حرب السلطة... هجوم أمني وإعلامي لشيطنة المؤتمر الوطني الفلسطيني

20 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 08:57 (توقيت القدس)
خلال أعمال المؤتمر الوطني الفلسطيني في الدوحة، 17 فبراير 2025 (حسين بيضون)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- حملة تحريض وتشويه: شنت السلطة الفلسطينية حملة ضد المؤتمر الوطني الفلسطيني في الدوحة، حيث شاركت 400 شخصية فلسطينية، تضمنت منع السفر وفرض عقوبات مثل سحب جوازات السفر وتحويل المشاركين لجهاز الأمن الوقائي.

- إجراءات عقابية وتهديدات: فرضت القيادة الفلسطينية عقوبات على المشاركين من حركة فتح ومنظمة التحرير، مثل تجميد العضوية أو الفصل، مع تهديدات بفصل أعضاء المجلس المركزي.

- حملة إعلامية واسعة: استخدمت السلطة وسائل الإعلام لمهاجمة المؤتمر، محذرة من محاولات تهميش منظمة التحرير وخلق بدائل غير شرعية، مما يعكس توسيع نطاق المعارضة.

استبقت السلطة الوطنية الفلسطينية، بجميع هيئاتها الرسمية الإعلامية والمهنية، المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي بدأت أعماله يوم الاثنين الماضي في الدوحة، وانتهت أمس الأربعاء، بحملة تحريض وتشويه منظّمة ضد المؤتمر الذي شاركت فيه 400 شخصية من الضفة الغربية وقطاع غزّة، والشتات، ومن الجاليات الفلسطينية في الدول العربية والعالم، بالتزامن مع تهديد ووعيد للمشاركين من الضفة الغربية المحتلة.

بدأت الحملة خطواتها العملية بمنع مشاركين في المؤتمر الوطني الفلسطيني من السفر، إذ منع أمن إدارة المعابر والجسور في أريحا في الجهة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، أكثر من 35 من المشاركين من السفر، وسُحبت جوازات السفر من بعضهم وجرى تحويلهم إلى جهاز الأمن الوقائي. إضافة إلى ذلك، فرضت السلطة إجراءات عقابية على المشاركين في المؤتمر الذين تمكنوا من الوصول إلى الدوحة، لتشمل كل من يشغل مناصب أو يحمل عضوية في أيٍّ من هيئات حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ومنظمة التحرير، مثل "المجلس الوطني" و"المجلس المركزي"، بالإضافة إلى الموظفين الذين يتلقون رواتب من السلطة الفلسطينية. ولم تتوقف إجراءات السلطة عند المنع من السفر لمن علِمت بنيّته السفر عبر الأردن إلى قطر للمشاركة في المؤتمر، بل اتصلت أجهزة الأمن بعائلات مشاركين نجحوا في الوصول إلى الدوحة قبل أن يبدأ أمن السلطة حملته على الجسر الواصل بين الأردن والضفة الغربية المحتلة، والواقع تحت السيطرة الإسرائيلية، باستثناء نقطة العبور الأولى الواقعة تحت سيطرة أمن السلطة الفلسطينية.

إجراءات عقابية لمشاركين

وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد" أن القيادة الفلسطينية قرّرت فرض إجراءات عقابية على المشاركين في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذين يشغلون مناصب أو عضوية في أي من هيئات حركة فتح ومنظمة التحرير، أي المجلس الوطني والمجلس المركزي. وأكدت المصادر أن "جزءاً من اجتماع مركزية فتح (أمس الأربعاء) كان يفترض أن يتطرق إلى المؤتمر الوطني والعقوبات على المشاركين فيه". وقال عبد الكريم سعيد، عضو إقليم حركة فتح في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، وهو أحد المشاركين في المؤتمر، لـ"العربي الجديد"، إن "إقليم الحركة في طوباس اجتمع بناء على توجيهات من نائب رئيس حركة فتح، محمود العالول، من أجل إبلاغي بعدم المشاركة في المؤتمر، دون التمكن من ذلك لأنني بالفعل كنت قد سافرت إلى الأردن في طريقي إلى قطر".

