جولة ماركو روبيو في أميركا الوسطى: لا صوت يعلو فوق عدوانية ترامب

01 فبراير 2025
جدارية كتب عليها "لا للاجتياح"في كولون في بنما، 29 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- جولة ماركو روبيو في أمريكا الوسطى: بدأ وزير الخارجية الأمريكي جولته بزيارة بنما لتعزيز السيطرة على قناة بنما وسط مخاوف من النفوذ الصيني، ضمن سياسة "أميركا أولاً" لحماية المصالح الأمريكية.

- التوترات مع الصين وكولومبيا: تثير زيارة روبيو مخاوف من استخدام الصين لقناة بنما كوسيلة ضغط، بينما توترت العلاقات مع كولومبيا بسبب تهديدات ترامب بفرض عقوبات اقتصادية.

- السياسات الإقليمية وتأثيرها: تسعى إدارة ترامب لتعزيز العلاقات مع الحكومات المحافظة لدعم سياساتها ضد الهجرة، بينما تواجه هذه الدول تحديات في الحفاظ على توازن علاقاتها مع الولايات المتحدة.

عندما يبدأ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اليوم السبت جولة على عدد من الدول في أميركا الوسطى، في أول رحلة خارجية له بصفته وزيرا للخارجية في عهد دونالد ترامب، سيجد أن في استقباله مسؤولين يشعرون بالخطر الشديد من نهج إدارة ترامب، القائم على الهيمنة، واستخدام العقوبات لتنفيذ السياسات التي يريد الرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض تطبيقها على قاعدة أن لا مصلحة تعلو على مصلحة أميركا، وفق منظوره الذي لخّصه بشعار "أميركا أولاً" بتشعباته السياسية والتجارية والاقتصادية وحتى العسكرية.

ومن الواضح أن اختيار ماركو روبيو بدء جولته من بنما، التي يريد ترامب إجبارها على التنازل عن قناتها الاستراتيجية بزعم سيطرة الصين عليها، يهدف، وبغض النظر عما ستحمله المباحثات مع مسؤوليها، إلى إيصال رسالة بشأن جدية كل الشعارات والنيّات التي يتحدث ترامب، فيما ستركز باقي جولة روبيو، التي ستشمل السلفادور وغواتيمالا وكوستاريكا وجمهورية الدومينيكان، على وقف الهجرة غير النظامية واستعادة مواطني هذه الدول من أميركا، وذلك بعد الضربة التي تلقتها كولومبيا، التي تراجعت عن عدم استقبال مهاجرين غير نظاميين بعد فرض ترامب لفترة وجيزة عقوبات وتعريفات ساحقة عليها.

وتقضي التقاليد عادة بأن يقصد أي وزير خارجية أميركي يعين حديثاً في أول رحلة له إلى الخارج دولاً حليفة كبرى ليؤكد متانة العلاقة معها، غير أن ماركو روبيو لن يلتزم بهذا التقليد، إذ سيبدأ من اليوم السبت جولة على خمس دول صغيرة من أميركا الوسطى، للدفع بشكل نشط بشعار ترامب "أميركا أولاً". واختيار هذه المنطقة ليس من قبيل الصدفة، فمنذ توليه منصبه، أطلق ترامب برنامجاً واسعاً لطرد المهاجرين الذين دخلوا الولايات المتحدة بشكل غير نظامي. وهذه البلدان تشكل مع هندوراس مصدراً كبيراً للمهاجرين إلى أميركا.

ماركو روبيو في بنما

واختار ماركو روبيو أول وزير خارجية أميركي يتحدر من أميركا اللاتينية ويتحدث الإسبانية بطلاقة، التوجه أولاً إلى بنما التي توعد ترامب بـ"استعادة" السيطرة على قناتها للتصدي للنفوذ الصيني. وكان ترامب انتقد الرسوم التي تدفعها شركات الشحن الأميركية لاستخدام القناة، لكن يبدو أنه يركز على إدارة شركة صينية لمرفأ هناك. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، في تصريح للصحافيين الخميس الماضي، إن الرحلة ستكون جزئياً لمواجهة الصين في المنطقة. واكتسبت الصين في السنوات الأخيرة نفوذاً اقتصادياً ودبلوماسياً في أميركا الوسطى، حيث توقفت دول من بينها بنما في السنوات الأخيرة عن الاعتراف بتايوان تماشياً مع وجهة نظر بكين بأنها أراضٍ صينية. وقبل ساعات من زيارته بنما، ردد روبيو بعض مخاوف ترامب بشأن النفوذ الصيني على الممر المائي الاستراتيجي.

