وسط استمرار الغارات الإسرائيلية الكثيفة على مختلف أنحاء قطاع غزة المحاصر، أعلنت الأمم المتحدة اليوم الجمعة، رسمياً المجاعة في غزة، وهو أول إعلان من نوعه في الشرق الأوسط. وقال خبراؤها إنّ 500 ألف شخص يواجهون جوعاً كارثياً. وبعد أشهر من التحذيرات بشأن الوضع الإنساني واستشراء الجوع في القطاع الفلسطيني، أكّد التصنيف المرحلي للأمن الغذائي ومقره في روما أن محافظة غزة (مدينة غزة وحدها) التي تغطي نحو 20% من قطاع غزة، تشهد مجاعة.
وأفاد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، بأن المجاعة في غزة نتيجة مباشرة لإجراءات الحكومة الإسرائيلية. وقال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مرصد عالمي لمراقبة الجوع، اليوم الجمعة، إن المجاعة تفشت في منطقة في قطاع غزة وستنتشر على الأرجح في الشهر المقبل، في تقييم من شأنه أن يزيد الضغط على إسرائيل من أجل السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني.
وتزايدت أخيراً التحذيرات الدولية من الكارثة الإنسانية المتفاقمة داخل القطاع، حيث دعا المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني إلى التدخل العاجل لإيصال المساعدات، محذراً من أن الأطفال الأكثر جوعاً "محكوم عليهم بالموت" إذا لم تصل الإغاثة على وجه السرعة، لا سيما في شمال القطاع الذي لا يزال يضم ما يقارب مليون نسمة وفق التقديرات. كما أصدرت سبع وعشرون دولة بياناً مشتركاً دعت فيه إسرائيل إلى السماح الفوري بدخول وسائل الإعلام الأجنبية إلى غزة، من أجل توثيق الواقع الإنساني المأساوي وكشف حجم الانتهاكات.
في المقابل، ومع إعلان حركة حماس موافقتها على مقترح وقف إطلاق النار الأخير، تتعاظم الإشارات المتضاربة الصادرة عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي حاول في تصريحات جديدة الجمع بين التلويح بمفاوضات لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وتأكيد خطط السيطرة العسكرية على مدينة غزة وهزيمة حركة المقاومة الفلسطينية "حماس". وأعلن نتنياهو أنه أعطى أوامر بـ"البدء الفوري" في مفاوضات تهدف إلى إطلاق سراح المحتجزين وإنهاء الحرب "بشروط مقبولة لإسرائيل"، لكنه أشار في تصريحات منفصلة إلى أنه يعتزم السيطرة على غزة في كل الأحوال. تصريحات نتنياهو هذه، التي بدت متناقضة في جوهرها، فسّرتها وسائل الإعلام العبرية بأنها جزء من المراوغة السياسية لتبرير استمرار الحرب وتوسيع رقعتها بدل السعي الجدي إلى وقفها.
وعقب تصريحات نتنياهو، التي وصف فيها أمس مدينة غزة ومخيّمات وسط القطاع بأنها "آخر معاقل حماس"، يتواصل التهديد والوعيد الإسرائيلي بالتزامن مع مصادقة المجلس الوزاري المصغّر، أمس الخميس، على خطط عملية "عربات جدعون 2". وقال وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم الجمعة: "صادقنا أمس على خطط الجيش الإسرائيلي لحسم المعركة ضدّ حماس في غزة، بنيران كثيفة وإخلاء سكان ومناورة ميدانية"، مضيفاً: "قريباً ستُفتح أبواب الجحيم" على مقاومي حماس في غزة "حتى يوافقوا على شروط إسرائيل لإنهاء الحرب، وعلى رأسها إطلاق سراح جميع المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين في القطاع) ونزع سلاحهم. وإن لم يوافقوا، فإنّ غزة، عاصمة حماس، ستتحوّل إلى رفح وبيت حانون. تماماً كما وعدت، هذا ما سيكون".
في الميدان، صعّد جيش الاحتلال الإسرائيلي من تهديداته وخططه العملياتية، إذ أصدر أوامر للطواقم الطبية ومنظمات الإغاثة الدولية العاملة في شمال القطاع بضرورة إعداد خطط لإجلاء السكان، تمهيداً لعملية عسكرية لاحتلال مدينة غزة بشكل كامل. وبحسب بيان الجيش، فإن الاتصالات جرت خلال الأيام الماضية مع مسؤولين في القطاع الصحي والمنظمات الدولية، في محاولة لتهيئة الأوضاع الميدانية لعمليات تهجير واسعة نحو الجنوب. وفي السياق نفسه، كشفت هيئة البث العبرية أن الحكومة الإسرائيلية تدرس تقليص كميات المياه المخصصة لشمال غزة، مقابل "إصلاح" خطوط المياه نحو الجنوب، في إشارة إضافية إلى أن الخطط العسكرية ترافقها إجراءات تضييق ممنهجة على حياة السكان المدنيين، بغرض دفعهم قسراً إلى النزوح.
"العربي الجديد" يتابع تطورات الحرب على غزة أولًا بأول...