حرب مأرب: معركة حاسمة لمستقبل الصراع اليمني

حرب مأرب: معركة حاسمة لمستقبل الصراع اليمني

17 فبراير 2021
اعتمد الحوثيون أسلوب تشتيت القوات الحكومية (فرانس برس)
+ الخط -

اقتربت الحرب اليمنية من إنهاء عامها السادس ودخول عامها السابع، بعد نحو شهر من الآن، لكن المواجهة المستعرة في محافظة مأرب، شمال البلاد، بين قوات الحكومة الشرعية وجماعة الحوثيين، تبدو كما لو أنها معركة حاسمة، يستميت فيها الطرفان لحسم جبهة ذات ثقل نوعي، وتمنح المنتصر فيها مكاسب متعددة الأبعاد لا تتوقف عند الجانبين الاقتصادي والعسكري. ومنذ سيطرتها على مرتفعات مديرية نهم الاستراتيجية، شرقي صنعاء، وتوغلها إلى محافظة الجوف، مطلع العام الماضي، كانت محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز هي الهدف الأثمن لجماعة الحوثيين، باعتبارها آخر مدن الشمال اليمني وأهم مورد اقتصادي للحكومة الشرعية، فضلاً عن كونها معقلاً رئيسياً للقوات الحكومية و"التحالف العربي" بقيادة السعودية.

نفذت جماعة الحوثيين، منذ إبريل/ نيسان 2020، سلسلة محاولات لاجتياح مدينة مأرب، على الرغم من تطويقها من الأطراف الجنوبية والغربية والشمالية الغربية، لكنها أخفقت في تحقيق أي تقدّم جوهري في خريطة السيطرة والنفوذ، جراء التضاريس الوعرة من جهة، واستبسال وحدات الجيش الوطني ومن خلفهم رجال القبائل في الذود عن مناطقهم، من جهة أخرى. انحسر القتال بشكل لافت خلال الشهرين الماضيين، وفي حين كانت قوى الشرعية تعتقد أن المجموعات الحوثية قد وصلت إلى مرحلة اليأس جراء الاستنزاف الذي تعرضت له، وتراجعت عن فكرة اجتياح مأرب، كان من الواضح أنّ حلفاء طهران يعدّون العدة لهجوم كاسح ولمعركة فاصلة بدأت ملامحها تتشكل منذ 7 فبراير/ شباط الحالي، وفي ظلّ زخم دولي واسع بدأ يتشكل لدفع عجلة السلام المتعثرة إلى الأمام.

استطاعت جماعة الحوثيين تحقيق اختراقات نسبية

ووفقاً لثلاثة مصادر عسكرية وقبلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فقد استطاعت جماعة الحوثيين في هذه الجولة تحقيق اختراقات نسبية بعد هجمات خاطفة على مواقع القوات الحكومية في جبهات صرواح ومدغل، وقامت بنقل المعركة إلى مناطق ظلّت تحت قبضة الشرعية منذ 2015. وتوغلت المجموعات التي دفع بها الحوثيون على شكل أنساق (فرق) متتالية، إلى منطقة كوفل في مدغل، غربي مأرب، وسيطرت على القاعدة الاستراتيجية هناك وجبل كوفل وكذلك تلة المهتدي الاستراتيجية المشرفة عليه. لكن الاختراق الأخطر كان من جبل هيلان ومنطقة الكسارة في صرواح، والتي ينظر لها الحوثيون على أنها نقطة الوصول الأقرب إلى مركز مدينة مأرب، نظراً لقرب المسافة التي تبلغ نحو 20 كيلومتراً فقط.

وخلال الأيام الثلاثة الماضية، دفعت القوات الحكومية بكامل ثقلها لتأمين جبهة الكسارة في صرواح بهدف استعادة المواقع التي خسرتها، ودفعت جراء ذلك عدداً من القيادات البارزة، بينهم قائد اللواء 203 مشاة العميد محمد العسودي.
وقال مصدر في المنطقة العسكرية الثالثة لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من كل ما حصل، ولجوء المليشيات إلى استهداف تجمعات النازحين بالصواريخ والطائرات المسيّرة، إلا أنها لم تحقق هدفها، ولا يزال الطريق طويلاً أمام الحوثيين وسيقدّمون جبالاً من الجماجم حتى يصلوا إلى النقطة التي وصلوا إليها في 2015 فقط (في صرواح)".

