حراك سياسي للمعارضين في مصر بعد فوز بايدن

حراك سياسي للمعارضين في مصر بعد فوز بايدن

16 نوفمبر 2020
أوقف النظام حملات اعتقال الناشطين خلال الفترة الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -

بدأت منظمات المجتمع المدني والأحزاب المصرية المعارضة تمارس ضغوطها على النظام المصري، بهدف الحصول على مساحة أكبر من حرية الحركة، وانتقاد ممارسات الحكومة في ملفات أهمها الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، استغلالاً لإعلان فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة. فالأخير عاصر ذروة احتدام الأزمة في مصر، بعد إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، حين كان يشغل منصب نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
وتبحث المعارضة المصرية عن تموضع جديد بعد غياب دام لسنوات تحت حكم عبد الفتاح السيسي، الذي حاصر الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وقيّد نشاطها، وسيطر نظامه على أجهزة الإعلام الحكومية والخاصة على حد سواء، في ظلّ الدعم الكبير الذي حظي به من إدارة المرشح الجمهوري الخاسر دونالد ترامب على مدى 4 سنوات، على الرغم من تسليط وزارة الخارجية الأميركية الضوء، في وقت سابق، على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر.
وقالت مصادر مصرية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إنّ حديث بايدن المتكرر عن المساعدات العسكرية المقدمة من بلاده إلى مصر، والذي صرح سابقاً بأنه "لا مزيد من الشيكات على بياض للديكتاتور المفضل لدى ترامب"، شجع قوى المعارضة المصرية على فتح ملف المعتقلين السياسيين وتردّي الأوضاع الحقوقية في السجون، خصوصاً أنّ هناك مطالبات من جماعات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة بضرورة وضع شروط مسبقة لحصول مصر على المساعدات البالغ إجماليها 1.3 مليار دولار سنوياً.

النظام أفرج عن مئات المحتجزين فور إعلان بايدن رئيساً

وأضافت المصادر أنّ هناك اتصالات تجرى حالياً بين بعض الأحزاب المعارضة، والمؤلفة في تكتل باسم "الحركة المدنية الديمقراطية"، وبين منظمات حقوقية محلية ودولية، لحثّ الإدارة الأميركية الجديدة من أجل الضغط على النظام المصري لتحسين بعض أوضاع حقوق الإنسان، والإفراج عن المعتقلين السياسيين على خلفية أحداث التظاهر التي شهدتها البلاد قبل نحو شهرين، لا سيما أنّ النظام المصري أفرج عن المئات من المحتجزين فور إعلان بايدن رئيساً للولايات المتحدة.
ووفقاً للمصادر، فإنّ النظام المصري قد يسمح بهامش من "المعارضة الشكلية" في مجلس النواب المقبل، وهو ما ظهر بوضوح في خفض مستوى التلاعب بصورة كبيرة في نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات (بخلاف المرحلة الأولى)، فضلاً عن وقف الاعتقالات للناشطين السياسيين والصحافيين والحقوقيين خلال هذه الفترة، ولو بصورة مؤقتة. وهو ما تسعى المعارضة إلى استغلاله بتخفيف ضغوط المحاصرة المفروضة عليها، والتي تشهدها منذ سنوات.
وكان السيسي أوّل زعيم عربي يهنئ بايدن بفوزه في انتخابات الرئاسة الأميركية، موجهاً رسالة إيجابية أخرى قبل ساعات من ظهور نتيجة ولاية بنسلفانيا الحاسمة، بالإفراج المفاجئ عن خمسة من أبناء عمومة الناشط الحقوقي الأميركي من أصل مصري محمد سلطان، والذين اعتقلوا عقب رفع الأخير دعوى قضائية أمام القضاء الأميركي، طلب فيها ملاحقة المسؤولين المصريين خلال فترة مذبحة اعتصام رابعة العدوية، بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق حازم الببلاوي، المقيم في الولايات المتحدة حالياً.
وسارعت منظمات حقوقية مصرية للضغط كذلك مستغلةً فيروس كورونا، خصوصاً أنّ الإجراءات الاحترازية للحد من الجائحة حول العالم دفعت إلى تخفيف التزاحم في أماكن التكدس، بما فيها السجون ومقار الاحتجاز، بينما توسعت السلطات المصرية في المقابل في حملات القبض العشوائي على المواطنين خلال الفترة الماضية، لتزيد من تكدس السجون المكتظة أساساً بالمحتجزين، باعتراف المنظمات الدولية.

