حرب غزة: تجدد العدوان وخطط التهجير يعمقان مخاوف الأهالي
استمع إلى الملخص
- تتزايد المخاوف من التهجير القسري للفلسطينيين في غزة مع توجيهات لاحتلال المزيد من المناطق، في ظل غياب الدعم العربي والدولي، مما يجعل التهجير هاجساً كبيراً لسكان القطاع.
- تجدد الحرب يحمل أبعاداً سياسية داخلية في إسرائيل، حيث تسعى الحكومة لتعزيز ائتلافها، بينما تستمر في تنفيذ مخططات للسيطرة على القطاع وتعميق معاناة الفلسطينيين.
يثير تجدد حرب غزة مخاوف الفلسطينيين، خصوصاً مع اشتداد القصف الإسرائيلي والتوغلات والتوعد بالمزيد منها، بالتزامن مع الحصار المطبق منذ بداية الشهر الحالي، وسط انعدام تام لمختلف مقومات الحياة وغياب الأمن وسبل الرعاية. وتزيد التهديدات المتواصلة بتوسيع دائرة العدوان الإسرائيلي وشراسته وقضم المزيد من أراضي قطاع غزة، المخاوف، حيث إنها تتزامن مع إحكام إغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات والأدوية الوقود منذ الثاني من مارس/ آذار الحالي. وتتجسد المخاوف لدى سكان غزة في أن زيادة حدة التوتر قد تفاقم سوء الأوضاع الأمنية والمعيشية، إذ إنه وبعد أن أفقدتهم الجولة الأولى من حرب غزة بيوتهم ومصادر دخلهم، تهدد الجولة الثانية وجودهم، حيث تقول إسرائيل إنها لن تتوانى عن السيطرة على أجزاء واسعة من القطاع.
ولا يتوقف الاحتلال عن التلويح بالتهجير من القطاع بناء على خطط ممنهجة، حيث تعاظمت مخاوف الفلسطينيين، إثر توجيهات وزير الأمن يسرائيل كاتس، الجمعة الماضي، للجيش باحتلال المزيد من المناطق في غزة وإجلاء الفلسطينيين منها، وتوسيع المناطق الآمنة بحجة حماية المستوطنات والجنود. وتهدف خطة كاتس إلى زيادة الضغط العسكري والمدني على الفلسطينيين، استناداً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاصة بـ"التهجير الطوعي" لأهالي القطاع، مع التلويح بأن استمرار تمسك حركة حماس برفض إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، يقابله ضم المزيد من الأراضي إلى دولة الاحتلال.
حرب غزة لتهجير الفلسطينيين
ومنذ بدء حرب غزة لم يتوقف الحديث عن تهجير الفلسطينيين والتغيير الديمغرافي في المنطقة لصالح إسرائيل، وذلك في سياق محاولة الاحتلال تبرير انتهاكاته ضد المدنيين، والتي أدت إلى استشهاد وإصابة أكثر من 174 ألف فلسطيني، على مدار 16 شهراً من القصف والقتل والتدمير. ويقول الفلسطيني أبو محمد درابيه إن الأوضاع غير المستقرة باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية في القطاع، خاصة بعد تجدد حرب غزة بوتيرة عنيفة، وهو ما يتسبب بشعور مستمر بالخوف على حياتهم وحياة أطفالهم. ويبين درابيه، لـ "العربي الجديد"، أنه وعلى الرغم من الرعب الذي يسببه القصف العنيف وغير المسبوق والنقص الشديد في مختلف مقومات الحياة والذي بات يمس الاحتياجات اليومية الأساسية، إلا أن الحديث عن التهجير يشكل الهاجس الأكبر له ولأسرته لأنهم لا يريدون العيش بعيداً عن أرضهم.
فاطمة الخضري: أنا لا أفكر بترك بلدي والهجرة أبداً
ولم يختلف عنه محمود السعدي الذي نزح عدة مرات منذ بداية حرب غزة كما نزح هذه المرة بعد قرارات الإخلاء الإسرائيلية للمناطق الشرقية من حي الشجاعية (في مدينة غزة) وفقد شقيقه الذي استشهد برفقة زوجته وأطفاله. ويلفت السعدي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن تجدد حرب غزة يضاعف من هواجس العودة إلى حياة النزوح، و"الحديث المتجدد عن التهجير يزيد مخاوفنا جميعاً". ويمثل التهجير الهاجس الأكبر والأخطر بالنسبة للسعدي، الذي لا يمتلك أي خطة للتعامل مع التهديدات الحالية سوى الانتقال إلى مكان أكثر أمناً، رغم انعدام المناطق الآمنة في القطاع.
