جونسون إلى بلفاست.. هل يفتح النار على بروتوكول أيرلندا الشمالية؟

جونسون إلى بلفاست.. هل يفتح النار على بروتوكول أيرلندا الشمالية؟

16 مايو 2022
مخاوف بشأن اندلاع حرب تجارية(Getty)
+ الخط -

ليست الرحلة المدرجة على جدول أعمال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، اليوم الإثنين، إلى أيرلندا الشمالية اعتيادية، كما أنها لن تكون سلسة على الإطلاق في مرحلة يشهد فيها الكثير من التوترات، لا سيما أنها تأتي على وقع الفوز الانتخابي "الاستثنائي" الذي حقّقه حزب "شين فين" الأيرلندي القومي، للمرة الأولى منذ 100 عام، تقابله الخسارة "الفادحة" التي ألمّت بالحزب "الوحدوي الديمقراطي" الموالي للندن.

ونقلت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا)، عن رئيس الوزراء، الذي يعتزم السفر إلى بلفاست اليوم الإثنين، لإجراء محادثات طارئة مع الأحزاب في أيرلندا الشمالية، قوله إن الحكومة ما زالت منفتحة على إجراء "حوار حقيقي" مع بروكسل.

ولكنه قال في ظل انتشار مخاوف بشأن اندلاع حرب تجارية تلوح في الأفق، إنه إذا لم يكن هناك تحرك من جانب الاتحاد الأوروبي، فإن الحكومة ستحدد "خطواتها التالية" في بيان ستقوم بعرضه على البرلمان "خلال الأيام المقبلة".

ويأتي تحذير جونسون في ظل انتشار تقارير تفيد بأنه من الممكن أن يطرح مجلس الوزراء تشريعاً طارئاً هذا الأسبوع، لإلغاء البروتوكول الذي يتطلب القيام بعمليات تفتيش جمركي على البضائع التي يتم نقلها من بريطانيا العظمى إلى أيرلندا الشمالية.

وفي الشأن، أشار مدير "معهد بريكست" في جامعة دبلن، البروفيسور فيديريكو فابريني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذا البروتوكول يحظى بدعم شعبي كبير".

 وأوضح أنه "يجب ألا ننسى الفوز الذي حقّقه حزب شين فين قبل عشرة أيام في الانتخابات التشريعية المحلية لأيرلندا الشمالية، على حساب الحزب الوحدوي الديمقراطي. هذا مؤشر على الدعم الذي يحظى به البروتوكول".

وحذر في الوقت ذاته من أن تكون لاستمرار تلاعب الحكومة البريطانية بأجزاء من البروتوكول "عواقب خطيرة على علاقتها بالاتحاد الأوروبي".

وتداولت وسائل الإعلام البريطانية ووسائل إعلام أوروبية أخرى، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أنباء تتحدث عن "نيّة" المملكة المتحدة بتجاوز أجزاء من البروتوكول من طرف واحد، الأمر الذي حذّرت بروكسل من خطورته سابقاً، وأبدى البيت الأبيض معارضته له. 

وتتزامن زيارة جونسون اليوم مع زيارة وفد من كبار أعضاء الكونغرس الأميركي إلى كل من لندن وبلفاست وبروكسل ودبلن لإجراء محادثات حول البروتوكول وتسليط الضوء على الدعم الأميركي لاتفاقية الجمعة العظيمة (أو اتفاق بلفاست، وهو اتفاق تم التوقيع عليه سنة 1998 بين بريطانيا وجمهورية أيرلندا وأحزاب أيرلندا الشمالية لتقاسم السلطة)، التي تعد الولايات المتحدة ضامناً لها.

أسبوع حاسم لمستقبل أيرلندا الشمالية

ومن المتوقع أيضاً أن يكون هذا الأسبوع حاسماً بالنسبة إلى مستقبل أيرلندا الشمالية، حتى وإن اعتمد جونسون خلال زيارته إلى بلفاست "نبرة تصالحية"، مشدّداً على ضرورة الإصلاح في سعي إلى تضييق الخلافات وإقناع "الوحدويّين" بالعدول عن قرارهم عدم تشارك السلطة، الذي اتخذوه قبل يومين.

وكان الحزب "الوحدوي الديمقراطي"، المؤيد لبريطانيا، قد أعاق عملية تشكيل حكومة بعد حلقة نقاش في البرلمان، احتجاجاً على بروتوكول التجارة الخاص بأيرلندا الشمالية بعد "بريكست".

في المقابل، عبّر حزب "شين فين" مسبقاً، على لسان زعيمته ميشيل أونيل، عن معارضته لتحرّك المملكة المتحدة بشأن البروتوكول. وأكّدت أونيل أنها ستخبر جونسون خلال لقائهما اليوم بـ"أن العمل الأحادي يعمّق البلبلة السياسية وعدم اليقين الاقتصادي ويجب ألا يحدث على الإطلاق". 

وبحسب البروفيسور فابريني، فإنه "من الصعب جداً التكهّن بمستقبل زيارة جونسون إلى أيرلندا الشمالية، اليوم، وما ستسفر عنه، لكنني أعتقد أن الوضع لا يزال متقلباً للغاية".

وذكر فابريني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أيرلندا الشمالية صوتّت ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، أي منذ ما يقارب الست سنوات، ولعب الحزب الوحدوي الديمقراطي دوراً رئيسياً في دعم حكومة المحافظين".