ولا تزال السلطات المصرية تجدّد حبس المئات من المقبوض عليهم في أحداث 20 سبتمبر/أيلول الماضي، سواء الذين خرجوا في تظاهرات محدودة على مستوى الجمهورية، أو حتى أولئك الذين ألقي القبض عليهم عشوائياً من الشوارع أو من منازلهم، وضُموا إلى القضيتين 880 و960 لسنة 2020، واللتين تجاوز عدد المعتقلين فيهما الـ2000 معتقل.
أوضاع المعتقلين
ولم تراعِ مصر أيضاً أوضاع المعتقلين في السجون، حتى اضطر المعتقلون في سجن استقبال طرة إلى إعلان إضرابهم عن الطعام (من خلال رفض استلام التعيين وهو طعام السجن) منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجاً على الانتهاكات الممنهجة بحقهم، ومنها الاعتداء عليهم بالضرب، ورفض علاج أكثر من حالة مرضية عاجلة، وتجريدهم من متعلقاتهم داخل الزنازين.
ورصدت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، في تقرير حديث لها، عدداً من الانتهاكات بحق المعتقلين السياسيين، في ظلّ تفاقم أزمة فيروس كورونا في مصر، موضحةً أنّ العديد من الدول اتخذت الكثير من التدابير المختلفة في مواجهة هذا الفيروس، ومنها الإغلاق الكامل، وحظر التجول، والحظر الجزئي، والإفراج عن المحبوسين خوفاً من تفشي الوباء، وصعوبة السيطرة عليه. لكن الوضع في مصر اختلف كثيراً، فمنذ الوهلة الأولى لتفشي الجائحة عالمياً، وبدلاً من الإفراج عن سجناء الرأي، والموقوفين لمخالفات قانونية طفيفة، توسعت السلطات في ممارسات التضييق على السجناء عامة، وسجناء الرأي بشكل خاص، عبر حرمان أسرهم من الزيارات، وتجديد الحبس في كثير من الأحيان من دون حضور المتهمين، أو سماع دفاعهم، أو السماح بحضور محاميهم، بل ومن دون إحضارهم من سجونهم إلى مقر المحاكم من الأساس بالمخالفة للقانون. ويأتي ذلك على الرغم من تصاعُد المطالبات من داخل مصر عن طريق النشطاء السياسيين والمحامين والمهتمين بالشأن العام، بضرورة الإفراج الفوري عن المحبوسين على ذمة قضايا الرأي، خوفاً من تفشي وباء كورونا بينهم.

النظام المصري قد يسمح بهامش من "المعارضة الشكلية" في مجلس النواب المقبل

وناقشت "الشبكة العربية" في تقريرها أوجه تقصير الحكومة في ملف جائحة كورونا، وكيف استخدمته لخدمة القمع، ضمن ورقة قانونية بعنوان "جائحة كورونا في خدمة القمع". واستشهدت الشبكة باتخاذ السلطات المصرية قراراً بوقف جلسات المحاكم، ووقف زيارات السجون للأهالي والمحامين كمحاولة للسيطرة على الوباء، في حين توسعت في عمليات توقيف المواطنين بتوقيت متزامن.
وقالت الشبكة: "العجيب أن وباء كورونا لم يكن رادعاً أبداً لأجهزة الأمن المصرية، خصوصاً جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، والذي لم يتوقف أو يتوانَ يوماً واحداً في القبض على المواطنين، وإخفائهم، وترهيبهم، وبينهم نشطاء سياسيون ومحامون". وأضافت: "وصل الأمر بالجهاز إلى إلقاء القبض على الأطباء الذين يشتكون أو يناقشون إجراءات الدولة المصرية في التعامل مع وباء كورونا".
وتابعت: "أصبح من يتحدث أو يناقش إجراءات الدولة أو النظام المصري في التعامل مع هذه الجائحة في مرمى نيران الأمن الوطني، والأمثلة كثيرة عن من تم القبض عليهم، والتنكيل بهم، بسبب ما نشروه عن تعامل الدولة مع وباء كورونا".
كما لفتت الورقة القانونية إلى قرار الحكومة بـ"تجديد الحبس من دون سماع أقوال المتهمين ومحاميهم، وأحياناً رغم وجود المتهمين داخل مبنى المحكمة". وأوضحت الشبكة أنّ "جميع من قبض عليهم بعد انتشار وباء كورونا لم يمثلوا أمام جهة التحقيق سوى مرة واحدة، أثناء ظهورهم والتحقيق معهم في نيابة أمن الدولة، وجميع جلسات نظر أمر حبسهم أمام النيابة بعد ذلك كانت مجرد تجديدات ورقية من دون وجود المتهم، أو السماح لمحاميه بتقديم أوجه دفاعه عنه. بل في كثير من الأحيان يكون المتهم موجوداً في الزنزانة التابعة للنيابة، ويُجدد حبسه ورقياً من دون مثوله أمام المحقق، أو مقابلة محاميه، وذلك بالمخالفة للمادتين 142 و143 من قانون الإجراءات الجنائية المصري". كما استعرضت الورقة انتهاك "عدم نقل المتهمين للمحاكم والحرمان من الزيارات، رغم الفتح العام لمؤسسات الدولة بعد الغلق الجزئي جراء الوباء".

المساهمون