حراك مدني عراقي لتشكيل جبهات سياسية: إقرار بخطأ مقاطعة الانتخابات

حراك مدني عراقي لتشكيل جبهات سياسية: إقرار بخطأ مقاطعة الانتخابات

13 يناير 2022
من احتجاجات أكتوبر 2019 في بغداد (فرانس برس)
+ الخط -

تجد مجاميع من المتظاهرين الذين شاركوا في الاحتجاجات العراقية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، أن فرصة التوغل بالعمل السياسي باتت ممكنة بعد نجاح أكثر من تجربة لمحتجين أسسوا كيانات سياسية تمكنت من الفوز بمقاعد برلمانية، وكيانات سياسية أخرى تمارس حالياً نشاطات متفرقة في مجال صناعة الرأي السياسي والضغط على المسؤولين في سبيل الوصول إلى الإصلاح الذي بحثت عنه انتفاضة "تشرين".

وفي السياق يستعد عشرات الشباب من التيارات المدنية والليبرالية والعلمانية لتشكيل جبهات سياسية تسعى إلى تقويض نفوذ الأحزاب التقليدية وتحجيم أدوارها في المرحلة المقبلة.

وخلال العامين الماضيين أسس المحتجون العراقيون أكثر من سبعة أحزاب وكيانات سياسية، كحالة تطورية بعد انتهاء التظاهرات جرّاء تفشي وباء كورونا، ومنها حركة "نازل آخذ حقي" و"البيت الوطني" و"البيت العراقي" وحركة "امتداد" و"إشراقة قانون" وحركة "وعي" وحزب "العمل والحقوق".

وعلى الرغم من عدم مشاركة جميع هذه الأحزاب في الانتخابات، إلا أن حركتي "امتداد" و"إشراقة كانون" حصلت على نحو 16 مقعداً في البرلمان العراقي، ولذا اعتبر مراقبون بأن هناك حاجة شعبية للبديل السياسي للأحزاب الإسلامية والتقليدية التي تحكم البلاد منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ولغاية الآن.

أحزاب منبثقة من حراك تشرين

وأفادت مصادر من متظاهرين ونشطاء بأن "جهوداً يقودها شباب شاركوا في احتجاجات تشرين، وآخرين لديهم ارتباطات بالخطوط المدنية في البلاد، من أجل تأسيس حزب يرفع شعار العلمانية، وهي الحالة الأولى من نوعها في العراق".

وكشفت لـ"العربي الجديد" أن "المؤسسين للحراك السياسي الجديد، تمكنوا خلال الأسبوعين الماضيين من إكمال اللجنة التحضيرية للحزب، وهم بصدد الإعلان عنه خلال الفترة القليلة المقبلة".

وأضافت أن "الحزب الجديد يضمّ عشرات الناشطين والصحافيين والمؤثرين في الاحتجاجات الشعبية، ويهدف إلى الدخول في العمل السياسي لتحقيق مطالب احتجاجات تشرين من جهة، ومعاقبة المتسببين بتدمير بلاد الرافدين طيلة السنوات الماضية من جهة ثانية".


حزب جديد سيحمل خطاباً علمانياً واضحاً وصريحاً يدعم فصل الدين عن الدولة

وأشارت مصادر قريبة من الحزب الجديد إلى أنه "لا يملك أي ارتباطات مع جهات حزبية تقليدية أو مسؤولين شاركوا في صفقات الفساد في الحكومات السابقة، كما أن معظم أعضاء الحزب يعتمدون على التبرعات والمساهمات فيما بينهم، في سبيل توفير احتياجاتهم وسفراتهم إلى المحافظات العراقية بهدف كسب أعضاء جدد".

وأوضحت لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب الجديد قد يشكل هاجساً مزعجاً بالنسبة للأحزاب التقليدية المعروفة، خصوصاً أنه سيحمل خطاباً علمانياً واضحاً وصريحاً يدعم فصل الدين عن الدولة، وتأسيس دولة كفاءات لا تتدخل فيها الآراء والأمزجة الدينية والمذهبية".

وتستعد أيضاً مجموعة أخرى لتشكيل تيار ليبرالي جديد، "يأخذ على عاتقه حماية مصالح العراقيين من التدخلات الخارجية ومحاسبة فرق الموت الجوّالة وحصر السلاح بيد الدولة"، بحسب الناشط من محافظة النجف علي الحجيمي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "العام الحالي سيشهد ولادة نحو ستة أحزاب وكيانات سياسية جديدة، بينها مدنية وعلمانية وليبرالية".

