استمع إلى الملخص
- يواجه "الحرس الوطني" صعوبات بسبب تحفظ بعض الفصائل مثل "حركة رجال الكرامة" على الانضمام، نتيجة عدم وضوح طبيعة التشكيل، وسط تنسيق مع قوى خارجية لجمع السلاح تحت سلطة واحدة.
- أثار الإعلان ردود فعل متباينة، حيث رفضت بعض الفصائل الانضمام، بينما يسعى التشكيل إلى تنظيم الفصائل لمحاربة الإرهاب بالتنسيق مع التحالف الدولي.
فتح إعلان مجموعة فصائل محلية في السويداء بالجنوب السوري، السبت الماضي، اندماجها تحت اسم "الحرس الوطني"، الباب أمام إضافة مزيد من التعقيد إلى المشهد في المحافظة، وسط تحركات متواصلة تهدف إلى تعزيز نزعة الحكم الذاتي. ومن شأن الخطوة زيادة نفوذ الشيخ حكمت الهجري؛ أحد مشايخ العقل في السويداء، والذي يتصدر التصعيد مع دمشق في الآونة الأخيرة.
وجاء في الإعلان عن تشكيل "الحرس الوطني" أن هذه الخطوة تهدف إلى توحيد صفوف فصائل محلية تحت قيادة الهجري، وتوحيد الجهود في مواجهة ما وصفها بـ"العصابات السلفية المقيتة". وأعلن القائمون على الخطوة الالتزام المطلق بقرارات الرئاسة الروحية الممثلة بالهجري، واعتباره "الممثل الشرعي والمخول بتمثيل الطائفة الدرزية في الجبل (التسمية الأخرى للسويداء)". ووفق البيان، فقد بلغ عدد الفصائل المنضمة للتشكيل الجديد 30 فصيلاً وقوّة محلية.
ونقلت صفحة "السويداء 24" المحلية على "فيسبوك" عن مصدر في قيادة "الحرس الوطني" زعمه أنه "بعد سقوط نظام (بشار) الأسد، وجدت السويداء نفسها أمام فراغ أمني كبير، في ظل انتشار للفصائل المسلحة المتعدّدة وانتشار كبير للسلاح العشوائي، وتجنباً للوقوع في الفوضى فرض هذا الواقع الحاجة لتشكيل الحرس الوطني كإطار منظم يوحّد القوى المحلية ويضبط السلاح". ووفق المصدر فإن من بين المهام الرئيسية "للحرس الوطني مكافحة الإرهاب والتصدي لأي تنظيمات متطرفة تحاول التمدد نحو السويداء، خصوصاً فلول تنظيم داعش والتنظيمات المشابهة"، إضافة إلى "التنسيق الإقليمي والدولي والتعاون مع التحالف الدولي في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية"، وفق زعمه.
رواد بلان: يتم العمل منذ أكثر من خمسة شهور على توحيد الفصائل في السويداء
وذكر مصدر محلي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه الجهود تواجه صعوبات، مع تحفظ فصائل رئيسية على الاندماج في التشكيل الجديد بسبب عدم اتضاح طبيعته. ووفق المصدر المحلي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الهجري كان يعتمد على التشكيل السابق المسمى "مجلس السويداء العسكري" بقيادة العقيد المنشق عن جيش النظام السابق طارق الشوفي، لكن خلافات نشبت بين الطرفين كما يبدو، تخللها خطف مسلحي الشوفي قبل أن تتدخل بعض الفصائل لتأمين الإفراج عنه. وأعرب عن اعتقاده بأن الإعلان عن هذه الخطوة جاء ضمن تنسيق مع القوى الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة، وبالتفاهم مع الحكومة في دمشق، بهدف جمع السلاح تحت سلطة واحدة تمهيداً لأية استحقاقات تواجهها المحافظة في المرحلة المقبلة. ولفت المصدر إلى أن أبرز المتحفظين على إعلان "الحرس الوطني" من داخل السويداء فصيل "حركة رجال الكرامة"، وهو أكبر التشكيلات العسكرية في المحافظة، بقيادة يحيى الحجار.
وأصدر الفصيل أمس الأحد بياناً رحب فيه باندماج الفصائل المحلية ضمن جسم عسكري منظّم لكنه لم يعلن عن الانضواء فيه. وقال الفصيل إن الاندماج "تتطلبه المرحلة الراهنة في وقت تدافع الطائفة المعروفية عن وجودها ضد الغزاة الطامعين، وسنكون المبادرين كما عهدتمونا لوحدة الصف في هذه المرحلة الحساسة". ولفت إلى أن موقف الحركة سيعلن عنه بشكل رسمي قريباً. و"حركة رجال الكرامة" تختلف عن "مضافة الكرامة" التي يمثلها ليث البلعوس. وتضم حركة رجال الكرامة وفق تقديرات للصحافي المقيم في السويداء ضياء الصحناوي أكثر من خمسة آلاف مقاتل. كذلك غاب عن التشكيل الجديد أيضاً "المجلس العسكري" الذي يقوده الضابط المنشق طارق الشوفي، ويقدر عديده أيضاً، وفقاً للصحناوي، بنحو خمسة آلاف عنصر. ورغم عدم وجود إحصائية دقيقة حتى الآن لعدد المنضوين في التشكيل الجديد، غير أنه بحسب البيان فإنه ضم 30 فصيلاً، معظمها صغيرة، لا يتعدى قوام الواحد منها 20 شخصاً، ممن تشكلت أخيراً بعد الهجوم العسكري على محافظة السويداء.
