حزب العمال أمام اختبار المؤتمر السنوي: أزمة ثقة تحاصر ستارمر

20 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:09 (توقيت القدس)
ستارمر في داونينغ ستريت، 14 أغسطس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه حزب العمال البريطاني تحديات سياسية كبيرة مع تراجع شعبيته، حيث يهدده حزب "إصلاح المملكة المتحدة" اليميني وحزب يساري جديد بقيادة جيرمي كوربين وزارا سلطانة، مما يهدد بخسارة دعم التيار اليساري التقليدي.

- تشهد بريطانيا احتجاجات شعبية متزايدة تضامناً مع الشعب الفلسطيني، تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل ووقف تصدير السلاح، مما يشكل ضغطاً على الحكومة البريطانية وسط انتقادات من المنظمات الحقوقية.

- يعاني حزب العمال من أزمات داخلية وزعزعة في القيادة تحت كير ستارمر، مع استقالات وإقالات تثير مخاوف من فقدان السيطرة وتدفع بعض النواب للتفكير في استبداله قبل الانتخابات المقبلة.

يعقد حزب العمال البريطاني مؤتمره السنوي في 28 سبتمبر/أيلول الحالي حتى 1 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بعد عام وشهرين على فوزه بالسلطة بأغلبية مطلقة وُصفت بالتاريخية، إلا أن التحديات التي تواجه الحزب ليست بالقليلة خصوصاً مع الانخفاض المتزايد في شعبية الحزب بين الجمهور، وعدم القدرة على تحقيق وعود انتخابية أُطلقت الصيف الماضي تحت عنوان "التغيير"، فضلاً عن بدء زعزعة حزبية داخلية.

ولعل القضية الأبرز التي ستشغل بال الآلاف من أعضاء المؤتمر في ما يتعلق بالتنافس مع الأحزاب الأخرى، هي تصدّر حزب "إصلاح المملكة المتحدة" اليميني الشعبوي بقيادة نايجل فاراج استطلاعات الرأي في الأشهر الثلاثة الأخيرة، فضلاً عن إطلاق حزب جديد بقيادة النائب جيرمي كوربين والنائبة زارا سلطانة، الأمر الذي يهدد بخسارة جمهور محسوب تاريخياً على حزب العمال، خصوصاً التيار اليساري. ورغم أن استطلاعات الرأي الحالية التي تعطي حزب الإصلاح 30% مقابل 23% لحزب العمال لا تعكس بالضرورة النتائج في الانتخابات المقبلة، إلا أنه منذ ثمانينيات القرن الماضي لم يشهد أي حزب حاكم انخفاضاً في استطلاعات الرأي بهذا القدر في عامه الأول في السلطة.

استقطاب ما بين اليمين واليسار

وأتت مسيرة اليمين المتطرف يوم السبت الماضي التي شارك فيها عشرات الآلاف فيما قدّرتها الشرطة بأكثر من 100 ألف، واعتُبرت أكبر احتجاج قومي يميني منذ عقود، لتعكس صعود قوة اليمين الشعبوي والمتطرف في الشارع البريطاني على غرار دول أوروبية أخرى، وهو ما ينذر بتحوّل في الخريطة السياسية البريطانية بشكل غير مسبوق.
وإلى جانب ازدياد قوى أقصى اليمين على حساب التراجع الكبير لليمين المحافظ التقليدي المتمثل بحزب المحافظين، يأتي تشكيل حزب يساري جديد بقيادة كوربين وسلطانة الذي ما زال تحت التأسيس على أن يعقد مؤتمره خلال أشهر، فرصة إضافية لتراجع شعبية حزب العمال من تيارات ومجتمعات يهمها العدالة الاجتماعية وتقف ضد الاستعمار، باتت ترى أن حزب العمال بقيادة كير ستارمر

متواطئ مع إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية على غزة.

تعطي استطلاعات الرأي حزب الإصلاح 30% من التأييد مقابل 23% لحزب العمال

ويتجلى هذا الغضب في الحراك الشعبي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي لم يتوقف منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 ووُصف بأنه أطول حراك شعبي مستمر في التاريخ البريطاني، حيث يخرج كل بضعة أسابيع عشرات الآلاف في لندن ومدن أخرى مطالبين بفرض عقوبات على إسرائيل ووقف تصدير السلاح لها بشكل كامل ووقف إبادة غزة.
وترى العديد من المنظمات الحقوقية أن قرار الحكومة البريطانية تجريم حركة بالستاين أكشن بموجب قانون الإرهاب كان خاطئاً ويستهدف تراثاً أصيلاً في حرية التعبير والعمل السياسي الاحتجاجي، والعصيان المدني ضد القانون الذي اعتقل بسببه أكثر من 1500 شخص أصبح يُشكل حرجاً مستمراً للحكومة. وسيكون مؤتمر حزب العمال في مدينة ليفربول نهاية الشهر الحالي مسرحاً للمزيد من الاحتجاج على تجريم "بالستاين أكشن" وعلى سياسات ستارمر تجاه الموقف من غزة.

