حادثة قناة السويس تحيي 3 إشكاليات

حادثة قناة السويس تحيي 3 إشكاليات

25 مارس 2021
تعطلت حركة الملاحة في قناة السويس لأكثر من 36 ساعة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

تعيد حادثة جنوح السفينة "إيڤر غيڤن"، وهي حاملة حاويات عملاقة ومدارة بواسطة شركة الشحن التايوانية "إيڤر غرين"، والتي أدت إلى تعطيل حركة الملاحة في قناة السويس، منذ صباح أول من أمس الثلاثاء، فتح ثلاثة ملفات مرتبطة بالسياسات العامة للنظام المصري والخسائر الضخمة التي يمكن أن تترتب على استمرار تلك السياسات، وعدم استجابة النظام لنداءات الإصلاح.

التزمت السلطات الصمت بشأن الحادث لأكثر من 24 ساعة

فمع التسليم بما ورد في بيان هيئة قناة السويس التابعة للحكومة المصرية، الصادر صباح أمس الأربعاء عن ظروف الحادثة، والذي جاء فيه أنه "وقع صباح الثلاثاء، ويعود بشكل أساسي إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية، نظراً لوقوع البلاد بعاصفة ترابية بلغت معها سرعة الرياح 40 عقدة (نحو 75 كيلومتراً في الساعة)، مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها"، يظهر أن الهيئة برئاسة الفريق أسامة ربيع، القائد السابق للقوات البحرية المصرية، حافظت على صمت مطبق بشأن الحادثة لأكثر من أربع وعشرين ساعة. إذ كانت قد بدأت الهيئة خلال ذلك الوقت بالفعل محاولات قطر السفينة وتخفيف حمولتها، لكنها لم تقدم على إعلام العالم بما حدث، تاركة المجال لمتابعي شؤون النقل البحري والبحارة والعاملين بشركات النقل والسفن، لنشر الصور والمعلومات عن الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ مساء الثلاثاء.

وتسبب صمت هيئة القناة أيضاً في التأخر اللافت لوسائل الإعلام العالمية والعربية في التعاطي مع الحدث، إذ امتنع مسؤولو الهيئة عن الرد على جميع اتصالات وسائل الإعلام ومراسلي الوكالات العالمية في مصر، حتى فجر أمس الأربعاء، عندما قال أحد المسؤولين بمقر الهيئة الرئيسي في محافظة الإسماعيلية، للصحافيين المصريين إنّ "النشر غير مسموح حتى الآن، وسنصدر بياناً في وقت لاحق".
ويتبيّن أولاً فشل النظام في التعامل الإعلامي مع مثل هذه الأزمات الكبرى، سواء كانت ترتبط فقط بالداخل المصري أم تخصّ قضايا عالمية، كسوق التجارة والنقل العالمي، الذي تمثّل فيه قناة السويس شرياناً رئيسياً، لا سيما أن الحدث تسبب في تعطيل مئات السفن العابرة وانعكس على أسعار البترول العالمية. ويتكرر بشكل دائم الصمت الرسمي المصري في القضايا الإشكالية، التي تتصوّر أجهزة النظام أنها ستسيء للدولة، خصوصاً في وقائع الاعتقال والتعذيب ووفاة المواطنين في الأقسام أو خلال المواجهات مع الشرطة. وارتباطاً بذلك، تكرر الصمت الإعلامي المصري على حدث وقع على الأراضي المصرية وكانت له تأثيراته الدولية، نظراً لصدور تعليمات سابقة من المخابرات العامة بعدم نشر أي أخبار سلبية عن قناة السويس والبنوك وغيرها من المؤسسات الاقتصادية المصرية. واضطرت الصحف والقنوات المصرية لانتظار البيان الرسمي وتصريحات رئيس الهيئة لقناة "إكسترا نيوز" المملوكة للمخابرات، ظهر أمس.

