استمع إلى الملخص
- تقارير تشير إلى مشاركة مجموعات مرتزقة، مثل مجموعة فاغنر الروسية، وتجنيد قوات الدعم السريع لعناصر من جماعات مسلحة في أفريقيا الوسطى، رغم تدمير 80% من قوتها.
- اتهامات متبادلة بين الجيش وقوات الدعم السريع بالاستعانة بمقاتلين أجانب، مع دعم إماراتي للدعم السريع، مما يعقد الأزمة ويهدد بتدويل الصراع.
منذ اندلاع حرب السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 إبريل/نيسان 2023، انتشرت المعارك بسرعة في معظم ولايات السودان الثماني عشرة، ولما كان للسودان حدوداً مع دولتين عربيتين هما مصر وليبيا وخمس دول أفريقية أخرى، فقد تكررت التحذيرات من تدخّل مقاتلين أجانب في الصراع على الأراضي السودانية، خصوصاً في الولايات الحدودية وعلى رأسها ولايات دارفور غربي السودان، حيث التداخل القبلي وانتشار الجماعات المسلحة المتجولة بين الدول الأفريقية، والتي لم يسلم منها السودان طوال حروبه الأهلية نسبة لأراضيه الشاسعة وضعف رقابة الدولة على الحدود.
وتسبّبت حرب السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في سقوط آلاف الضحايا، إذ أفاد تقرير أصدره باحثون في بريطانيا والسودان في 13 إبريل الماضي بأن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 61 ألفاً قُتلوا في ولاية الخرطوم خلال أول 14 شهراً من الحرب، مع وجود أدلة تشير إلى أن العدد الكلي أعلى بكثير مما سُجل من قبل. وشملت تقديرات الدراسة، التي صدرت عن مجموعة أبحاث السودان في كلية لندن للحفاظ على الصحة وطب المناطق الحارة، أن نحو 26 ألفاً قُتلوا جراء جروح خطرة أصيبوا بها بسبب العنف.
جدل مشاركة المرتزقة في حرب السودان
ومنذ الأيام الأولى للحرب أثير جدل حول مشاركة مجموعات من المرتزقة ومقاتلين من دول الجوار في حرب السودان وتمت الإشارة إلى مجموعات على رأسها مجموعة فاغنر الروسية، والتي كانت تتعامل مع "الدعم السريع" منذ عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، وكذلك جماعات المعارضة المسلحة في تشاد. وبعد اجتياح "الدعم" لولاية الجزيرة وسط السودان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أفاد نازحون "العربي الجديد" بأن بعض من اقتحموا قراهم ونكلوا بهم ليسوا سودانيين ولا يتحدثون اللغة العربية.
وأفاد خبراء بالأمم المتحدة في تقرير نُشر في 14 يونيو/حزيران الماضي بأن قوات الدعم السريع تستخدم منطقة أم دافوق على الحدود بين السودان وأفريقيا الوسطى "مركزاً لوجستياً رئيسياً"، وبأن هذه القوات تتحرك "بسهولة" عبر الحدود "بفضل شبكة أنشئت منذ زمن طويل". وشدد التقرير على أن الدعم السريع "جندت عناصر في صفوف جماعات مسلحة في أفريقيا الوسطى". واشتبه الخبراء في أن "جماعات مسلحة تابعة للمعارضة في أفريقيا الوسطى جنّدت عناصر لإرسالهم إلى القتال في السودان تحت راية الدعم السريع، وفي أنها أرسلت أيضاً بعضاً من أفرادها للقتال"، وأشاروا خصوصاً إلى أن "الجبهة الشعبية لنهضة جمهورية أفريقيا الوسطى" شاركت اعتباراً من أغسطس/آب 2023 في القتال الدائر في السودان، مؤكدين أن هذه الجماعة المسلحة وغيرها "لا تزال قادرة على المرور بكل حرية من السودان واستخدام الأراضي السودانية لشن هجمات في ولاية فاكاغا" في أفريقيا الوسطى.