رفض الهجرة
أما فاطمة الخضري فتشير إلى الخوف والتوتر والترقب الدائم من التهجير الذي يهدد به الإسرائيليون أهل غزة به، خصوصاً في ظل غياب المواقف الحقيقية الرافضة لمخططات الاحتلال وترك العرب والمسلمين أهل القطاع يواجهون مصيرهم لوحدهم. وتقول الخضري، لـ"العربي الجديد": "حياتنا في غزة تفتقر إلى أدنى الحقوق والمتطلبات الآدمية، إلا أن الحديث عن التهجير يمثل الكابوس الحقيقي بالنسبة لنا... أنا لا أفكر بترك بلدي والهجرة أبداً".
وبالنسبة للكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون فإن التهديدات الإسرائيلية بتنفيذ عملية عسكرية للسيطرة على القطاع وتهجير سكانه "خطيرة"، موضحاً أنه "لا مقاومة دولية أو إقليمية تُذكر، ولا يقف في وجهها إلا أهل غزة ومقاومتها"، مشيراً إلى أن "العجز العربي والإقليمي في مواجهة الاحتلال ومخططاته بات مخزياً، بينما تمضي إسرائيل بخطوات مدروسة نحو تنفيذ خطة التهجير بشكل تدريجي، تبدأ بشمال القطاع ورفح (جنوباً)، مع الاستيلاء على محور نتساريم، لتتوسع لاحقاً وفق ما يسمح به الواقع الميداني".
ويلفت المدهون، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الاحتلال لن يتراجع إلا بضغط حقيقي، سواء من الولايات المتحدة أو القوى الإقليمية، لكن دون تغيير جذري في الموقف العربي والدولي، ستظل إسرائيل ماضية في تنفيذ مشروعها بلا تردد، موضحاً أن الشعب الفلسطيني يرفض التهجير وسيدافع عن أرضه بكل ما يملك، لكن الواقع أصبح أكثر قسوة وصعوبة عليه. ويشير إلى سقوط أكثر من 600 شهيد خلال الأيام القليلة الماضية، موضحاً أن الاستهداف طاول العصب الإداري والخدمي في القطاع بذريعة ضرب قيادات "حماس"، بينما الهدف الحقيقي هو تفكيك البنية المجتمعية وزيادة معاناة السكان لدفعهم نحو الرحيل، مشيراً إلى أن "هذه المعركة ليست معركة فصيل، بل معركة وجود، وما لم يتحرك الجميع لمواجهتها، فإن القضية الفلسطينية برمتها ستكون في مهب الريح، والشعب الفلسطيني بأسره سيواجه مصيراً لا يختلف عن نكبة جديدة".
إبراهيم المدهون: هذه المعركة ليست معركة فصيل بل معركة وجود
ويقول المحلل السياسي رائد نجم إن تجدد حرب غزة يحمل أكثر من بعد، والأشد تأثيراً هو البعد الإسرائيلي الداخلي، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال إعادة ضم وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير للحكومة، والذي كان يشترط العودة للحرب وقطع الإمدادات عن غزة لهذه العودة و"هذا ما حصل". ويوضح نجم، لـ "العربي الجديد"، أن ما قام به رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يأتي في إطار تعزيز ائتلافه لتمرير الميزانية السنوية، والتي يعني الفشل في تمريرها الذهاب إلى انتخابات مبكرة، كذلك محاولته إبعاد قضايا الفساد عنه من خلال العودة إلى حرب غزة على اعتبار أنها "كلاشيه" خلفي لما يجري من أحداث في ظل محاكمته بقضايا الفساد، بالإضافة إلى إبعاد أي فرصة رسمية لتشكيل لجنة تحقيق في إخفاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويلفت إلى أن الأوضاع الحالية تحمل أبعاداً إضافية إلى جانب استئناف حرب غزة وهي حديث الأوساط السياسية الإسرائيلية عن السيطرة الكاملة على القطاع، وإدارة توزيع المساعدات، إلى جانب تدشين هيئة تختص بالتهجير الطوعي للسكان الفلسطينيين من قطاع غزة، وهو ما يؤكد أن مخطط التهجير ما زال قائماً في عقلية الحكومة الإسرائيلية وتسعى لتنفيذه. ويسعى الاحتلال إلى تعميق معاناة الفلسطينيين بهدف دفعهم إلى الهجرة "بحثاً عن فرص حياة أفضل" عبر تدمير المقومات الاقتصادية وإعطاب البنية التحتية، وقطع خطوط الكهرباء والانترنت والوقود، إلى جانب منع دخول المساعدات والإمدادات والتلويح المستمر بالحرب والاستيلاء على الأرض، وفق نجم.