زعم روبيو أن الصين لديها خطة طوارئ لإغلاق قناة بنما في حالة نشوب صراع مع أميركا

وقال ماركو روبيو وفي مقابلة مع إذاعة "سيريوس إكس إم" بُثت مساء أول من أمس الخميس، إنه "ليس لديه أدنى شك" في أن الصين لديها خطة طوارئ لإغلاق قناة بنما في حالة نشوب صراع مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن واشنطن تنوي معالجة ما تراه تهديداً للأمن القومي. وأشار إلى شركة مقرها هونغ كونغ تدير ميناءين عند مدخلي القناة على المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ باعتبار ذلك بمثابة خطر على الولايات المتحدة لأنها "يجب أن تفعل أي شيء تطلبه منها الحكومة (الصينية). وإذا طلبت منها الحكومة في الصين خلال أي صراع إغلاق قناة بنما، فسوف يتعين عليها فعل ذلك. وفي الواقع، ليس لدي أدنى شك في أن لديهم خطة طوارئ للقيام بذلك. وهذا تهديد مباشر لأمن الولايات المتحدة". وكان ترامب اتهم، في خطاب تنصيبه، بنما بخرق الوعود التي قدمتها خلال النقل النهائي للقناة في 1999 والتنازل عن تشغيلها للصين، وهي ادعاءات نفتها الحكومة البنمية بشدة. وتعهد ترامب، في ذلك الوقت، بأن تستعيد الولايات المتحدة القناة، لكنه لم يذكر متى أو كيف.

في المقابل، نفت الحكومة البنمية بشدة التنازل عن تشغيل الممر المائي الاستراتيجي للصين، مصرة على أنها تدير القناة بشكل عادل لجميع السفن. ورفض رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو، أول من أمس الخميس، مناقشة السيطرة على القناة مع روبيو. وقال: "لا أستطيع التفاوض، ناهيك عن فتح عملية تفاوض بشأن القناة. هذا أمر محتوم. القناة تابعة لبنما".

"دبلوماسية العصا" الأميركية

ورأى خبراء أن أسلوب ترامب يذكر في نواح كثيرة بـ"دبلوماسية العصا" السارية في أوائل القرن العشرين، عندما كانت الولايات المتحدة تستخدم التهديد بالقوة للحصول على ما تريد، بما في ذلك أثناء بناء قناة بنما. وقال الخبير في الشؤون الصينية في مؤسسة كارنيغي إسحاق كاردون، لوكالة رويترز، إنه يعتقد أن هناك مجالاً للاتفاق بين البلدين. وأضاف: "أتخيل أن روبيو سيكون أكثر دقة، وأعتقد أنه سيكون هناك القليل من الشرطي الجيد والشرطي السيئ في الدبلوماسية الجارية". من جهته، قال ليلاند لازاروس من جامعة فلوريدا الدولية، لوكالة فرانس برس، إن "تصريحات ترامب التي يبدي فيها عزمه على استعادة القناة تبعث أشباح الماضي، أشباح الإمبريالية الأميركية". وأوضح أن مولينو، الذي سيطرت بلاده على القناة في 1999، سارع إلى تأكيد عزمه "حماية سيادة بلاده"، لكنه لفت في الوقت نفسه إلى أن بنما تتحرك بعيداً عن الأضواء بشأن الصين، إذ طلبت إجراء تدقيق حول شركة "هاتشيسون هولدينغز"، وهي الشركة المتمركزة في هونغ كونغ والتي تدير المرفأين عند طرفي القناة.

"سي أن أن": تهديد ترامب بالانتقام من كولومبيا اقتصادياً أرعب دول المنطقة

وبعد بنما، سيزور ماركو روبيو السلفادور وغواتيمالا وكوستاريكا وجمهورية الدومينيكان، وهي دول تلقت إنذارات مبطنة بشأن قضية الهجرة غير النظامية بعد الأزمة التي وقعت مع كولومبيا الأحد الماضي. وكان ترامب هدد كولومبيا بشن حرب تجارية عليها، بعدما رد الرئيس غوستافو بيترو طائرتين عسكريتين أميركيتين تنقلان مهاجرين كولومبيين رحّلتهم الولايات المتحدة، بالرغم من التزامات خطية قطعها بحسب واشنطن. ثم تراجع الرئيس الأميركي عن تهديده بفرض رسوم جمركية بعد تغيير بيترو موقفه، في ختام التصعيد غير المسبوق بين البلدين، غير أن القيود على تأشيرات الدخول لأميركا تبقى سارية.

وأوضحت شبكة "سي أن أن"، الخميس الماضي، أنه بالنسبة لكولومبيا البلد الذي تلقى مليارات الدولارات من المساعدات من الولايات المتحدة لمكافحة تهريب المخدرات والجماعات المتشددة على مر السنين فإن تحدي واشنطن علناً كان من شأنه أن يرسل إشارة قوية لدول أخرى، ويعقّد جهود إدارة ترامب لإجبارها على الموافقة على حملتها لقبول عمليات الترحيل، التي لا تحظى بشعبية كبيرة في المنطقة. وخلصت إلى أن تهديد واشنطن بالانتقام الاقتصادي وإلغاء خدمات التأشيرات للكولومبيين أرعب دول المنطقة التي رأت بوضوح أكبر بعد الأحد الماضي، كيف يستطيع ترامب أذيتها اقتصادياً. وقال روبيو، في المقابلة مع إذاعة "سيريوس إكس إم"، إن "علاقاتنا الدبلوماسية مع الدول الأخرى، لا سيما في نصف الكرة الغربي، ستعطي الأولوية لتأمين حدود أميركا، ووقف الهجرة غير النظامية والمزعزعة للاستقرار، والتفاوض على إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى أوطانهم".