ياسر العطا: قوات الدعم السريع تستجلب أسبوعياً مرتزقة من بعض دول الجوار للقتال في صفوفها
وكان مساعد القائد العام للجيش السوداني الفريق ياسر العطا، قد قال في تصريح في 11 أغسطس 2023، إنه "تم تدمير 80% من قوات الدعم السريع، لكنها تستجلب أسبوعياً مرتزقة من بعض دول الجوار الغربي للقتال في صفوفها، وهم عديمو الخبرة".
وأعلن الجيش في 6 إبريل الماضي أنه قبض على مرتزقة أجانب يقاتلون في صفوف "الدعم السريع" من دولتي جنوب السودان وتشاد خلال استعادة مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون بمدينة أم درمان والذي كان تحت سيطرة "الدعم" منذ بداية الحرب. وأضاف الجيش أنه تم تجنيد المرتزقة وخداعهم بالوعود المالية الكاذبة، "حيث لم تُدفع لهم أي أموال، بل ذاقوا الأمرين بالدفع بهم في الصفوف الأمامية للقتال أو تصفيتهم في أحايين أخرى". وعرض الجيش مقطع فيديو يحوي اعترافات للمقبوض عليهم، وذكر أن أغلبهم من الأطفال القصّر الذين غرر بهم، وأكد أنه سيتم معاملتهم وفقا للقوانين واللوائح المنظمة وقواعد الاشتباك الدولية، مع ضمان تقديمهم إلى محاكمات عادلة حسب القوانين الدولية.
وفي الأيام الأولى للحرب ظهرت سيارات لـ"الدعم السريع" منصوب عليها العلم التشادي قبل أن يختفي ذلك عقب جدل حولها على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي 9 يونيو 2023 نشر مقاتلون من "الدعم" مقاطع فيديو للمعارك على مواقع التواصل الاجتماعي من بينها مقطع ظهر فيه حسين الأمين شاشر، رئيس ما يعرف بـ"ثورة النضال المظلوم التشادي"، وهو يشارك في معركة ضد الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم.
كما أن أحد قادة "الدعم السريع" الميدانيين المثيرين للجدل ويدعى جلحة رحمة مهدي، والذي اشتهر بنشر مقاطع فيديو يتحدث فيها بطريقة كوميدية، قال في مقطع في يونيو الماضي، إن وصف الجنوبيين (مواطنو جنوب السودان) في صفوف "الدعم السريع" بالأجانب غير صحيح لأنهم سودانيون أصلاً، متفاخراً بأن قواته التي يقودها تضم أيضاً مقاتلين من أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا والنيجر. لكن قيادة "الدعم السريع" ظلت تنفي باستمرار وجود هؤلاء المرتزقة ضمن صفوفها، وتتهم بدورها الجيش السوداني بالاستعانة بمقاتلين أجانب بينهم مصريون. واتهم قائدها حميدتي مصر بشن ضربات جوية على قواته ومساندة الجيش، وقال في خطاب مصور يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن القاهرة تعمل على تدريب الجيش السوداني وإمداده بطائرات مسيّرة، وأشار إلى وجود مرتزقة مع الجيش من التيغراي (أثيوبيا) وإريتريا وأذربيجان، إضافة إلى أوكرانيين وإيرانيين.
دلائل على التدخل الأجنبي
وفي غرب البلاد تخوض "القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح" (حركات مسلحة موقّعة على سلام مع الحكومة السودانية) العديد من المعارك ضد "الدعم السريع" لحماية مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. وقال عضو اللجنة الإعلامية للقوة التي تساند الجيش، جوليوس عيساوي، في تصريح يوم 11 أغسطس الماضي، إن "الدعم" استعانت بأجانب خلال معركة خاضوها معها قبل يوم من حديثه. وأضاف عيساوي أنهم اكتشفوا مشاركة مقاتلين من قوات خليفة حفتر الليبية وعناصر قيادية من حركة "فاكت" التشادية، وآخرين من الجماعات الإرهابية والعصابات الصحراوية، حسب وصفه.
