حرب الرسوم.. قرارات ترامب تخلخل الثقة وتعمّق الفوضى في إدارته
استمع إلى الملخص
- ضغوط من رجال الأعمال والإعلام وبعض الجمهوريين دفعت ترامب للتراجع عن قراره، محذرين من تداعياته السلبية على الاقتصاد، مما أثار تظاهرات شعبية.
- الخلافات داخل الإدارة الأميركية حول الرسوم الجمركية كشفت عن تباين بين شخصيات بارزة، مما أضر بمصداقية واشنطن وعلاقاتها الدولية، وهدد بخلق ركود اقتصادي.
أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الأربعاء، وقف تنفيذ الرسوم الجمركية التي فرضها في مطلع الشهر الجاري لمدة 90 يوماً، بالغ الارتياح لدى كافة الأوساط الأميركية الاقتصادية والمالية والتجارية والسياسية. انعكس ذلك بأوضح تعبيراته في أسواق الأسهم التي استعادت، أمس الأربعاء، نصف خسائر أسبوعها الأخير (مؤشر داو جونز ارتفع قرابة 3 آلاف نقطة)، علماً أنّ قسماً من زيادة التعرفة (10% على سائر البضائع المستوردة من الخارج)، بقي على حاله.
وكذلك بقيت الرسوم على الصين، بل تضاعفت لتصل إلى 120%. لكن مقابل التقاط الأنفاس هذا، يخيم على واشنطن جوّ من "الخجل" مما وصل إليه التعاطي مع ملف من هذا العيار بهذه الخفة، منذ مطلع مارس/ آذار الماضي. وأكثر ما توقف عنده المراقبون، وبشيء من الذهول، كانت سرعة القفز من قرار إلى نقيضه في التعامل مع موضوع حساس وخلافي بهذا الحجم، إلى الحد الذي ساد معه جوّ من الإحراج والتخوف من مضاعفات التعاطي بمثل هذا الهوان مع مسألة بهذه الأهمية والجدية.
تضافرت عوامل واعتبارات وضغوطات مختلفة لحمل ترامب على التراجع، ولو المؤقت، شارك فيها رجال الأعمال والشركات وبعض أركان الإدارة ولا سيما وزير الخزانة سكوت بيسنت، الذي حذر الرئيس من المضاعفات، خاصة في ما يتعلق بسندات الخزينة التي هبط بيعها في الأيام الأخيرة إلى حدّ غير مسبوق، وبما أثار المخاوف من النأي عنها، وهي التي تشكّل المصدر الأهم لتمويل العجز في الموازنة.
كما انضم بعض الجمهوريين في مجلس الشيوخ إلى حملة الضغط هذه، بدافع خشيتهم من تداعيات حرب الرسوم التي أثارت موجة عارمة من الرفض والغليان في قواعدهم الانتخابية. كذلك ساعد الإعلام وحتى المؤيد منه للرئيس ترامب، في التحريض على هذا التوجه المؤذي و"غير المحسوب" والمحكوم بارتفاع جنوني للأسعار، وهو ما ساهم في تحريك الشارع الذي شهد، السبت الماضي، موجة تظاهرات في العديد من المدن الأميركية، اعتراضاً على هذه السياسة.
ويبدو أنّ انفجار الخلافات داخل الإدارة الأميركية حول هذا الموضوع، ساهم بالمحصلة في حمل ترامب على مراجعة حساباته. وكان أبرزها التراشق العلني بين رجل الإدارة الأبرز إيلون ماسك المعترض على الرسوم، وبين بيتر نافارو، مستشار الرئيس لشؤون التجارة الدولية، المتحمّس لها. وقد لوحظ غياب الأول عن الشاشة في الأيام الأخيرة. كما يذكر أن شقيقه الذي يدير فرع الصين لشركة سياراته "تسلا"، أعرب، وإن بصورة مواربة، عن الاستياء من موضوع الرسوم.
وقد كشف هذا التباين ليس فقط عن خطورة الورطة بل أيضاً عن بداية تفسخ في جدار الإدارة الأميركية، وهو تفسخ قد يكون مرشحاً للتفاقم مع ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من تغييرات جديدة، وخاصة أنّ الأزمة معلقّة، ولم يحسم بعد موضوع الرسوم بصورة نهائية، ولو أنه من المستبعد أن يعود ترامب إليه بعد الهزات التي تسبب بها.
مع ذلك، وحتى لو صار التراجع المؤقت عن الحرب التجارية نهائياً، وهو الأرجح، فإنّ مسارها ألحق ضرراً كبيراً بمصداقية واشنطن ودورها وعلاقاتها، فضلاً عن الانعكاسات السلبية التي سيتركها على منظومة التجارة الدولية وجوانبها الاقتصادية. فمنذ أن طرح الرئيس ترامب هذا الموضوع في الرابع من مارس/ آذار المنصرم وحتى اليوم، مرّ هذا المسار بـ12 قراراً وقراراً مضاداً، تراوحت بين التهديد والتنفيذ ثم التراجع والتراجع المضاد والرد على الرد، مع ما رافق ذلك من تبديل وتغيير في الأرقام صعوداً ونزولاً؛ ليستقر اليوم عند تعليق القضية لمدة 3 أشهر لكل الدول باستثناء الصين، ولو أنه لا فرار، حسب المراقبين، من التوصل إلى اتفاق معها في آخر المطاف بحكم ثقل وزنها في التجارة الدولية، وبالذات في التجارة مع الولايات المتحدة. هذا التذبذب "خلق فوضى وخلخلة غب الثقة"، كما أنه عمل على إحياء سياسة "الحماية والانكفاء"، وهذه عوامل تؤسس لحالة "ركود واضطراب" تهدد الاقتصاديات الكبيرة.