وتوقعت مورين ماير من "مكتب واشنطن حول أميركا اللاتينية"، وهي منظمة أميركية تعمل على دعم حقوق الإنسان في المنطقة، في تصريح لوكالة فرانس برس، أن تتخوف دول أميركا الوسطى من أن تصبح العلاقة مع الولايات المتحدة باتجاه واحد، لكنها لفتت إلى أن هذه الدول عازمة على أن تتفادى بأي ثمن التعرض لرسوم جمركية، وهو السلاح المطلق بيد ترامب. وقالت إن "كلاً من هذه الدول لديها مصلحة خاصة في أن تقيم علاقة جيدة مع إدارة ترامب". واعتبر السفير الأميركي السابق في كولومبيا كيفن ويتاكر، في تصريح لوكالة رويترز، أن فرض ترامب الفوري للتعريفات الجمركية وكذلك استخدامه العقوبات وتقييد تأشيرات الدخول ضد كولومبيا، الحليف القديم للولايات المتحدة، يظهر لدول المنطقة مدى جديته في التعامل مع قضية الهجرة. وأضاف ويتاكر، الذي يعمل حالياً في مركز أبحاث المجلس الأطلسي في واشنطن، إن "الرسالة أظهرت مدى استعداد إدارة ترامب لاستخدام هذه الأدوات" لتطبيق سياسته.

وعد ترامب بإجراء عمليات ترحيل جماعية سيعتمد في نهاية المطاف على استعداد الدول لاستعادة مواطنيها

وأشارت صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير في 15 يناير الماضي، إلى أن وعد ترامب بإجراء عمليات ترحيل جماعية سيعتمد في نهاية المطاف على استعداد الدول لاستعادة مواطنيها، موضحة أن دول أميركا الوسطى شركاء في وقف تدفقات المهاجرين أثناء رحلاتهم إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. وذكرت أن المكسيك على وجه الخصوص هي المفتاح للحد من حركة المهاجرين إلى الحدود الأميركية، لكن دولا أخرى، مثل بنما، تلعب دوراً كبيراً. وقال خبراء لوكالة رويترز إن ماركو روبيو قد يستخدم رحلته لدفع ما يسمى باتفاقيات "الدولة الثالثة"، والتي تقبل فيها الدول مواطني دول أخرى ترحلهم الولايات المتحدة، فضلاً عن تمهيد الطريق لمزيد من الرحلات الجوية التي تعيد المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم. وتتمتع كوبا وفنزويلا بعلاقات فاترة مع الولايات المتحدة وقد حدتا من عدد المرحلين الذين سيتم قبولهم، لذلك من المرجح أن يحتاج ترامب للعثور على دول أخرى لاستقبالهم، ربما بما في ذلك بعض الدول في خط سير رحلة روبيو. وقال المحلل بشأن أميركا اللاتينية في مجلس العلاقات الخارجية ويل فريمان إن "هذه هي الأماكن التي يعتقد ترامب على الأرجح أنه يمكنه الضغط عليها لأخذ هؤلاء المرحلين من دول أخرى".

كما أنه من المتوقع أن يغتنم ماركو روبيو وهو ابن مهاجرين كوبيين ومعارض بشدة للحكومة في كوبا، جولته للدفاع عن الحكومات المحافظة في الدول التي سيزورها، وهذا ما ينطبق بصورة خاصة على السلفادور، حيث يلقى الرئيس نجيب بوكيلي الثناء للحرب الضارية التي يشنها على مهربي المخدرات والجريمة المنظمة، رغم انتقادات المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان. وكان نجل الرئيس الأميركي دونالد ترامب جونيور حضر العام الماضي تنصيب بوكيلي لولاية ثانية. وفي جمهورية الدومينيكان، يعتمد الرئيس لويس أبي نادر سياسة لا تختلف كثيراً عن نهج ترامب، واعداً بطرد الهايتيين المقيمين بصورة غير نظامية وبناء جدار على حدود بلاده مع أفقر دول القارة. أما في غواتيمالا، فمن المتوقع أن تكون هذه المحطة من جولة روبيو مختلفة. وكان الرئيس برناردو أريفالو أثار مفاجأة في العام 2023 بفوزه في الانتخابات بناء على برنامج لمكافحة الفساد بعد معركة سياسية وقضائية طويلة مع النخب المحافظة في البلد، لكنه سارع إلى التعاون مع ترامب، فاستقبل المهاجرين المبعدين من الولايات المتحدة. وفي السياق، قال مورين ماير من "مكتب واشنطن حول أميركا اللاتينية" إن "أريفالو يسعى للحصول على دعم إدارة ترامب لأنه على يقين أن حكومته نفسها واجهت تهديداً من قوى داخلية غالباً ما ارتبطت بعلاقات وثيقة مع أعضاء في الحزب الجمهوري" الأميركي.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون