جونسون يعلن نيّته البقاء في منصبه متجاهلاً الاحتجاجات والاستقالات

بوريس جونسون يعلن نيّته البقاء في منصبه متجاهلاً الاحتجاجات والاستقالات

06 يوليو 2022
احتفظ جونسون بابتسامته لساعة كاملة واجه خلالها أسئلة معارضيه ومؤيّديه (Getty)
+ الخط -

استقالتان أساسيتان و16 استقالة أخرى من الحكومة البريطانية لم تكن كافية لتنحي رئيس الوزراء بوريس جونسون، إذ أكّد، خلال جلسة المساءلة في مجلس العموم، اليوم الأربعاء، نيّته البقاء في منصبه رغم كل البلبلة التي شهدتها أروقة البرلمان والحكومة و"حزب المحافظين" منذ مساء أمس.

واحتفظ جونسون بابتسامته لساعة كاملة واجه خلالها أسئلة معارضيه ومؤيّديه أيضاً، وكان لافتاً أن يستغلّ ثلاثة نوّاب عن "حزب المحافظين" دورهم في السؤال ليطالبوا جونسون بالتنحّي، بينما أدلى وزير الصحة المستقيل ساجد جافيد بخطاب استقالته التي قدّمها أمس خلال جلسة اليوم. 

واقتبس جافيد الجملة الشهيرة التي يطلقها المعارضون من "حزب العمّال": "لقد طفح الكيل". وتغيّبت وزيرة الداخلية بريتي باتيل عن جلسة المساءلة اليوم، وهي المحسوبة على الدائرة المقرّبة جداً من جونسون، والتي لم تعلن حتى هذه اللحظة عن تأييدها المطلق له بعد "التمرّد" العلني الذي بدأ مساء البارحة. 

بدورها، سارعت وزيرة الخارجية ليز تروس لإعلان تأييدها المطلق لجونسون بعد لحظات من استقالة وزيري المالية ريشي سوناك والصحة ساجد جافيد. 

ومن المتوقع أن تعقد لجنة 1922 في "حزب المحافظين"، جلسة طارئة بعد ساعات قليلة في سعي لتغيير قواعد الحزب وإجراء تصويت ثان على الثقة قبل عطلة البرلمان الصيفية المقرّرة في 15 يوليو/تموز.

من جهته، أعلن "داونينغ ستريت" أن جونسون سيواجه أي تصويت آخر على حجب الثقة، وأنه يحظى بحسب اعتقاده بدعم أغلبية نوّابه رغم كل شيء.  

وقبل أسبوع فقط، كان يتحدث جونسون عن بقائه في منصبه لعقد آخر، ما تسبّب في استفزاز "محافظين" كثر كانوا حتى تلك اللحظة من أشدّ المؤيدين له، إلا أنه وجد نفسه البارحة على حافة الانهيار بعد أن أعلن اثنان من دائرته القريبة تمرّدهما بشكل علني، معلنين استقالتهما من حكومة فقدت "المصداقية والنزاهة". 

وتوالت الأحداث بسرعة كبيرة بين الاستقالات والتمرّدات ورسائل حجب الثقة والمساعي العلنية لعزل الزعيم "الشعبوي" في أقرب لحظة ممكنة، هذا إضافة إلى الكثير من التصريحات المهينة التي تصف جونسون بما وصفته به الصحافة خلال الأشهر الماضية، وبما وصفه به الشارع البريطاني في استطلاعات الرأي: "كاذب، منافق، فاسد، مغامر، يفتقر للنزاهة والشفافية"، وأوصاف أخرى.

 سياسياً، فقد جونسون كل فرص النجاة، وإن لم  يتنحّ بإرادته فسيتعين على المجلس التنفيذي في لجنة 1922 إرغامه على تلك الخطوة عبر تصويت حجب الثقة، لكن عملياً، جونسون ما يزال يتمسّك بمنصبه، مخترعاً "مؤيدين" وهميين ولم يعد عددهم كافيا ولا تأثيرهم مهمّا لإبقائه على رأس حزبه وحكومته.  

من جهة أخرى، تتضّح اليوم أكثر من أي وقت مضى حقيقة أن جونسون اختار حكومته بناء على الولاء المطلق والراسخ، وليس على الكفاءة، فحتى اللحظة لم تشجّع استقالتا سوناك وجافيد وزراء مهمين آخرين على الاستقالة كوزراء الدفاع والخارجية والداخلية، ونائب رئيس الوزراء. 

وقد يحمل صمت هؤلاء الوزراء عن الاستقالة الكثير من المعاني، على رأسها إدانة غير مقصودة وغير واعية لسياسات جونسون الذي أغرق الحزب والحكومة إلى حدّ بات معه الانسحاب في اللحظات الأخيرة غير مجدِ وغير فاعل بالنسبة لمستقبلهم السياسي، وأيضاً يشي بقاء البعض وعدم إقدامهم على الاستقالة أو التصريحات المعارضة العلنية بإدراكهم افتقارهم للحدّ الأدنى من الشعبية، وبالتالي، لن يكون لهم أي مستقبل خارج حدود الحكومة الحالية.

ويبدو وزير الدفاع بن والاس وحده المرشّح الأقوى لخلافة جونسون، خاصة بعد الغزو الروسي على أوكرانيا والدعم غير المسبوق الذي قدّمته بريطانيا في مواجهة اجتياح فلاديمير بوتين. 

وبما أن بوريس جونسون قاتل بشراسة في سبيل منصبه، فإنه يبدو أنه لن يتخلّى عنه بالبساطة التي يفترضها منطق السياسة التقليدية، ولن يزيحه التمرّد ولا الاستقالات ولا الأوصاف المهينة، حتى ولا تصويت حجب الثقة.

وسيبقى واهماً بأنه الأفضل والأكثر شعبية من غيره وهو الذي لا يشبه أي رئيس حكومة بريطانية آخر. لكنه، في المقابل، لم يعمل طوال الأشهر الماضية على ترسيخ عوامل مؤثرة تسعفه على البقاء في منصبه، إذ راكَمَ مجموعة من الأخطاء في زمن قصير، وقبل أن تنقضي ولايته الأولى حتى.

ويبقى أن الديمقراطية هي من جاءت به إلى الزعامة، وستكون وحدها القادرة على نزعه منها. وهذه القاعدة الوحيدة التي لن يتمكن من خرقها مهما حاول.