عبد الكريم سعيد: في أي لحظة سيتم البتّ في تجميد عضويتي من إقليم حركة فتح في طوباس 

وأضاف سعيد أن إقليم طوباس في الحركة "اجتمع، واتخذ قراراً جماعياً بتجميد عضويتي من الإقليم إلى حين البتّ فيها من اللجنة المركزية لحركة فتح في اجتماعها". وقال إنه يتوقع "في أي لحظة البتّ في تجميد العضوية، بالفصل أو الإبقاء على التجميد، في غياب أي إجراءات ديمقراطية في الحركة". وتطرق سعيد (65 عاماً) إلى عضويته القديمة في الحركة، قائلاً: "أنا في صفوف حركة فتح منذ عام 1978، وكل القاعدة الفتحاوية تعرفني، وأفنيت عمري في هذه الحركة، التي كانت وستبقى العمود الفقري للعمل الوطني الفلسطيني"، معتبراً أنه "إذا صلحت فتح فإن الكل الوطني سيتم إصلاحه وهذا ما سنواصل العمل عليه".

نافذ الرفاعي: علمنا بوجود نيّة لفصل أي فتحاوي من الحركة

وشدّد عضو المجلس المركزي الفلسطيني، أحمد جميل عزم، على أن التهديدات بفصل أعضاء المجلس المركزي من المجلس غير قانونية. وقال لـ"العربي الجديد"، على هامش مشاركته في أعمال المؤتمر الوطني الفلسطيني، أنه "في النظام الأساسي للمجلس المركزي لا يمكن تغيير الأعضاء المستقلين من دون اجتماع رسمي وموافقة المجلس الوطني الفلسطيني في اجتماعه أيضاً". أما رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين السابق، نافذ الرفاعي، فتوقع أن "تكون هناك إجراءات عقابية" ضده مثل "الفصل من عضوية الاتحاد، وإجراءات أخرى من استدعاء أمني وغيره"، حين يغادر الدوحة باتجاه الأراضي الفلسطينية، مفضلاً "الحديث عنها في حينه". وقال لـ"العربي الجديد" أنه "علمنا أن هناك نيّة لفصل أي فتحاوي من الحركة سواء كان عضواً بأي هيئة تنظيمية للحركة أم لا"، مضيفاً أن "اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين أصدر بياناً قبل يومين موجّهاً ضد المؤتمر، وضدي، إذ وضعوا اسمي على منشور من أحد أعضاء الكتاب والإشارة إلى المؤتمر في حملة تحريض وشتم واضحة لشخصي وللمؤتمر". وقالت مشاركة في المؤتمر، امتنعت عن نشر اسمها، لـ"العربي الجديد": "اتصلت بي عائلتي وأخبرتني أن الأمن يسأل عني لدى العائلة والعمل"، مضيفة: "اتصلت بالهيئة المستقلة لحقوق الإنسان وأطلعتهم على التهديدات التي وصلتني عبر العائلة وزملائي في العمل، على أمل أن يتحرّكوا وأن لا يتم اعتقالي على الجسر".

وبالتزامن مع عقد المؤتمر في الدوحة، بدأت حملة واسعة ضده، إذ تصدّرت حركة فتح هذه الحملة من خلال بيان صادر عن اللجنة المركزية للحركة. وأكدت اللجنة المركزية لـ"فتح"، يوم الجمعة الماضي، أن "الحركة ومعها الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية سيتصدّون بحزم لما سمّتها المحاولات المشبوهة التي تحاول المسّ بوحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني".

بيانات مستنكرة

وبعد ذلك، تصاعدت الأمور بتداعيات متتالية، إذ صدرت بيانات إضافية عن المجلس الوطني الفلسطيني، ثم امتدت الحملة لتشمل العشائر والفصائل المنسجمة مع مواقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح. وجاء في بيان لمنظمة التحرير، يوم الجمعة الماضي، أن "أي محاولة تستهدف تمثيلها الحصري للشعب الفلسطيني أمر خطير للغاية ويخدم مباشرة مخططات التهجير والضم وتصفية القضية الفلسطينية"، وأن "نزع صفة تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني سيعني أن الشعب الفلسطيني بلا قيادة معترف بها عربياً ودولياً، وأنه من الممكن خطف قراره الوطني المستقل وتمييع واقعه بهدف تمرير مخططات تصفية القضية الفلسطينية". وأشارت المنظمة إلى أن "طريق إصلاح المنظمة وآلياته معروفة ولا تتم إلا عبر مؤسساتها، وبالتحديد عبر المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي"، وأن "أي محاولة خارج هذه الأطر إنما هي مسّ بوحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، ولن تقود إلا إلى مزيد من الانقسامات".
كذلك أكد المجلس الوطني الفلسطيني في بيان، السبت الماضي، رفضه القاطع "أي محاولة لتجاوز منظمّة التحرير، أو إنشاء أطر بديلة خارج إطارها الشرعي"، خصوصاً "عندما تأتي هذه المحاولات مدعومة من أطراف إقليمية تسعى إلى فرض وصايتها على القرار الوطني الفلسطيني، وتعمل على تفريغه من مضمونه".

