حسابات الأرباح والخسائر بعد 6 أشهر على رئاسة ترامب الثانية
استمع إلى الملخص
- سياسات ترامب، خاصة الحرب التجارية، أثرت سلباً على شعبيته بسبب تأثيرها على الاقتصاد، وزادت مواجهاته مع المؤسسات الأكاديمية وملف جيفري إبستين من متاعبه.
- التوترات داخل الحزب الجمهوري تتزايد مع اعتراضات على سياسات ترامب الخارجية، مما يهدد تماسك الحزب ويبرز الانقسامات المتزايدة.
مع انقضاء يوم أمس الأحد، يكون قد مضى نصف سنة على رئاسة دونالد ترامب الثانية للولايات المتحدة الأميركية. عند هذه المحطة يجري المؤيدون كما الخصوم، مراجعات وتقييمات للتجربة وحصيلتها. الفريق الأول لم يرَ غير "الإنجازات"، فيما حصر الثاني تصويبه على ما يسميه بسياسات "التخريب" التي اعتمدها الرئيس الأميركي. الاستطلاعات تجمع على أنه يحظى بتأييد حوالي 45% أو أقل من الأميركيين، خلال هذه الفترة، علماً أن التوقعات التي أعقبت الانتخابات كانت تتحدث عن أرقام أعلى في ضوء الزخم الذي حمله إلى البيت الأبيض. لكن ترامب تعثر في الداخل وبدا أنه بالغ في تعهداته تجاه الخارج ونزاعاته.
على صعيد روزنامته المحلية، حقق الرئيس ترامب خلال هذه المدة ولو بشق الأنفاس بعض وعوده الرئيسية أثناء حملته الانتخابية، فقد مرر مشروع خفض الضرائب والإنفاق العام في مجلسي النواب والشيوخ، وإن بصوت واحد في هذا الأخير، علماً أن حزبه الجمهوري يملك الأغلبية في المجلسين. بعض هذه الأغلبية تمرد عليه في اقتطاعاته للبرامج الاجتماعية. كما حقق ضبط الحدود مع المكسيك ومنع المتسللين إلى الأراضي الأميركية بصورة غير مشروعة ولو أن أساليب تطبيق هذه السياسة أثارت اعتراضات حتى من جانب جناح من الجمهوريين. بالإضافة إلى أنه أزاح الكثير من سياسات سلفه جو بايدن كتلك المتعلقة بالضوابط المالية وغيرها، عن طريق صلاحياته بإصدار المراسيم التنفيذية لإحداث تغييرات هامة في التوجهات والتنظيمات الإجرائية، وقد نجح في ترجمة عزمه على توسيع الصلاحيات التنفيذية للبيت الأبيض وبعضها كان على حساب الصلاحيات التي يتمتع بها الكونغرس بموجب الدستور.
لكن خطواته هذه كانت لها كلفتها التي انعكست هبوطاً ملحوظاً في رصيده السياسي، ثم جاءت "حربه التجارية " لتعزز الهبوط، كونها انعكست في غلاء الأسعار وتهدد بالمزيد منه كما من احتمالات التضخم، حسب توقعات الخبراء، مثل لاري سامرز، وزير المالية الأسبق وأستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد. كما أثارت مواجهاته مع هذه الجامعة وغيرها من الصروح الأكاديمية بسبب حزازات ومناكفات تلطت وراء زعم معاداة السامية في هذه الساحات العلمية حالة من الامتعاض العام الذي ساهم في اهتزاز وضعه، وخاصة أن وعوده بتحسين الوضع الاقتصادي بقيت في أحسن أحوالها مرهونة بتطورات الحرب التجارية التي ما إن يهدد بإعلانها حتى يتراجع ليعلن تأجيلها إلى موعد آخر، ما أدى إلى مفاقمة أزمة الصدقية في قراراته.
ثم جاء فتح ملف رجل الأعمال جيفري إبستين، الذي "انتحر في سجنه" في 2019 بعد الحكم عليه في قضية المتاجرة الجنسية بالفتيات القصّر، ليزيد متاعب الرئيس الذي قيل إن "اسمه ورد" في التحقيقات بهذه القضية من باب أنه كانت له علاقة مع المتهم. وكان المليادير إيلون ماسك أول من أشار إلى هذه العلاقة بعدما ساءت علاقته بالرئيس وترك الإدارة الأميركية في مايو/أيار الماضي ليعود إلى عالم أعماله. وما زاد من إرباك البيت الأبيض أن شريحة واسعة من قاعدة تيار ترامب المعروف باسم (MAGA) تطالب وبإلحاح بالكشف عن محاضر ومداولات هيئة المحلفين التي أجمعت على اتهامه في هذه القضية، ثم تفاقم الموضوع ليزرع الخلاف بين وزيرة العدل بام بوندي ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، حول المحاضر. والأخطر من ذلك أن هناك بداية تباعد مع البيت الأبيض تقوده كتلة من الجناح المحافظ المحسوب على هذا التيار والذي يجاهر باعتراضاته على سياسات الرئيس المتعلقة بحروب الخارج، وبالتحديد في الشرق الأوسط. ومن بين رموزها نخب نافذة وقفت وعملت مع ترامب في إدارته الأولى كما في حملته الانتخابية الأخيرة، مثل ستيف بانون وتاكر كارلسون، وكلاهما له منبر إعلامي (بودكاست) نافذ وله جمهوره الواسع في صفوف تيار الرئيس ويعتمد خطاب الترويج لسياسة الانكفاء والتخلي عن الالتزامات الخارجية حتى تجاه إسرائيل.
في مؤتمر عام لأنصار هذا التوجه المتنامي في أوساط اليمين الجمهوري عُقد في ولاية فلوريدا الأسبوع الماضي، طالب كارلسون الذي كان مقرباً جداً من الرئيس، بضرورة "سحب الجنسية الأميركية" من الأميركيين اليهود الذين يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي، بحجة "عدم جواز ازدواجية الولاء الوطني". كلام علني من هذا العيار غير مسبوق. وشعار "أميركا أولاً" بدأ يتحول إلى "أميركا أولاً وأخيراً"، وهذا خطاب يهدد تماسك الحزب الجمهوري وبالذات تيار ترامب، في وقت ما زال أمام رئاسته ثلاث سنوات ونصف.