الرائد أحمد حسين: الكثير من قياديي المرتزقة قُتلوا في مدينة الفاشر
من جهته، قال المتحدث باسم "القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح" الرائد أحمد حسين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المقاتلين الأجانب شاركوا "الدعم السريع" في حرب السودان منذ بداية الصراع، وكانوا يأتون من الدول الأفريقية مثل ليبيا والنيجر وتشاد، وكانوا مرتزقة عابرين للحدود. وأضاف أن هناك الكثير من قياديي المرتزقة قُتلوا في مدينة الفاشر مثل القيادي في حركة "فاكت" التشادية مهدي بشير، وأيضاً القيادي في الحركة إدريس بركاوي الذي قُتل في وادي أمبار في أقصى شمال دارفور. ولفت إلى أن الأوضاع تطورت الآن وأصبحت الإمارات الداعم الرئيسي لـ"الدعم السريع" التي تعتمد على مرتزقة عابرين للقارات. وأشار إلى أنه في عملية نوعية في محور الصحراء تمكنت قواتهم يوم الجمعة الماضية من قطع إمدادات عسكرية ولوجستية ضخمة قادمة إلى "الدعم السريع"، وتم القضاء على المتحرك، وتابع: "المؤسف أن القوة القادمة تضم مرتزقة من جنسيات عديدة أفريقية، آسيوية، وأوروبية، وأيضا جنسيات من أميركا الجنوبية وبالتحديد أغلبيتهم من دولة كولومبيا ولدينا ما يثبت ذلك".
وعن ذلك، رأى المحلل العسكري حسام ذو النون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك محاولات منذ الربيع العربي لإعادة تشكيل الخريطة السياسية والاجتماعية وكسب مناطق نفوذ وسيطرة بواسطة بعض اللاعبين الإقليميين والدوليين في المنطقة، متهماً "الإمارات بالاستمرار في مساعيها لإنقاذ عملائها وأدواتهم بأن تشعل حرباً شعواء ضد الشعب السوداني، والعمل على تحويل السودان إلى بيئة خصبة لاستقطاب المرتزقة من مختلف الدول الافريقية"، وأضاف: "الآن انتقلت خطوة أخرى بفتح الباب للمرتزقة الدوليين".
حسام ذو النون: الحدود الشاسعة للسودان وغياب الرقابة، جعل البلاد محطة جذب لمجموعات تقاتل لأجل المال
وقال ذو النون إن استقدام مجموعات المرتزقة من جنوب السودان وأثيوبيا وتشاد وليبيا، وأفريقيا الوسطى والنيجر، والآن مرتزقة من كولومبيا، يمكن النظر إليه من عدة وجوه؛ أولها يمكن اعتباره تصعيداً تكتيكياً لرفع قدرات "الدعم السريع" القتالية بعد أن كسرت القوات المسلحة ومعها مختلف القوات النظامية والمدافعين من أبناء السودان القوة الصلبة لـ"الدعم" ودمرت قدراتها القتالية، "بحيث صارت هزيمتها بصورة شبه كاملة هي عامل وقت ليس أكثر، فكان الخيار هو رفد المليشيا بمرتزقة محترفين لإيقاف مد الهزائم وحمايتها من الزوال".
واعتبر أن نقص الكادر القتالي لدى "الدعم" بسبب العمليات العسكرية والاستراتيجية التي اتّبعها الجيش لم يعد أمراً يمكن إخفاؤه أو تغطيته بالحركة المستمرة التي تُظهر المليشيا بحجم وقدرات أكبر من واقع الأمر، لافتاً إلى أن الحدود الشاسعة للسودان وغياب الرقابة، جعل البلاد محطة جذب لمجموعات تقاتل لأجل المال مع السخاء والدعم الخارجي الذي يحصلون عليه.
وحذر ذو النون من أن فتح بوابة الارتزاق الدولي والذي سيزيد من تعقيد الأزمة ويجعل الصراع يتجه نحو التدويل، سيرفع تكلفة الحرب على الشعب السوداني ويهدد وجود الدولة السودانية نفسها، "إن لم تستشعر قيادة الدولة والقادة العسكريون أهمية عامل الزمن وإدارته بصورة واقعية تعمل للحفاظ على السودان ومن تبقّى من أهله".