ما الذي تغيّر؟
لم يكن التغيّر الحاصل في مسار المعركة مجرد ضربة حظ ظفرت بها المليشيات الحوثية، بل ثمرة تخطيط مسبق عالي المستوى لهجمات تعتمد بدرجة رئيسية على العنصر البشري. كما أنّ الترهل الذي تعيشه الحكومة ساعد الجماعة على نقل المعركة إلى ملعب الشرعية.
ويدرك الحوثيون أنّ جبهة مأرب التهمت أرقاماً قياسية من المقاتلين في معارك العام الماضي، وهو ما جعل القبائل التي تمد الجماعة بالمقاتلين تتردد هذه المرة في إلقاء أبنائها إلى محرقة محتومة، فلجأ الحوثيون إلى استقطاب المقاتلين عبر حيلة الدفاع عن نخوة القبيلة وأعراض النساء المهدورة في مأرب. وزعمت جماعة الحوثيين، أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، أن القوات الحكومية في مأرب اختطفت 7 نساء، وتحت هذه الحجة نجحت في دفع القبائل لتعبئة قتالية غير مسبوقة، بعد تنفيذ وقفات احتجاجية على مستوى البلدات والمديريات والمدن في مناطق النفوذ التابعة لها. نفت السلطات الحكومية في مأرب تلك المزاعم، واتهمت جماعة الحوثيين بتجنيد النساء كخلايا استخباراتية، لكن الجماعة واصلت عملية التعبئة القصوى لما سمته بـ"التحرك القبلي والعسكري والشعبي لتحرير مأرب، والدفاع عن الأرض والعرض".

وبعد جمع عناصر بشرية ضخمة، بدأت جماعة الحوثيين بتوظيفها في المعركة، من دون إلحاق الغالبية في معسكرات تدريب، وذلك في هجمات متفرقة داخل الجبهة الواحدة بهدف تشتيت القوات الحكومية. كما عملت الجماعة على تكثيف هجماتها اليومية صوب المنشآت السعودية، بهدف إرباك التحالف بشكل أكبر، وتحييد المقاتلات الحربية من استهداف زحفها صوب مأرب.

المعركة تُدار بعشوائية من قبل قيادات الشرعية

وطبقاً لمصادر عسكرية، اعتمدت جماعة الحوثيين في المعركة الجديدة على الهجوم عبر عدة أنساق متتالية، تصل إلى نحو 20 نسقاً في الليلة الواحدة، وخصوصاً في جبهة صرواح المهمة. وكلما كانت قوات الجيش الوطني والقبائل تعتقد أنها قد أحبطت كافة الهجمات الحوثية، تفاجأ بهجوم من نسق جديد لا يكترث بسقوط سابقيه كقتلى أو أسرى، فالهدف الرئيسي لطلائع المهاجمين هو إنهاك التحصينات الدفاعية لقوات الشرعية، وإفساح المجال لنسق مهاجم يكون أكثر تدريباً واحترافاً لإكمال المهمة. وكشفت البيانات التي أذاعتها وسائل إعلام حوثية، طيلة الأيام الماضية، أن جبهات مأرب لم تلتهم فقط المجموعات القبلية أو أبناء الشريحة المهمشة الذين يتم الزجّ بهم في الصفوف الأولى للمعركة، بل تم تشييع العشرات من القيادات العسكرية البارزة التي تحمل رتبة عميد أو عقيد.

استهتار وخذلان
على الرغم من الاختراقات التي حدثت، لم تحقق جماعة الحوثيين ما يمكن وصفه بالتحول الدراماتيكي في مسار المعركة، أو أن مدينة مأرب قد أصبحت في متناولها، إلا أنّ غياب ردة الفعل المناسبة من قيادة الحكومة الشرعية، جعلها في قفص الاتهامات الشعبية وعُرضة لنقمة واسعة جراء النزيف الذي تتعرض له قوات الجيش، على الرغم من عدم الكشف عن أرقام رسمية للخسائر. وخلافاً لحرمان أفراد القوات الحكومية من مرتباتهم منذ نحو 9 أشهر، ضاعف الاستقبال الاستعراضي بالسجاد الأحمر لوزير الدفاع محمد المقدشي في مطار سيئون بمحافظة حضرموت، شرقي اليمن، حيث توجه منه إلى مأرب، السبت الماضي، مشاعر الإحباط في صفوف الموالين للحكومة الشرعية، من طريقة تفكير المسؤول الأول عن إدارة الحرب ضد الحوثيين. وبعد سيل من الانتقادات الشعبية، يبدو أن الوزير الغائب عن أرض المعركة منذ أداء اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدربه منصور هادي، أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قد تلقى توبيخاً رئاسياً، وهو ما جعل الحساب الرسمي للمركز الإعلامي للقوات المسلحة يحذف خبر الوصول المرفق بثلاث صور يظهر فيها الوزير بزي مدني فيما يرتص قائد المنطقة العسكرية الأولى في سيئون وقيادات أخرى لاستقباله.