ليث البلعوس يرفض القوة الجديدة
وفي تعليقه على هذا الإعلان، قال منشور لممثل "مضافة الكرامة" ليث البلعوس، عبر "فيسبوك" أول من أمس، إن أبناء المحافظة "كانوا ينتظرون من حكمت الهجري الذي يعتبره البعض مرجعية لهم، أن يطل عليهم بموقف جامع يطرح الحلول ويقود الناس نحو بر الأمان". وأضاف البلعوس أن مجموعة من هذه الفصائل عُرفت سابقاً بالخطف والسرقة والنهب وابتزاز النساء. وضرب مثالاً "قوات سيف الحق" و"قوات الفهد"، التي كانت تتبع للضباط السابقين في نظام الأسد علي مملوك وكفاح ملحم والقيادي المحلي راجي فلحوط المتهم بتجارة المخدرات. ووصف البلعوس تشكيل قوات "الحرس الوطني" بأنها "خطوة تفتقد لصوت العقل"، معتبراً أنه مستنسخ عن "الحرس الثوري" الإيراني، ومعبراً عن سعادته بموقف حركة "رجال الكرامة" التي رفضت الانضمام للتشكيل الجديد، وفق قوله.
وفي روايته لتسلسل الأحداث التي أفضت للإعلان عن التشكيل العسكري الجديد، قال الصحافي رواد بلان المقيم في السويداء لـ"العربي الجديد"، إن الهجري كان منذ إطاحة نظام الأسد على تواصل مع الحكومة الجديدة، وإنه وافق على إعادة قوات الأمن الداخلي والجيش إلى المحافظة بشرط إقامة هيئة عدالة انتقالية لمحاسبة أي متهم بارتكاب جرائم في عهد النظام السابق. وأضاف بلان: "طلب الهجري إجراء تسوية لعناصر الشرطة وإعادتهم إلى أماكن عملهم، وذهب إلى دمشق أربعة ضباط التقوا وزير الدفاع مرهف أبو قصرة الذي أبلغهم أن المستقبل اليوم للفصائل، وكانت تلك بداية الخلافات بين الجانبين، لأنهم (في دمشق) كانوا مصرين على تسليم الأمن لمجموعات منفلتة متهمة بارتكاب عمليات خطف وتجارة مخدرات، مثل مجموعة ليث البلعوس وسليمان عبد الباقي ومجموعات أخرى. لكن الهجري رفض ذلك، ورفض وجود عناصر من غير أهل السويداء في المحافظة، لكنه وافق على أن يكون قائد الشرطة من خارجها إلى حين إنشاء مؤسسة عسكرية وطنية محترفة، وأوصى أن يكون قائد الشرطة ضابطاً من درعا بسبب التوافق المجتمعي بين السويداء ودرعا".
توحيد الفصائل في السويداء
ووفق بلان، "ماطلت السلطة في دمشق لأشهر، وبادرت إلى دعم المجموعات المقربة منها مادياً وعسكرياً، إضافة إلى تسليح عناصر من عشائر البدو غير منضبطين ومنحتهم بطاقات أمن عام، وبالتالي بات هؤلاء يستقوون بالدولة". وأوضح أنه يتم العمل منذ أكثر من خمسة شهور على توحيد الفصائل في السويداء وجمع السلاح بيد واحدة، وكان هناك وفد من حكومة دمشق زار السويداء، وأبلغهم الهجري أن التشكيل الموحد الذي يتم العمل عليه سيكون جزءاً من المؤسسة العسكرية السورية، لكن ممثلي الحكومة كانوا يركزون فقط على طلب واحد هو أن يحضر الهجري إلى دمشق، ويلتقي الرئيس أحمد الشرع، ويلتقط معه الصور، وهو ما رفضه الهجري لعدم ثقته بالسلطة في دمشق. وقال بلان إن "الحرس الوطني" جرى تنظيمه كمؤسسة تعمل بشكل محترف، ولها قانون عسكري، ولجان تحقيق ولجنة قضائية ونظام داخلي، وكان هناك توافق مع السلطة في دمشق على أن يضم كل أبناء المحافظة من دروز وبدو وغيرهم ممن يخلو سجلهم من أية ارتكابات سابقة في عهد نظام الأسد، وكل ذلك بموافقة السلطة في دمشق وبالتنسيق معها.