وعلى الرغم من أن العامين الأخيرين شهدا تعاملاً مغايراً من السلطات المصرية مع الهجوم السياسي والانتقادات الإعلامية والحقوقية، بالتباهي بالإصرار على السياسات محل الانتقاد من دون تكبد عناء تبريرها، وتجاهل المؤاخذات حتى من العواصم الكبرى، إلا أنه في حادثة كالتي وقعت في قناة السويس، تتبع مصر منهجاً منغلقاً قديماً نابعاً من تصورات تآمرية. بل وتعطي، بالصمت الممنهج، مساحة لتداول الشائعات المتناقضة، وتراشق الاتهامات، بلغت حد تشكيك بعض الحسابات الموالية للسلطة في طبيعة الحادثة والزعم بأنها "مؤامرة على مصر".
الملف الثاني الذي فتحته الحادثة هو مدى كفاءة إدارة هيئة مرفقية دولية مهمة كقناة السويس، ومدى قدرتها على مواجهة مثل هذه الأزمات الوارد تكرارها، خاصة مع وجود عدد من الحقائق التي لم يكن يجوز تجاهلها في ظرف الحادثة تحديداً. فقبل ساعات من دخول السفينة الآتية من الصين للقناة، كانت هيئة الأرصاد المصرية قد حذرت من سوء الأحوال الجوية وانعدام الرؤية نظراً للعاصفة الترابية التي تضرب مصر منذ مساء الإثنين الماضي، إلا أنّ هيئة القناة لم تتخذ أي قرار بهذا الشأن، مما تسبب، وفقاً للبيان الصادر عنها، في تعطل الكهرباء وجنوح السفينة.

تحقيق حول ما إذا كانت السفينة تحمل وزناً أكبر من طاقتها

كما أن الهيئة لم تتخذ أي احتياطات خاصة لعبور السفينة العملاقة، التي تعتبر من أكبر عشر حاملات حاويات في العالم من حيث الحجم بطول 400 متر وعرض 60 متراً، ومن حيث الحمولة بقدرتها على استيعاب 220 طناً، علماً بسابقة تسببها في أزمة مشابهة في ميناء هامبورغ شمال ألمانيا عام 2019.
ووفقاً لمصدر بمجلس الوزراء تحدث لـ"العربي الجديد"، أمس، بعد بيان الهيئة، فإنّ الأخيرة ستجري تحقيقاً حول ما إذا كانت السفينة قد دخلت القناة وهي تحمل وزناً أكبر من طاقتها من عدمه، إذ تشير المعلومات إلى أنّ حمولة السفينة تبلغ أكثر من 224 طناً، أي بزيادة 4 أطنان تقريباً عن أقصى استيعاب مسجل لها.
أما الملف الثالث المتعلق بالحدث، فيتمثل في مدى الكفاءة الشخصية لرئيس هيئة القناة أسامة ربيع (65 عاماً)، والذي عينه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيساً لهيئة القناة في أغسطس/آب 2019، خلفاً للفريق مهاب مميش. وشغل ربيع منصب نائب رئيس هيئة القناة 3 سنوات، بعد قضائه عاماً واحداً كقائد للقوات البحرية المصرية، لكن تعيينه جاء ليكرس انتماء رئيس الهيئة للقوات البحرية والخلفية العسكرية، على الرغم من مطالبات شرائح واسعة من العاملين بالهيئة بتغيير هذا التوجه، والعودة للاعتماد على أشخاص لديهم خبرة أكبر في التعامل مع النقل البحري المدني ومشاكله، كما كان الوضع حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وقال مصدر مجلس الوزراء، إنّ السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي يتابعان الحدث باهتمام بالغ، لكن الوقت مازال مبكراً للحديث عن اتخاذ قرارات بشأن ما حدث، وبشكل عام "سيتم انتظار نتيجة التحقيق الفني، خاصة بشأن الحمولة والقرارات التي كان يمكن للمرشدين اتخاذها".
ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء عصر أمس، نبأ بدء تعويم السفينة الجانحة، فيما ركزت هيئة القناة في إفاداتها الإعلامية على سير العمل بشكل طبيعي للسفن الآتية من البحر المتوسط، والتي تكدست طوال يومين تقريباً في البحيرات بالإسماعيلية في انتظار تحريك حاملة الحاويات "إيڤر غيڤن". وتعطلت السفينة بسبب اصطدامها بقاع القناة مما تسبب في جنوحها أفقياً، لتسدّ مجرى القناة بالكامل.

المساهمون