعوت"، أمس، بوجود رغبة في تعيين المسؤول عن التعامل مع "فتية التلال" بسرعة، من دون المرور بعدد كبير من العقبات البيروقراطية، والعثور على شخص يمكنه تقديم استجابة فورية في ظل الأحداث الأمنية. وتجدر الإشارة إلى أن "الشاباك" أوصى بنيامين نتنياهو عدة مرات في العام الماضي، بتعيين مسؤول لمتابعة "فتية التلال"، ذلك أن التعامل مع هذه المجموعة، "معقّد" وفقاً للصحيفة، ويتطلّب تجنيد العديد من الأطراف للتعامل معهم على أفضل نحو، لردعهم عن الانخراط في أنشطة عنيفة على الأرض، مما يعرّض أمنهم الشخصي للخطر، ويشيح بانتباه الأجهزة الأمنية.

وشهدت السنوات الأخيرة ازدياداً لعدد المنتمين إلى مجموعة "فتية التلال"، ومن يحملون فكرها، بحسب تقارير إسرائيلية سابقة. وتعيش هذه المجموعة كسائر المستوطنين حالة "نشوة" في ظل حكومة تعزز الاستيطان وتصعّد استهداف الفلسطينيين. وكان كاتس قد قرر في يناير/كانون الثاني الماضي، عدم استخدام أوامر الاعتقال الإداري ضد "فتية التلال"، وإطلاق سراح المعتقلين إدارياً فوراً إلى منازلهم في مستوطنات الضفة. وقال كاتس حينها: "على خلفية إطلاق سراح المخربين (في إشارة إلى الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الذين يُطلق سراحهم ضمن صفقة تبادل الأسرى في غزة) المتوقع إلى مناطق يهودا والسامرة (الضفة المحتلة) في إطار الصفقة، قررت إطلاق سراح المستوطنين المعتقلين في الاعتقال الإداري، وإرسال رسالة واضحة لتعزيز وتشجيع الاستيطان، الذي يقف في طليعة مكافحة الإرهاب الفلسطيني والتحديات الأمنية المتزايدة". وأضاف: "من الأفضل أن تفرح عائلات المستوطنين اليهود بدلاً من عائلات المخربين المفرج عنهم".

شهدت السنوات الأخيرة ازدياداً لعدد المنتمين إلى مجموعة "فتية التلال"، ومن يحملون فكرها

قبل ذلك، شهد العامان الماضيان، ارتفاعاً في فرض القيود وأوامر الاعتقال الإدارية، بسبب زيادة الجرائم القومية العنصرية من قبل المستوطنين وتراخي شرطة الاحتلال في التعامل مع هذه القضية. على سبيل المثال، شهد عاما 2021 و2022، توقيع خمسة أوامر اعتقال إداري فقط، و61 أمر تقييد لحركة المستوطنين. في المقابل شهد عاما 2023 و2024، توقيع 33 أمر اعتقال إداري و76 أمر فرض قيود، قبل أن يقرر كاتس الشهر الماضي، إلغاء أوامر الاعتقال الإداري ضد المستوطنين الإرهابيين. ووفق معطيات نشرتها صحيفة معاريف في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، نقلاً عن جيش الاحتلال، سُجلت منذ مطلع عام 2024 وحتى موعد نشر تقرير "معاريف"، 663 جريمة قومية. وزعم جيش الاحتلال انخفاض المعطيات مقارنة بعام 2023 الذي سجل 1045 جريمة قومية، لكن العدد الحقيقي للاعتداءات قد يتجاوز المعطيات الرسمية التي أعلن عنها الاحتلال.

وقال الخبير في الشأن الإسرائيلي، عماد أبو عواد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذا التعيين مرتبط ارتباطاً جوهرياً بمجموعة الإجراءات التي اتخذها الاحتلال أخيراً، وعلى رأسها إلغاء الاعتقال الإداري لهذه الفئة من قبل وزير الأمن، لافتاً إلى أن الاتجاه نحو تعيين شخصية مدنية ليست قادمة من المؤسسة العسكرية، يعني أن "هذه الشخصية ستكون منبثقة عن الحكومة، والأخيرة كما هو معروف يقودها حزب الصهيونية الدينية، وبالتالي هذه الشخصية ستكون من داخل المؤسسة التي تؤمن بفكر "فتية التلال" وجهات "تدفيع الثمن" ما يعني أنهم سيتلقون دعماً كبيراً".

