حرب تسريبات تلاحق جونسون: شبهات فساد ومطالبة باستقالته

حرب تسريبات تلاحق جونسون: شبهات فساد ومطالبة باستقالته بعد كابوس كورونا

26 ابريل 2021
يعيش جونسون نشوة الانتصار نسبياً على الوباء (فرانس برس)
+ الخط -

على بعد 10 أيام من الانتخابات المحلية المقررة في 6 مايو/أيار المقبل، كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، يفضل أخذ استراحة قصيرة من الثقل المزدوج الذي طبع عمل حكومته، منذ وصوله إلى "داوننغ ستريت" في ديسمبر/كانون الأول 2019، خلفاً لتيريزا ماي. فبعد تشكيله حكومته المحافظة، تحت عنوان وحيد هو إنهاء أزمة "بريكست"، واجه رئيس الوزراء البريطاني فور مباشرة عمله، أزمة وباء كورونا العالمية، والتي تعامل معها بداية بشعبوية كارثية، ما أدى إلى تراجع سمعة بريطانيا كإحدى الدول الأولى في العالم المهيأة لمواجهة الأوبئة، وألحق بها انكماشاً اقتصادياً غير مسبوق. وفيما يعيش جونسون اليوم "نشوة الانتصار نسبياً" على الوباء، علمياً، وفي سباق التلقيح العالمي للسكان، انتقل الخلاف بينه وبين مستشاره السابق دومينيك كامينغز، إلى حرب تسريبات وكشف للفضائح، تثير أسئلة حول توقيتها، والذي يأتي كمحاولة لضرب ما تسعى الحكومة المحافظة إلى تظهيره في إطار الإنجازات.

لا يلقى أداء جونسون في مقاربة أزمة كورونا، منذ أيامها الأولى، الاستحسان من قبل أغلبية البريطانيين

ولا يزال حزب المحافظين متقدماً على حزب العمّال المعارض، بفارق 10 نقاط، في استطلاعات الرأي، قبل موعد الانتخابات المحلية. لكن أداء جونسون في مقاربة أزمة كورونا، منذ أيامها الأولى، لا يلقى الاستحسان من قبل أغلبية البريطانيين، الذين تجاوزوا سجالات "بريكست"، وانهمكوا لفترة طويلة بإغلاقات وعداد للضحايا (حوالي 128 ألف وفاة منذ بداية الأزمة)، لم ينحسر سوى في الأسابيع القليلة الماضية، مع تقدم حملة التطعيم التي باتت تغطي جرعتها الأولى حوالي ثلثي السكان البالغين. على الرغم من ذلك، فإن الحكومة المحافظة لا تزال تتهرب من مطلب التحقيق الحكومي الشفّاف بإدارتها لأزمة الوباء، على أمل تحقيق "إنجازات" إضافية، قد تمنح دفعاً لرئيس الوزراء، الذي لم يخف مراراً عدم إيمانه حتى بوجود كورونا، ثم مروجاً لمناعة القطيع، قبل إصابته هو نفسه.

وجاء كشف صحيفة "ديلي ميل"، اليوم الإثنين، نقلاً عن مصادر لم تسّمها، رفض جونسون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أخذ البلاد إلى إغلاق ثالث، مفضلاً عليه "تكدس جثث الضحايا بالآلاف"، ليفاقم الانطباع السلبي عنه. لكن الحكومة البريطانية سارعت  لنفي تقرير "ديلي ميل" حول تصريحات جونسون عن الجثث خلال اجتماع في "داوننغ ستريت"، بعد موافقته على إغلاق ثان. واعتبر وزير الدفاع بن والاس، أن الأمر غير صحيح، وهو نُفي تماماً من قبل جميع الحاضرين. وقال والاس في حديث لـ"سكاي نيوز"، إن الأمر أصبح كفصل هزلي من الثرثرة الإعلامية، حيث باتت لدينا كل تلك الروايات نقلاً عن مصادر غير معروفة ومستشارين غير محددين، مؤكداً أن جونسون انكب على إيجاد أفضل السبل لإدارة الوباء.  
وعلى الرغم من أن السجال بين الإغلاق وفتح الاقتصاد، يعد عالمياً، وقد اضطر معظم زعماء العالم إلى التعامل معه وفق نظرية التناوب بين حماية مواطنيهم وإنقاذ الاقتصاد المحلي، إلا أن البريطانيين جميعهم يدركون أن سياسة حكومة المحافظين البريطانية، في الأشهر الأولى من الأزمة، قد حالت دون تجنب العديد من التداعيات، التي كان يمكن تجنبها. 