غسان المفلح: أبرز دلالة للإعلان تتمثل في محاولة ترميم سلطة ابن حكمت الهجري العسكرية
وقال بلان إن التشكيل الجديد يضم جزءاً كبيراً من العسكريين السابقين وعناصر الفصائل، إضافة إلى إعادة 650 شخصاً من الشرطة، ليصل العدد الكلي لعناصر الشرطة في المحافظة إلى ثلاثة آلاف، لكن السلطة رفضت تسليحهم أو منحهم أية خدمات لوجستية مثل الأبنية والسيارات واللباس، بضغط من أحمد الدالاتي (قائد قوات الأمن في السويداء المعيّن من السلطة) الذي كان يخشى أن ينقلب هؤلاء ضد السلطة، وعملوا على محاولة تجنيد عناصر من بعض الفصائل في الأمن العام، حيث جرى التواصل مع "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل" ومع مجموعات سليمان عبد الباقي وليث البلعوس، لكن رُفض ذلك من الهجري.
من جانبه، قال الكاتب والصحافي حافظ قرقوط المنحدر من السويداء لـ"العربي الجديد" إن "الحرس الوطني" تشكل عملياً بعد الأحداث التي جرت في جرمانا وصحنايا في فبراير/ شباط الماضي، حيث نشأت مخاوف في السويداء من هجوم مباغت على المحافظة، مشيراً إلى أنه يتكون من عدد من الفصائل القريبة من الهجري، فيما بقيت فصائل أخرى خارج هذا الإطار. وأوضح أنه بعد أحداث السويداء الأخيرة، تشكلت فصائل جديدة في عدد من القرى التي تعرضت للهجوم، وقد انضمت للتشكيل. وحول بواعث الإعلان عن هذا التشكيل الآن، قال قرقوط إن "السلطة في دمشق وعدت الأميركيين والتحالف الدولي بمحاربة الإرهاب وتنظيم داعش، لكن اتضح خلال الأحداث الأخيرة أن بعض المقاتلين ممن كانوا ضمن القوات الحكومية يحملون إشارة داعش، ما فسر على أنه عدم جدية من الحكومة في محاربة التنظيم، لذلك يقولون اليوم إن من مهام الحرس الوطني محاربة داعش بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي، خاصة باتجاه البادية السورية ومنطقة اللجاة، إضافة إلى التحسب من أية هجمات أخرى جديدة على السويداء، خاصة أن الحكومة في دمشق ليس لديها مشروع سياسي واضح يقدم تطمينات للمجتمع المحلي في السويداء".
وتابع: "السؤال المطروح على الحكومة، هل تستطيع أن تكون ممثلة لجميع مواطنيها أم هي ممثل لمكون واحد؟". واعتبر أنه لا أحد من أبناء السويداء، إلا فئة قليلة، يرغب في الانفصال عن سورية، "لكنهم يشعرون أن الحكومة تدفعهم نحو هذا الخيار والاعتماد على أنفسهم لحماية مناطقهم وعائلاتهم"، مشدداً على أن المطلوب من دمشق "اعتماد مشروع سياسي أكثر نضجاً يشمل جميع السوريين، وليس بعقلية الغلبة".
ترميم سلطة ابن حكمت الهجري
من جانبه، رأى الكاتب والصحافي السوري غسان المفلح المقيم في ألمانيا أن أبرز دلالة لإعلان "الحرس الوطني" تتمثل في "محاولة ترميم سلطة ابن حكمت الهجري (سلمان) العسكرية، لأن هناك أطرافاً مسلحة مهمة لم تنضم، مثل حزب اللواء بزعامة مالك أبو الخير، والمجلس العسكري بزعامة طارق الشوفي وفصائل أخرى". ورأى المفلح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الفصائل الصغيرة التي انضمت للتشكيل الجديد تريد ثمناً، متسائلاً عمن يمول هذه الفصائل؟ وأضاف أن من بين الأهداف أيضاً "محاولة إعطاء صورة أن الوضع في السويداء منضبط، وهذا غير صحيح". ورأى أنه "لو كانت السلطة لم تلجأ لخيار العنف، لن تجد هذه الفصائل أمامها سوى أن تتعارك بعضها ضد بعض على النفوذ"، مشيراً إلى أن الجو ما زال مشحوناً بين "المجلس العسكري" وجماعة سلمان الهجري الذي يحاول في حال تم التوافق على قدر من اللامركزية في المحافظة أن تكون هذه الفصائل قوة أمنية وجيشاً خاصاً بالهجري. يشار إلى أن سليمان الهجري هو ابن حكمت ويبلغ من العمر 25 عاماً، ويتردد أن والده يسعى لتوريثه الزعامة من بعده.