حسابات أردوغان للتقارب مع الأسد

حسابات أردوغان للتقارب مع الأسد

18 ديسمبر 2022
تسعى تركيا لإبعاد "قسد" عن حدودها (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

لم تتأخر روسيا لإعلان ترحيبها بطرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقد لقاء ثلاثي يجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد، وذلك عبر "آلية ثلاثية" للتباحث حول العديد من القضايا.

وفي وقت يبدو الموقف الروسي مفهوماً، فإن تساؤلات تُطرح حول دوافع أنقرة نحو لقاء كهذا، لتبرز خصوصاً الحسابات الانتخابية لأردوغان قبيل الانتخابات العامة التي تشهدها البلاد صيف العام المقبل، مع تحوّل موضوع اللاجئين السوريين إلى ورقة أساسية فيه.

كذلك، فإن سعي تركيا لتأمين حدودها مع الشمال السوري، وإبعاد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، يلعب دوراً في مفاوضات تقودها موسكو للتوصل إلى تسوية سيكون النظام السوري لاعباً أساسياً فيها.

فراس رضوان أوغلو: محاولات التقارب بين دمشق وأنقرة ما تزال في نطاق الاستكشاف

وقال نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، أول من أمس الجمعة، إن موسكو "تنظر بإيجابية كبيرة بشأن فكرة الرئيس التركي عقد اجتماع لقادة تركيا وسورية وروسيا". ونقلت وكالة سبوتنيك عن بوغدانوف قوله: "نجري الآن اتصالات مع الأصدقاء السوريين" بشأن هذه الفكرة.

واعتبر مدير الدائرة الأوروبية الرابعة في وزارة الخارجية الروسية، يوري بيليسون، في تصريح لوكالة تاس نُشر أمس السبت، أن موسكو ترى أن العملية البرية التركية المخطط لها في سورية خطوة سابقة لأوانها.

وقال "تحافظ هيئة الأركان العامة ووكالات الاستخبارات في البلدين على اتصال وثيق بشأن خطط تركيا لتنفيذ عملية عسكرية في سورية. نحن نتفهم أن القضايا المتعلقة بحماية الحدود الجنوبية لتركيا حساسة بالنسبة لشركائنا، لكننا ننطلق من الحاجة إلى الامتثال الصارم لمبادئ وحدة أراضي واستقلال وسيادة الدولة السورية".

وأضاف: "بشكل عام، نعتبر مثل هذه العملية خطوة سابقة لأوانها، لأنها قد تؤدي إلى مزيد من التوتر وتعزيز المشاعر الانفصالية وتأجيج المواجهة المسلحة". وتابع: "من المعروف أن منصة أستانة، الوحيدة الفعالة فيما يتعلق بحل الأزمة السورية، تم إطلاقها من خلال جهود روسيا وتركيا وإيران".

اقتراح أردوغان تشكيل آلية ثلاثية

وكان أردوغان قد قال، الخميس الماضي، إنه اقترح على بوتين "تشكيل آلية ثلاثية مع روسيا وسورية لتسريع الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق". ونقلت مواقع تركية عن أردوغان قوله: "يمكن أن تجتمع وكالات استخباراتنا أولاً، ثم وزراء دفاعنا، ثم وزراء خارجية الدول الثلاث، وبعد ذلك يمكن أن نلتقي كقادة، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لسلسلة من المفاوضات"، مشيراً إلى أن بوتين رأى المقترح إيجابياً.

وهذه ليست المرة الأولى التي يبدي فيها أردوغان رغبته في لقاء الأسد، إذ لم يستبعد مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مثل هذا اللقاء "عندما يكون الوقت مناسباً". واعترف المسؤولون الأتراك أخيراً بوجود اتصالات واجتماعات ذات طابع استخباراتي، ربما تفضي إلى تقارب دبلوماسي، ما يعد تحولاً كبيراً في السياسة التركية تجاه النظام السوري الذي ناصبته أنقرة العداء على مدى أكثر من 11 عاماً.

وكان التقارب بين أنقرة ودمشق خلال السنوات الماضية يبدو مستحيلاً، إلا أن العديد من التحديات التي تواجه الحكومة التركية قبيل إجراء انتخابات عامة في البلاد منتصف العام المقبل، قد فرضت مراجعات لسياسة أنقرة الخارجية تجلت في التقارب مع العديد من الدول العربية.

وتنظر أنقرة بقلق إلى وجود "قسد" في شمال شرقي سورية، وتخشى من فرض الغرب إقليماً يحمل صبغة كردية تعتبره أنقرة خطاً أحمر، لذا تقبل بإعادة قوات النظام إلى شرقي الفرات ومناطق غربه تخضع لـ"قسد"، لوأد أي محاولة غربية في هذا الاتجاه.

كما أن وجود أكثر من 4 ملايين سوري في تركيا يشكل ورقة ضغط من قبل المعارضة التركية على الشارع التركي لتغيير توجهه في الانتخابات المقبلة والتصويت لصالحها، لذا يحاول أردوغان سحب هذه الورقة من يد معارضيه، من خلال التقارب مع نظام الأسد والتنسيق معه لإعادة العدد الأكبر من اللاجئين.

ورأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو أن "محاولات التقارب بين دمشق وأنقرة ما تزال في نطاق الاستكشاف"، مضيفاً: "احتمالات الاستمرار والنجاح والفشل كلها ممكنة". وتابع: "هناك زيادة في جرعة التصريحات التركية تجاه دمشق لأسباب متعددة، منها سحب أوراق من يد المعارضة التركية قبيل الانتخابات".

محاولة تركية لضمان الموقف الروسي

وعن أهداف تركيا من وراء محاولات التقارب مع النظام السوري، لفت رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "أنقرة تحاول ضمان الموقف الروسي في العديد من الملفات"، مضيفاً: "يبدو أن هناك اتفاقاً بين أنقرة وموسكو ودمشق على إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وهذا مكسب كبير للأتراك".

وأعرب عن اعتقاده بأن "توافق تركيا مع روسيا والنظام حول ملف قسد وحزب العمال الكردستاني يبدو أسهل من التوافق مع واشنطن"، مضيفاً: "كل طرف سيضع شروطه، ومن غير الواضح موقع المعارضة السورية التي تدعمها تركيا في المفاوضات الحالية".

ومقابل الخطوات التركية للتقارب مع النظام السوري، يبدو أن الأخير غير متحمس في الوقت الراهن لمثل هذا التقارب الذي من المفترض أن يلي تطبيعاً في العلاقات، فـ"لا مصلحة اليوم للسوريين بعقد مثل هذه القمة، ولا مصلحة للدولة السورية بتقديم هدايا مجانية لأردوغان وحزبه قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية"، وفق رئيس تحرير صحيفة الوطن التابعة للنظام وضاح عبدربه.

ياسين جمول: التقارب مع الأسد مطلب روسي من تركيا

وأشار، في مقال نشر الأربعاء الماضي، إلى أن لدى النظام السوري شروطاً لعقد أي لقاء قمة بين الأسد وأردوغان، منها "وقف دعم وتمويل الإرهاب، ووضع برنامج زمني علني لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية التي تحتلها"، وفق تعبيره. واعتبر التصريحات التي تنشر في الإعلام التركي حول هذا الأمر "ليست سوى حملة انتخابية لا هدف لها سوى وضع حد لانتقادات الداخل التركي وأحزاب المعارضة، لكسب كل ما يمكن من أصوات في الانتخابات الرئاسية"، وفق قوله.

ولكن الوقائع تؤكد أن النظام السوري لم يعد يملك قراره السياسي والعسكري منذ التدخل الروسي إلى جانبه أواخر عام 2015، ومن ثم لا خيار أمام هذا النظام في حال ارتأت موسكو عقد هذه القمة الثلاثية.

ويخضع الشمال السوري للنفوذ التركي المباشر منذ سنوات. وأقام الجيش التركي قواعد له في محافظة إدلب شمال غربي سورية وفي ريف حلب الشمالي وفي منطقتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سورية. وتريد أنقرة إنشاء شريط "آمن" داخل الأراضي السورية بعمق 30 كيلومتراً، لدرء أي خطر على جنوب تركيا من "قسد". ومن غير الواضح بعد موقف واشنطن من تقارب محتمل بين تركيا والنظام السوري، إلا أن الأميركيين يعارضون أي محاولات أو مساعٍ لإعادة تعويم نظام الأسد.

وكانت دمشق وأنقرة ترتبطان بعلاقات كانت توصف بـ"المتميزة" في السنوات التي سبقت اندلاع الثورة السورية عام 2011، والتي كانت السبب الرئيسي في قطيعة وصلت إلى حد العداء بين النظام السوري وتركيا. وتدعم أنقرة المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، إذ تستضيف الائتلاف الوطني السوري، وهو العنوان السياسي الأهم لقوى الثورة والمعارضة السورية. وحاول الأتراك ألا يكونوا طرفاً مباشراً في الحرب ضد النظام، إلا أن مقتل نحو 30 جندياً تركياً على يد قوات النظام في ريف إدلب مطلع عام 2020 دفع الجيش التركي لرد "قاسٍ" على هذه القوات.

وأبدى الباحث السياسي ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، أسفه لأن "القضية السورية اليوم صارت ورقة تفاوضية داخلية لبعض الدول مثل تركيا، وورقة تفاوض بين الدول"، مضيفاً: "الحكومة التركية طرحت التقارب مع النظام نكاية بالمعارضة الداخلية بما يتعلق بملف اللاجئين السوريين في تركيا".

التقارب مطلب روسي من تركيا

وأشار إلى أن "موضوع التقارب مع نظام الأسد يندرج ضمن بنود التفاوض بين روسيا وتركيا حول أوكرانيا وغيرها من الملفات"، مضيفاً: "التقارب مع الأسد مطلب روسيّ من تركيا".

ووصف جمول النظام السوري في الوقت الراهن بـ"الغريق الذي يتعلق بقشة"، مضيفاً: "هو يطبّل لدول لا يعرفها أحد، ولا يعترف بها إلا هو وروسيا كي يستشعر بها شرعيته المفقودة، فكيف إن تيسرت له فرصة للتقارب مع تركيا بما تمثله في الساحة الدولية اليوم من ثقل وأهمية، وأي تقارب له معها هو نوع من الاعتراف به وبشرعيته".

المساهمون