وكان لافتاً استخدام العشائر الفلسطينية في هذه الحملة التي حذرت في بيان، السبت الماضي، من المشاركة في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي وصفته بـ"المبطن"، والذي "يعتمد على الخداع والتضليل، والمتنقل من عاصمة إلى أخرى بتمويل سياسي مشبوه، وسيكون مآله الفشل" حسب زعمها، مطالبة بمقاطعته وإقامة فعاليات وأنشطة مناهضة لهذا المؤتمر "المشبوه" وفق وصفها.
واستُخدمت الإذاعة الفلسطينية الرسمية لمهاجمة المؤتمر. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد مجدلاني، للإذاعة، السبت الماضي، "إن الدعوات المشبوهة التي تمسّ منظمة التحرير عبر خلق مؤتمرات ليست لها قيمة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، خاصة مع سعي أطراف إقليمية ودولية إلى اختراع البدائل والأطر البديلة لمنظمة التحرير، وهو ما رفضه ويرفضه شعبنا". ووصل الأمر إلى عقد اجتماع للقوى الوطنية والإسلامية في رام الله، الاثنين الماضي، والتي خلصت إلى أن "أي مؤتمر ينعقد تحت يافطات ما يسمى إصلاح منظمة التحرير يهدف إلى المساس بالمنظمة"، مؤكدة أن "هذه المحاولات ستفشل كما فشلت سابقاتها. ودعت إلى "التمسّك الحازم بوحدة الشعب الفلسطيني والمنظمة".

حملة إعلامية

كما تطورت الحملة بشكل أكبر مع الاستعانة بالنقابات والاتحادات التابعة لمنظمّة التحرير الفلسطينية، والتي يقودها في غالبيتها أشخاص ينتمون لحركة فتح. كما شملت الحملة الاستعانة بكتّاب ومثقفين محسوبين على الحركة، ما عكس محاولة لتوسيع نطاق المعارضة ضد المؤتمر الذي عُقد في الدوحة. وفي برنامج ملف اليوم، عبر تلفزيون فلسطين الرسمي، أفرد البرنامج يومي الأحد والاثنين الماضيين (16 و17 فبراير)، مساحة نصف ساعة لكل حلقة على حدة، لمهاجمة المؤتمر، واستضاف الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء، مراد السوداني، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف.

وفي الحلقة التي بُثت يوم الاثنين الماضي، بعنوان "وسط رفض واسع، مؤتمر الدوحة... محاولات لتهميش منظمة التحرير الفلسطينية"، قال أبو يوسف، إن هدف المؤتمر هو "محاولة المساس بالتمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، وإن الاجتماع "من حيث التوقيت والمضمون في دولة تحاول أن تغذّي الانشقاق في الوضع الفلسطيني، وهذا ما يؤدّي إلى الانشقاق والانقسام". كما استضاف التلفزيون الرسمي في سياق تغطيته المسائية في 16 الشهر الحالي، الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، وعضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير، شاهر سعد، للحديث في السياق ذاته. والسبت الماضي، في التغطية المسائية، استضاف التلفزيون الرسمي المتحدث باسم حركة فتح، ماهر النمورة، الذي اعتبر أن "توقيت عقد المؤتمر مشبوه"، وأنه "من جهات خارجية ومشبوهة تسعى للتحريض على الشعب الفلسطيني وإيجاد بدائل عن المنظمة".

أما تلفزيون عودة، التابع لحركة فتح، فقد بدأ تغطيات خاصة منذ الساعة السادسة من مساء السبت الماضي حتى مساء أول من أمس الثلاثاء. واستضاف عدة ساعات المتحدث باسم حركة فتح إياد أبو زنيط، وعضو المجلس الثوري للحركة، بيان الطبيب، والقياديين في الحركة علي زيدان وباسم التميمي، وعضو المجلس الثوري، عبد الله كميل، وعضو المجلس الوطني عمران الخطيب، ونائب أمين سرّ اللجنة المركزية للحركة صبري صيدم، والمتحدث باسم فتح في جنوب نابلس عوّاد نجم، وأمين سرّ فتح في أيرلندا جهاد جعارة، وأمين سر فتح في إسبانيا أحمد معروف، بالإضافة إلى محللين سياسيين ناشطين في حركة فتح. فيما جاء حديث كل الضيوف المذكورين في سياق مهاجمة المؤتمر واعتباره "مؤامرة خارجية ضد القضية الفلسطينية".