وأضاف أن "نجاح تجربة حركة امتداد في مدينة الناصرية وعدد من مدن الجنوب العراقي الأخرى، دفع معظم الناشطين في مجال السياسة والمجتمع المدني إلى التفكير جدياً بالتوجه نحو مزاحمة أحزاب السلطة والفصائل المسلحة في العمل السياسي وسحب البساط تدريجياً عنها".

ورأى أن "الأثر الذي تركته الانتخابات الأخيرة على الفصائل المسلحة كان موجعاً، وتسببت بخسارة كبيرة للأحزاب الإسلامية مع صعود جيد نسبياً للكيانات الشابة التي ولدت عقب تظاهرات تشرين".

من جهته، لفت عضو "الكتلة الشعبية المستقلة"، النائب باسم خشان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "مشاركة الشباب من النشطاء والمتظاهرين في صناعة القرار السياسي تعد الضامن الحقيقي للتغيير نحو الأفضل وإجراء الإصلاحات التي ينتظرها الشعب العراقي، خصوصاً بعد أن سيطرت مجموعة من المتنفذين على معظم القرار السياسي وتحكمت بالحكومات طيلة السنوات الماضية، وذلك على الرغم من الإخفاقات السياسية التي تسببوا بها".

واعتبر أن سبب سيطرتهم يعود إلى "المال السياسي الفاسد والدعم الخارجي من قبل دول مجاورة وغير مجاورة للعراق"، مشدّداً على أنه "آن الأوان إلى أن يدخل أهل البلد إلى البرلمان ومجلس الوزراء وقيادة بلدهم وتمكينه نحو الأفضل، من خلال صناعة أحزاب وكيانات سياسية تكون حيادية ووطنية وتؤمن بالمصلحة العراقية".

ورأى خشان أن "السنوات المقبلة تحتاج إلى وجود شبابي في معظم دوائر ومؤسسات الدولة، إضافة إلى البرلمان ومجلس الوزراء، لكن هذا لا يعني عدم وجود الجناح الشعبي من المتظاهرين الذين يدعمون المواقف السياسية التشرينية، أي أن التوغل بالسياسة لا بد أن يكون مسنوداً بجهود اجتماعية وشعبية تكون السند الحقيقي لأي حراك يهدف إلى عزل فاسدين عن المواقع المهمة".

وبرأي سياسيين شباب فإن التوجه نحو تشكيل أحزاب جديدة، مرتبطة أو مقربة من المتظاهرين أو الناشطين المدنيين، يشير إلى أن قرار مقاطعة الانتخابات الماضية لم يكن صحيحاً.


نجاح تجربة حركة "امتداد" دفعت النشطاء للتحرّك

 

خطأ المقاطعة الانتخابية في العراق

وحول ذلك، أكد عضو حركة "وعي" نمير المشهداني، أن "المقاطعة السابقة للعمل السياسي وعدم المشاركة في الانتخابات من قبل الناشطين، بحجج الفساد وعدم نزاهة العملية السياسية في البلاد أثبتت فشلها، بدليل أن كثيرا من الناشطين والمحتجين الذين ينشغلون حالياً بتأسيس جبهات سياسية جديدة هم من المقاطعين للانتخابات".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "معظمهم اعترفوا بأن مقاطعتهم للانتخابات كانت خياراً خاطئاً، خصوصاً بعد فوز حركة امتداد في مدن جنوب العراق".

ولفت إلى أن "متظاهري تشرين والناشطين والشباب الذين عاصروا حكومات الأحزاب الإسلامية بعد عام 2003، وما تعرضوا له من تعنيف وقمع خلال فترة الاحتجاجات، دفعهم إلى التفكير جدياً بالمفاهيم العلمانية والليبرالية لإزاحة الأحزاب التقليدية عبر الوسائل السياسية والانتخابية السلمية".

بدوره، رأى الباحث عبدالله الركابي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الساحة السياسية العراقية قادرة على استيعاب المزيد من الأحزاب الجديدة، لا سيما تلك التي يتم تأسيسها بناءً على حاجة حقيقية لا على قوائم انتخابية، كما تفعل معظم الأحزاب التقليدية التي لا تمتلك أي تصورات أو مناهج خدمية أو رؤية لما يحدث في العراق على مستوى الحاضر والمستقبل".

واعتبر أن "خيار النشطاء بالتوجه نحو السياسة يحتاج إلى تضحيات لا تختلف عن تلك التي قُدمت خلال فترة الاحتجاجات"، مشدّداً على أن "معظم النشطاء متحمسون للتغيير، لكن الحماس وحده لا يكفي، إذ يحتاج إلى خبرة وتطوير لقدراتهم السياسية، ومن الضروري أيضاً تطوير علاقات الأحزاب العلمانية الجديدة بالمحيط الخارجي، وليس الاعتماد فقط على الثقل الجماهيري الذي تملكه".