تظاهرة في لندن منددة بموقف ستارمر من دعم إسرائيل (العربي الجديد)
تظاهرة في لندن منددة بموقف ستارمر من دعم إسرائيل (ربيع عيد)

ضرائب وحقوق العمال

ويبدو أن النقابات العمّالية التي استبشرت خيراً بفوز حزب العمال على حزب المحافظين الذي حكم 14 عاماً، بدأت بالتخوف من عدم قدرة "العمال" على الوفاء بوعوده تجاه الطبقة العاملة، إذ حذّر العديد من النقابات العمالية رئيس الحكومة من أي تراجع عن الالتزام بحقوق العمال في ما يخص تشريعات اقتصادية وحقوقية عمّالية. وتُطالب النقابات بأن تكون هذه الحقوق المبلَّغة واضحة في السياسات الحكومية قبل المؤتمر السنوي للحزب، كيلا يتم استغلال الفترات الانتقالية أو الأزمات مبررا للتخفيف من هذه الالتزامات. وترى النقابات أن أي تراجع، حتى الجزئي يمكن أن يُسبب توترات داخلية كبيرة، وأن وفاء الحكومة بهذه الوعود لا يُعدّ خياراً، بل ضرورة للحفاظ على الثقة لاتحادات تُمثل ملايين المواطنين.

بداية زعزعة داخلية في حزب العمال

لا يبدو أن حزب العمال يحمل نفس التماسك الداخلي الذي كان عليه عند تسلمه السلطة قبل نحو عام، إذ تُوجه تحذيرات لكير ستارمر من أن الوقت ينفد لإصلاح قيادته المتعثرة، حيث بدأ نواب حزب العمال يتساءلون عما إذا كان من الممكن تحديه بوصفه رئيساً للوزراء، بحسب ما نقلت صحيفة ذا غارديان عن نواب. ويُعتبر النائب كلايف لويس أول من أعلن ضرورة رحيل ستارمر، وهو ناقد دائم للحكومة. ولكن نواباً آخرين، بمن فيهم بعض الموالين لستارمر عادةً، يتساءلون بشكل متزايد عما إذا كان ستارمر قادراً على قيادة الحزب للخروج من تراجعه الحالي في استطلاعات الرأي.

بدأ نواب في حزب العمال يتساءلون عما إذا كان من الممكن تحدي ستارمر بوصفه رئيساً للوزراء

جاءت إقالات الأسبوع الأخير واستقالاته لكل من وزيرة السكان والمجتمعات ونائبة الرئيس أنجيلا راينر بسبب فضيحة عدم دفع الضرائب بشكل مستحق، وبيتر ماندلسون السفير في واشنطن بسبب علاقاته السابقة مع جيفري إبستين، ضربة للفريق الذي شكّله ستارمر ليقود السلطة. وعززت إقالة ستارمر للورد ماندلسون مخاوف نواب حزب العمال من فقدان داونينغ ستريت السيطرة، ومن خلل في تقديرات رئيس الوزراء، بحسب ما نقلت صحيفة فايننشال تايمز، التي قالت أيضاً إن بعض الوزراء اشتكوا من نقلهم من مناصب كانوا يعتقدون أنهم يؤدون فيها عملاً جيداً من دون أي تفسير يُذكر، وترك العديد من النواب الذين رأوا أنه كان ينبغي ترقيتهم.

تفاقمت الأزمة التي تُحيط بستارمر عشية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمملكة المتحدة، بعد استقالة جديدة هي الثالثة خلال أسبوعين لأحد أبرز حلفائه، مما يثير المزيد من التساؤلات حول استقرار حكومته، إذ استقال بول أوفيندن من منصبه مديراً للاستراتيجية السياسية لرئيس الوزراء، وهو أحد أقدم حلفاء ستارمر وأقربهم خدمةً، وذلك بعد نشر رسائل قديمة نقل فيها أوفيندن بعض نكات بذيئة أُلقيت في حفل عن النائبة العمالية المخضرمة ديان أبوت. وذكرت عدّة وسائل إعلام بريطانية أن الاضطرابات المحيطة بقيادة ستارمر دفعت نواباً من حزب العمال إلى البدء في الحديث بصراحة عن احتمال استبداله قبل الانتخابات المقبلة، وربما حتى خلال الأشهر القليلة المقبلة.