نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مساء الأحد، تقريراً أعده مراسلوها عن جنود اللواء الجوي 79 الأوكراني، العامل على خط المواجهة في الحرب بين القوات الروسية والأوكرانية. وحاول التقرير تسليط الضوء على الحياة عند ما يسميه الجيش الأوكراني "خط الصفر"، أقصى حدود خطوط المواجهة الأمامية، حيث يبعد الروس قرابة 275 متراً فقط.
يصف التقرير عديد الطرق المؤدية إلى القتل والموت على خط المواجهة ذاك، حيث المروحيات والمدفعية الثقيلة الروسية تقصف بانتظام الخنادق الأوكرانية، وتحلق طائرات بدون طيار على ارتفاع عال للمراقبة، بينما تقصف أخرى بأربع مراوح تلك الخنادق بالمتفجرات، وتحاول بعدها مجموعات المشاة الروس اقتحامها على جنح الظلام.
وتقول الصحيفة، إنه على الرغم من القتال العنيف طوال فصل الشتاء، استولت روسيا على حوالي 400 ميل مربع فقط في الجبهة الشرقية بأكملها منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وفقًا لتقرير صدر في فبراير/شباط عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو منظمة بحثية في واشنطن.
يؤكد تقرير الصحيفة أن اختراق الخنادق الأوكرانية مميت ومحفوف بالمخاطر بالنسبة للمهاجمين، لكن في المقابل، فإن تمسك المدافعين بالأرض باهظ الثمن، فقبل يومين من زيارة الصحيفة، تكبد اللواء 79 خسائر فادحة.
الحفر تفاديا للموت
كانت القوات الروسية قريبة جدًا لدرجة أن بوغدان، الجندي الأوكراني في لواء الهجوم الجوي 79، تمكن من رؤية الجنود الروس وهم يحفرون خنادقهم.
الحفر هو ما يجب القيام به في هذا الامتداد البائس من الأرض المحروقة في شرقي أوكرانيا لتجنب الموت، على حد تعبير الصحيفة. يريد بوغدان أن يموت الروس، لذا توقف عن الحفر، وحمل قاذفة قنابل صاروخية على كتفه، ونظر إلى أكياس الرمل المثبتة على حافة خندقه وأطلق قذيفته بعيداً. بعد لحظات، أطلق الجنود الروس وابلا من نيران الرشاشات الآلية، ثم عادت الأمور إلى الهدوء.
قال بوغدان بارتياح: "جعلناهم يهدؤون". شق طريقه إلى مخبأ أكثر عمقاً تحت الأرض وقال: "أنا فقط بحاجة لتناول قهوتي".
اللواء الجوي رقم 79 هو من قوات النخبة في أوكرانيا، حارب الروس في السهوب والغابات والمدن المدمرة. الآن، الجنود مكلفون بالاحتفاظ بموقع على بعد حوالي 15 ميلاً من مدينة دونيتسك، معقل روسيا والقوات الموالية لها منذ العام 2014.
مدينة مارينكا في ضواحي دونيتسك، لم تعد موجودة بعد الآن على الخريطة، هجرها ما يقرب من 9000 من السكان قبل الحرب. ومنذ فترة طويلة، انضمت إلى قائمة الأماكن التي دمرتها القوات الروسية، وسويت بالأرض، مع ذلك يستمر الجنود الأوكرانيون في الدفاع عنها.
بعد أن فشل الروس في اختراق الخطوط الأوكرانية هناك لمدة عام تقريبًا، راجع الروس مؤخراً تكتيكاتهم، وتحولوا إلى مجموعات هجومية صغيرة تحاول شق الثغرات في الدفاعات الأوكرانية التي يمكنهم محاولة استغلالها، وفقاً لوثيقة روسية استولى عليه الأوكرانيون، وتوضح بالتفصيل كيف يمكن تقسيم الفصائل الهجومية المكونة من 12 إلى 15 فرداً إلى مجموعات تكتيكية لا تقل عن ثلاثة أفراد، مدعومة بقوة نيران إضافية للتسلل إلى خندق أوكراني.
يسمي الجنود الأوكرانيون هذه المجموعات بـ"اللحم"، لتحول أكثرهم إلى جثث هامدة. وتنقل الصحيفة عن جنود أوكرانيين شاهدوا الهجمات الروسية عن قرب، وأبقت أسماءهم طي الكتمان لأسباب أمنية، أن الروس غالباً ما يرسلون موجة أولى من المشاة لاقتحام خندق، رغم الاحتمالية العالية لموتهم، ثم يرصد الروس مواقع إطلاق النار الأوكرانية على تلك المجموعة، ويصلونها بوابل من نيران قذائف الهاون، لتتقدم بعدها موجة ثانية من المشاة الروس في محاولة التسلل إلى الخندق.
تكتيك وحشي
تكتيك الحرب القديم يتسبب في خسائر مروعة، يصفه تقرير الصحيفة بأنه "تكتيك وحشي" تعرف إليه ملايين الجنود المتجمعين في الخنادق منذ الحرب العالمية الأولى، وأشار إليه النقيب الفرنسي أندريه لافاج في ذلك الوقت في كتابه "الهجوم في حرب الخنادق"، مؤكداً أن تكلفة اختراق الخنادق المحصنة باهظة، واصفا وحدات المشاة هؤلاء بـ"حفنة القش التي تلتهمها نيران الفرن".
على خط المواجهة الأمامي، وعلى طول 600 ميل، حفر كلا الجيشين آلاف الأميال من شبكات الخنادق، على شكل صفوف متتالية، فإذا سقط واحدها تراجع الجنود إلى مواقع أكثر أماناً في الصفوف الخلفية.
بالإضافة إلى الهجمات المحدودة، تحاول روسيا منذ أسابيع اختراق الخطوط الأوكرانية بهجمات أكثر شمولاً، تستخدم فيها المدرعات.
بعد وقت قصير من زيارة "نيويورك تايمز" اكتشفت وحدات الاستطلاع التابعة للواء 79 حركة للدبابات الروسية والمدرعات في مكان قريب.
حاول الروس تطويق الخنادق عبر الأجنحة "لشن هجوم واسع النطاق"، وفقًا لبيان صادر عن اللواء. لكن الأوكرانيين تصدوا لهم بصواريخ جافلين المضادة للدبابات، التي ألحقت أضراراً بالعديد من الدبابات الروسية وعربات المشاة القتالية، ونشر اللواء، بحسب الصحيفة، مقاطع فيديو توثق تدمير المدرعات الروسية.
في خنادقهم، يعلم الجنود الأوكرانيون أن محاولات الاقتحام الروسية ستستمر، لكنهم قالو لـ"نيويورك تايمز" إنهم مستعدون لليوم الذي ينتقلون فيه من الدفاع إلى الهجوم.