ولم يظهر المقدشي منذ وصوله إلى مأرب، حيث مقر وزارة الدفاع اليمنية، في أي فعالية رسمية أو جبهة عسكرية، كما أن مجلس الدفاع الوطني الذي يترأسه رئيس الجمهورية، لم يعقد أي اجتماع لمناقشة تطورات مأرب، فيما اكتفى هادي بالظهور إعلامياً في برقيات التعازي للقادة الذين يسقطون في المحافظة، في وقت أعلنت وزارة دفاع الحوثيين أنها ستواصل اجتماعات استثنائية حتى إسقاط مأرب. ويبدو أنّ الرئاسة اليمنية تجهل النتائج الجوهرية التي ستترتب عليها معركة مأرب، وهو ما جعل نائب رئيس البرلمان محسن باصرة يدعو، مساء أول من أمس الإثنين، إلى اجتماع عاجل لمجلس الدفاع يدعو فيه جميع اليمنيين للنفير العام.

وقال مصدر في الإعلام العسكري للقوات الحكومية لـ"العربي الجديد"، إن "المعركة تدار بعشوائية كبيرة من قبل قيادات الشرعية التي بدت مستهترة بشكل لا يصدق". وأضاف المصدر "تعتمد مليشيا الحوثي بدرجة أساسية على الحرب النفسية في إسقاط مأرب، فتارة تقول إنّ مئات المرابطين في جبهات الشرعية عادوا إلى صنعاء، وتارة أخرى تقول إن لديها خلايا داخل مأرب ستقلب الطاولة، وفوق هذا تحشد الآلاف، ونحن قيادتنا نائمة في العسل، وهذا ولّد مشاعر سلبية للمرابطين في الجبهات، ولولا التفاف رجال القبائل لكانت الصورة سوداوية أكثر".

المكاسب الحوثية ستكون أكبر إذا تم اجتياح مأرب المدينة

معركة حاسمة
لا تتشابه معركة مأرب مع سابقاتها التي حصلت خلال سنوات الحرب الأخيرة، فالأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية، جعلت جماعة الحوثيين تجازف بآلاف المقاتلين في سبيل تحقيق هدف منشود قبل تلبية الدعوات الدولية المتكررة لوقف الحرب. ينحصر القلق الأممي في التبعات الإنسانية ومصير أكبر تجمع للنازحين على مستوى اليمن، لكن المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، تنظران إلى مأرب على أنها رمانة التسوية السياسية المرتقبة، وعلى ضوئها سيتحدد مصير المرحلة المقبلة. ويعتقد مراقبون أنّ المكاسب الحوثية ستكون أكبر في حال تم اجتياح مأرب. فمن الجانب السياسي، ستكون المحافظة ورقة تفاوضية هامة مع المجتمع الدولي، باعتبار الجماعة باتت تسيطر على كافة مناطق الشمال اليمني. فضلاً عن قطع مورد اقتصادي هام عن الحكومة الشرعية ببسط الحوثيين سيطرتهم على منابع النفط والغاز، وكذلك دهس ما تبقى من كيان للسلطة المعترف بها دولياً.

وفي السياق، رأى الكاتب والمحلل السياسي اليمني خالد عبد الهادي، أنّ معركة مأرب "ستترتب عليها نتائج ومصائر حاسمة أخطرها إما فصل جديد وأشد قتامة من شقاء اليمنيين، أو كتابة البداية الفعلية لزعزعة هيمنة الحوثيين في مناطق حكمهم". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "إن معركة مأرب يتوقف عليها أيضاً مصير أوسع ملاذ للفارين من قمع التسلط الحوثي، ومصير أكبر مصدر للنفط والغاز حالياً، ثمّ مصير أهم مجال جيوسياسي للشرعية، وقد يقود هذا العامل إلى تقرير مصير الشرعية القانوني". وللدفاع عن مأرب، رأى عبد الهادي أنه "يتعيّن على السلطات الشرعية وقيادة القوات المعنية إدارة الحرب بطريقة أفضل وأشمل من الطريقة التي حاربت بها طوال السنوات الماضية"، معتبراً أنه "كان يفترض ألا يحضر عامل المباغتة في معركة مصيرية كهذه".

المساهمون