حرب أوكرانيا تنكأ جراحاً قديمة في ذاكرة بولندا

حرب أوكرانيا تنكأ جراحاً قديمة في ذاكرة بولندا

12 مايو 2022
بعد رش السفير الروسي بالطلاء الأحمر (WOJTEK RADWANSKI/ فرانس برس)
+ الخط -

ما كان الاجتياح الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير/ شباط الماضي، أن يمر من دون أن يفجر سجالات بين بولندا وروسيا، ويفتح جروحاً قديمة في الذاكرة التاريخية البولندية، وسط تبني وارسو مواقف أكثر تشدداً حيال موسكو بين باقي بلدان الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على سقوط السلطة الشيوعية المدعومة سوفييتياً في وارسو، إلا أن بولندا لا تزال، على المستويين الرسمي والشعبي، تبدي حساسية كبيرة تجاه تمدد موسكو في السنوات الماضية سياسياً وعسكرياً، لاستعادة نفوذها في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق الذي بلغ ذروته بقرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، شن حرب على أوكرانيا.

ومنذ بدء الحرب في البلد المجاور، تحولت بولندا إلى الوجهة الأولى لأكثر من 3 ملايين لاجئ أوكراني. كما ألقى الرئيس الأميركي، جو بايدن، من وارسو، خطابه شديد اللهجة الذي اعتبر فيه أن بوتين لا يمكنه البقاء في السلطة. بالإضافة إلى تخلي بولندا إلى جانب بلغاريا عن مشتريات الغاز الروسي على خلفية فرض الكرملين دفع قيمته بالعملة الروسية الروبل.

وبلغت السجالات الروسية البولندية مرحلة جديدة بعد واقعة الاعتداء على السفير الروسي لدى بولندا، سيرغي أندرييف، عن طريق رش الطلاء الأحمر عليه أثناء وضعه إكليلا من الزهور على مدفن الجنود السوفييت بمناسبة ذكرى مرور 77 عاما على النصر على ألمانيا النازية في 9 مايو/ أيار الحالي.

إرث ثقيل من الخلافات

ووصل أندرييف إلى المدفن على متن سيارة دبلوماسية تحمل علماً روسياً، ولكنه وجد نفسه بعد الخروج منها محاطاً بعدد من الأشخاص يحملون أعلام أوكرانيا ويهتفون شعارات مناهضة لروسيا، قبل أن ترش عليه امرأة سائلا أحمر. وصل عناصر الشرطة البولندية إلى موقع الحادثة بعد بضع دقائق، وساعدوا السفير والدبلوماسيين المرافقين في الوصول إلى السيارة.

وعلى أثر هذه الواقعة، استدعت وزارة الخارجية الروسية أمس الأربعاء، السفير البولندي لدى روسيا، كشيشتوف كرايفسكي، مطالبة بضمان أمان سفيرها وجميع موظفي البعثة الدبلوماسية الروسية.

وفي هذا الإطار، يرجع الباحث في مركز الدراسات الأوروبية في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ستانيسلاف كوفالدين، الموقف البولندي المتشدد حيال روسيا إلى إرث ثقيل من الخلافات التاريخية بين البلدين، مقللا في الوقت نفسه من احتمال ضلوع القيادة البولندية في واقعة الاعتداء على السفير الروسي.

ويقول كوفالدين في حديث مع "العربي الجديد": "هناك أسباب كثيرة للموقف البولندي المتشدد حيال روسيا، وبالطبع، لا يمكن تجاهل التباينات التاريخية التي أدت إلى تعامل وراسو مع أي أعمال عدوانية روسية بحدة أكبر مقارنة مع الدول الأخرى". وتابع قائلا "دعمت بولندا دوما أوكرانيا وتطلعاتها الأوروبية، معتبرة ذلك بمثابة ضمان لأمن وارسو والحد من التدخل الروسي في الشؤون الأوروبية".

ومع ذلك، يقلل من إمكانية وقوف القيادة البولندية وراء الاعتداء على السفير الروسي، مضيفا: "أعتقد أن الواقعة ناجمة عن تقصير الشرطة البولندية، ولذلك لا تريد روسيا تضخيم القضية، بل تتعامل معها على أنها عمل لعناصر راديكالية".

ويلفت إلى أن المشروع البولندي للاستغناء عن الغاز الروسي ليس وليد اللحظة، قائلاً: "كانت هناك خطط بولندية لعدم تمديد عقود الغاز الروسي بعد عام 2022، وكانت وارسو تراهن على الحصول على الغاز من مصادر أخرى، بما في ذلك من الولايات المتحدة، وتم بناء مجمع للغاز الطبيعي المسال بهذا الهدف في مدينة سفينويتشي. إلا أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وفرض الدفع بالروبل عجّلا حسم وارسو للأمر".

بدوره، لم يستبعد رئيس الجمعية الروسية لدراسات البلطيق، نيكولاي ميجيفيتش، احتمال خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين موسكو ووارسو ما لم يعتذر الجانب البولندي عن واقعة الاعتداء على السفير.

ونقلت صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين عن ميجيفيتش قوله: "إذا لم يقدم الجانب البولندي اعتذارات وافية، فيمكن خفض مستوى العلاقات إلى القائم بالأعمال".

اللعب على الخلافات التاريخية

وذكّر بأن تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين موسكو ووارسو لم يشهد حوادث إهانة السفراء السوفييت فحسب، بل اغتيالهم أيضا مثلما تعرض له السفير السوفييتي بيوتر فويكوف، في عام 1927، مرجحا أن "جدالا داخليا خفيا يجري في وارسو حول ما إذا كانت بولندا تريد إيصال العلاقات مع موسكو إلى مرحلة الحرب من عدمه، مع وجود أنصار الخيارين كليهما".

ومن اللافت أن الدعم البولندي غير المحدود لأوكرانيا لا يتأثر بالخلافات الحدودية القائمة بين البلدين منذ الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918).

ومن المؤشرات الداعمة لرواية الرهان الروسي على شق الصف الغربي، حديث رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريشكين، في نهاية إبريل/ نيسان الماضي، عن توفر معلومات استخباراتية تفيد بوضع وارسو وواشنطن خطط بسط السيطرة العسكرية - السياسية البولندية الكاملة على "أراضيها التاريخية" في أوكرانيا، بلا تأكيد لمثل هذه المعلومات على أرض الواقع حتى الآن.

وفي وقت سابق من مايو/ أيار الجاري، حذر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الرئيس السابق، ديمتري مدفيديف، من أن السلطات البولندية تعتزم غزو أراضي غرب أوكرانيا بذريعة "الأخوة الخالدة".