ولفت إلى أن "حكومة جونسون تفاوضت على البروتوكول الذي صمّم وضعاً شديد الخصوصية لأيرلندا الشمالية".

يُذكر أن الكثير من قوانين بلفاست تتبع الاتحاد الأوروبي خاصة في مجال السوق الداخلية، ما جعلها في مأزق دستوري في علاقتها بين الطرفين، البريطاني والأوروبي، ما خلق، بحسب فابريني، "توتراً سياسياً كبيراً على المستوى المحلي". 

كتابة أجزاء من الاتفاقية "من جانب واحد"

ويتوقع أن يجتمع الوزراء البريطانيون في أقرب وقت للمصادقة على مشروع قانون يتيح للمملكة المتحدة إعادة كتابة أجزاء من الاتفاقية "من جانب واحد"، وهو ما اعتبره مسؤولون أوروبيون "خرقاً" للقانون الدولي. 

وتنفيذ القانون، إذا تمّ تشريعه، سيستغرق أشهراً طويلة يأمل جونسون في استغلالها ربما لتعزيز الاتصالات الدبلوماسية لإقناع الاتحاد الأوروبي بالخوض مجدّداً في صياغة البروتوكول الموقع وقت خروجها من الاتحاد الأوروبي.

 ويبدو أن الاتحاد الأوروبي الذي يرفض حتى هذه اللحظة الحديث عن أي احتمال للخوض مجدداً في صياغة البروتوكول، ليس في موقع مواجهة فقط مع رئيس الوزراء، بل أيضاً مع وزيرة الخارجية ليز تراس، التي تبدو "أكثر تشدّداً" من جونسون في ما يخصّ العلاقة الجديدة والمتعثّرة مع الاتحّاد الأوروبي، حتى ولو رجّح مقرّبون منها أن ذلك "التشدّد" يتعلق بالحفاظ على السلام واستعادة الاستقرار السياسي في أيرلندا الشمالية وليس بخوض معركة مع الاتحاد الأوروبي. 

وتتلخّص منغّصات الحكومة البريطانية مع البروتوكول في الترتيبات المتعلّقة بالإمدادات الطبية وإمكانية تطبيق التخفيضات في ضريبة القيمة المضافة للتخفيف من كلفة المعيشة في أيرلندا الشمالية، بما يضمن "حماية المستهلك والمواطن والشركات في أيرلندا الشمالية"، بحسب جونسون.

ويعتبر جونسون أن "البروتوكول تم وضعه قبل توقيع اتفاقية التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي"، وهو ما قيّد قدرات الحكومة على مساعدة أيرلندا الشمالية في التعامل مع الأزمات. إلا أن مسألة لوائح سلامة المنتجات الغذائية "SPS"، تبقى موضوعاً شائكاً بالنسبة إلى الجانب الأوروبي الذي يعتمد قواعد صارمة في استقبال تلك المنتجات وفي المعايير المعتمدة لدخولها أراضيه.

ومن خلال وضع الشيكات على البضائع القادمة من بريطانيا العظمى عبر البحر الأيرلندي، كان من المفترض أن يكون البروتوكول ضماناً عملياً لعلاقة تجارية مستقبلية سلسة بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 

لكن الحزب "الوحدوي الديمقراطي" وحلفاءه يقولون إنه بغض النظر عن توقيع الحكومة البريطانية على تلك الشيكات، فإنها تمنع التجارة مع بقية أنحاء المملكة المتحدة. 

مصادر دبلوماسية أوروبية كثيرة عبّرت عن مخاوفها من صعوبة التكهّن بما تريده الحكومة البريطانية حقاً، بشأن البروتوكول وشكل العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.

المملكة المتحدة تواجه وضعاً جديداً

وعن هذه النقطة تحديداً، يشرح فابريني قائلاً "المملكة المتحدة قبلت البروتوكول عام 2019 كشرط لإنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كان هذا الشعار الانتخابي لجونسون. وبالتالي تقبّلت فكرة أن تخضع أيرلندا الشمالية لترتيبات مختلفة عن تلك التي كانت متّبعة قبل بريكست".

ولفت إلى أن "المملكة المتحدة تواجه اليوم وضعاً جديداً على الساحة الدولية حيث يشكّل التعاون مع الاتحاد الأوروبي عنصراً أقوى بكثير من محاربته".

لذلك يتعيّن على حكومة جونسون، بحسب فابريني، أن تفكّر بالعواقب الخطيرة التي سيؤدّي إليها تعديل أجزاء من البروتوكول، إذ "سيكون من الصعب بعض الشيء على المملكة المتحدة أن تنتقد روسيا بسبب خرقها القانون الدولي، إذا ما انتهكت هي أيضاً القانون الدولي عبر البروتوكول". 

يبقى أننا لا نعرف بعد ما إذا كانت الأيام المقبلة ستجيب عن السؤال حول مدى استعداد جونسون لخوض "حرب تجارية" مع الاتحاد الأوروبي في هذه اللحظة تحديداً حيث تتفاقم أزمة كلفة المعيشة وارتفاع أسعار الوقود والمواد الأساسية وقيمة الضرائب. وهل سيخاطر جونسون بعلاقة المملكة المتحدة مع المعسكر الغربي في وقت تتوحّد فيه الدول الأوروبية في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا؟

المساهمون