تحدث كامينغز عن خطة لجونسون للحصول على تمويل من مانحين لأشغال في شقته

وجاء كشف "ديلي ميل" ومعه تأكيد صحيفة "ذا غارديان" أن حكومة جونسون رفضت إجراء تحقيق حكومي وقانوني بأزمة الوباء، مؤجلة إياه بحجة الانهماك بحملة التلقيح، بعد أيام من شنّ المساعد السابق لجونسون، دومينيك كامينغز، يوم الجمعة الماضي، هجوماً هو الأعنف على رئيس الوزراء البريطاني، معتبرا أن الأخير لا يتمتع بالكفاءة، كما شكّك في نزاهته في العديد من القضايا الجديدة. وكتب كامينغز، الذي يعدّ مهندس فوز حملة مؤيدي "بريكست" في استفتاء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في 2016، على موقعه الإلكتروني، أنه "من المحزن أن نرى رئيس الوزراء ومكتبه يتراجعان إلى هذا المستوى من الكفاءة والنزاهة التي يستحقها البلد"، مدافعاً عن نفسه في قضية تسريبه رسائل نصّية تكشف عن استفادة الصناعي جيمس دايسون الذي صنع ثروته في قطاع إنتاج الأجهزة المنزلية، من امتياز الاتصال بجونسون بشكل مباشر، وهو ما كانت شبكة "بي بي سي" كشفته أخيراً. تحدث كامينغز أيضاً عن خطة لجونسون من أجل الحصول على تمويل من مانحين في القطاع الخاص لأشغال في شقته، مؤكداً أنه رفض مساعدته في تنفيذ هذه المشاريع التي اعتبرها "غير أخلاقية وغبية وربما غير قانونية". وعرض كامينغز وضع رسائل خاصة تثبت أقواله بتصرف محققين والإدلاء بشهادة تحت القسم، واقترح بدء تحقيق برلماني عاجل في سلوك الحكومة خلال جائحة كوفيد.
ورداً على ما نشرته "ديلي ميل"، وما أدلى به كامينغز، تكثفت الضغوط السياسية على جونسون من قبل خصومه. وطالب حزب "العمال" المعارض اليوم الإثنين، بتحقيق عاجل في الاتهامات التي نشرها كامينغز في مدونته. وقال زعيم الحزب كير ستارمر: "لا يمكننا الاستمرار هكذا يوماً تلو الآخر مع ورود اتهامات قطرة قطرة". وأضاف: "علينا الوصول إلى الحقيقة، إذ أعتقد أن كثيرين يشعرون بأن هناك قواعد معيّنة تسري عليهم وأخرى للآخرين". أما زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي في البرلمان البريطاني، إيان بلاكفورد، فذهب أبعد من ذلك مطالباً جونسون بالاستقالة في حال تأكدت صحّة تصريحاته حول "تكدس الجثث". وكتب بلاكفورد على "تويتر": "هذه التصريحات بغيضة للغاية. في حال صحّت، ستتعيّن على بوريس جونسون الاستقالة". 
هكذا، وبين شبهات الفساد التي تحوم وترتفع حول حكومة جونسون، وبين أداء كورونا، لا يزال حزب المحافظين، محمياً، بضعف المنافسين، في انتظار استحقاقات انتخابية، قد يكون لهذين العنوانين تأثيرهما القوي عليها.