عماد أبو عواد: نحن اليوم أمام حالة من مأسسة المليشيات في الضفة الغربية، لتصبح جزءاً من المؤسسة الرسمية

وحول أشكال هذا الدعم، أوضح أبو عواد: "أولاً تجاوز ما تسميه إسرائيل بعض الأعمال التي يقومون بها، والمقصود هنا الاعتداءات التي كان بعضها يخضع لحساب ولو شكلي، وهذا الأمر انتهى منذ زمن، الأمر الآخر هو ترتيب عملهم، وبالتالي تتحول هذه المجموعة إلى شبه مليشيات تتبع الحكومة، وتنفذ سياستها التي تتبنى هذا الفكر". وأشار إلى "أننا اليوم أمام حالة من مأسسة المليشيات في الضفة الغربية، لتصبح جزءاً من المؤسسة الرسمية، وهذا من أهم أعمال وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وبالتالي نحن مقبلون على مرحلة خطيرة جداً، لأن هذه المجموعات سيكون عملها أكثر تنظيماً وهجماتها ضد الفلسطينيين ستحصل على غطاء كامل من الحكومة، والتعامل المدني معها في أفضل أحواله سيكون من خلال إجراءات مدنية قانونية تستمر سنوات طويلة، وليست عسكرية كما كان الحال سابقاً، حيث حاولت المؤسسة العسكرية ضبط هذه المجموعات بشكل طفيف".

"اركضوا واستولوا على التلال"

ويُطلق اسم "فتية التلال" على مجموعة من الشباب اليهود المتطرفين جداً، ويسكنون في مستوطنات وبؤر استيطانية أو مزارع ووحدات استيطانية معزولة. وعلى الرغم من إطلاق اسم "فتية" عليهم، فإن غالبيتهم في الواقع في عمر 20 عاماً فما فوق. وعادة ما ينخرط جزء كبير منهم باعتداءات على الفلسطينيين. ووفقاً لتقديرات جيش الاحتلال، فإن النواة الصلبة لعصابات "فتية التلال" في الضفة الغربية تعدّ 150 مستوطناً. لكن الهجمات الإرهابية لا تقتصر على هذه المجموعات فقط، وإنما يشاركهم عدد كبير من المستوطنين الآخرين، الذين يصلون إلى البؤر والمزارع الاستيطانية، ويشاركون في الاعتداءات.

ووُلد اسم هذه المجموعة الإرهابية، من دعوة أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرئيل شارون، عندما كان وزيراً للخارجية في عهد حكومة نتنياهو عام 1996، لإحباط عملية السلام واتفاقية "واي ريفير" (نصت الاتفاقية التي وُقعت عام 1998 على الانسحاب الإسرائيلي من بعض مناطق الضفة). وقال شارون في خطاب في مركز "الليكود" وقتها: "اركضوا واستولوا على التلال. تلة بعد الأخرى. يجب التحرك والجري، والاستيلاء على أكبر عدد من التلال" (في الضفة الغربية المحتلة). ووجدت دعوة شارون تجاوباً من قبل عدد كبير من المستوطنين الشباب لفرض أمر واقع. ويذكر أن جزءاً من "فتية التلال" هم من أبناء الجيل الثاني في المستوطنات، وجزءاً آخر من الشباب المتدينين من المدن الكبيرة ومناطق أخرى.

والقرار الجديد المتعلق بـ"فتية التلال" يأتي ضمن سياق مخطط حكومة نتنياهو للوصول إلى ضم الضفة الغربية. وقبل أيام، دعا الوزير بتسلئيل سموتريتش رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للعمل على الدفع نحو فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة. وقال سموتريتش في تدوينة على "إكس": "علينا أن نعزز قبضتنا وسيادتنا على أجزاء الوطن في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)". ومضى: "بلدنا صغير للغاية، ولذلك علينا أولاً أن نتجنب الشر: لا يجب أن نأخذ غزة ونضاعف التهديد في قلب بلدنا عشرين مرة. بل نعزز قبضتنا ونفرض السيادة في يهودا والسامرة". يتوازى ذلك مع مصادقة الكنيست الإسرائيلي قبل أيام، بالقراءة التمهيدية، على مشروع قانون يسمح لليهود بتسجيل أنفسهم مالكي أراض فلسطينية في الضفة الغربية. ومن شأن هذه الخطوة تعزيز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ضمن خطط اليمين المتطرف لضم الضفة. كما يُتوقع أن تصّوت الهيئة العامة للكنيست هذا الأسبوع على مشروع قانون يعتمد تسمية "يهودا والسامرة" بدلاً من الضفة، بعد مصادقة اللجنة الوزارية لشؤون التشريع عليه قبل أيام.