استمع إلى الملخص
- في كمبوديا، شدد شي على أهمية تعزيز الثقة السياسية والتعاون الإقليمي لتحقيق الاستقرار، مشيرًا إلى أن آسيا تقف عند نقطة تحول جديدة للتجديد الشامل، في ظل تعليق ترامب لفرض رسوم جمركية على دول مثل فيتنام.
- تهدف الجولة إلى تعزيز الوحدة الآسيوية لمواجهة التهديدات الأمريكية، مع التركيز على تحسين التفاعلات البحرية والتعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية.
يختتم الرئيس الصيني شي جين بينغ، اليوم الجمعة، جولة آسيوية بدأها الاثنين الماضي وتشمل كلاً من فيتنام وماليزيا وكمبوديا. وتأتي جولة شي التي تشمل الدول الثلاث الواقعة في جنوب شرق آسيا، في لحظة محورية، إذ لا تزال المنطقة والمجتمع الدولي يواجهان تداعيات حرب الرسوم الجمركية التي شنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
جولة شي تبدأ بفيتنام
تشمل جولة شي الآسيوية فيتنام وماليزيا وكمبوديا
وكان شي شدّد، من هانوي، في أول محطة من جولته في جنوب شرق آسيا، على أن الصين وفيتنام بحاجة إلى العمل معاً لمكافحة التنمر أحادي الجانب. وأضاف خلال اجتماعه، الاثنين، مع الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، تو لام، أن على الجارتين أن تتكاتفا لحماية التجارة الحرّة العالمية والحفاظ على استقرار سلاسل التوريد. وتابع أن "القوارب الصغيرة المعزولة لا تصمد أمام الأمواج العاتية. فقط بالعمل معاً على متن قارب واحد يمكننا الإبحار بثبات وثبات".
وأضاف شي خلال لقائه رئيس الوزراء الفيتنامي، فام مينه تشينه، أن الصين وفيتنام يجب أن تعزّزا التعاون الاستراتيجي والاتصالات وتعارضا بشكل مشترك الهيمنة والأحادية والحمائية، لافتاً إلى أنه يتعين على الجانبين دعم النظام التجاري متعدد الأطراف بقوة وتعزيز تطوير العولمة الاقتصادية بشكل مشترك في اتجاه أكثر انفتاحاً وشمولاً وإنصافا وتوازناً.
توقف في ماليزيا
وأعرب الرئيس الصيني، الثلاثاء الماضي، عن تطلعه إلى اغتنام زيارة الدولة التي يقوم بها إلى ماليزيا، فرصة للمضي قدماً في تعميق الصداقة التقليدية وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين. وجاء كلام شي، وفق وكالة الأنباء الصينية شينخوا، لدى وصوله إلى مطار كوالالمبور الدولي، حيث دعا الصين وماليزيا، في بيان مكتوب، إلى تعزيز التعاون في مساعي التحديث، وتعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بين حضارتي البلدين، والارتقاء المستمر بعملية بناء مجتمع مصير مشترك بين الصين وماليزيا إلى آفاق جديدة، وفق الوكالة.
وكان شي قد اختتم، أمس الخميس، زيارته الأولى إلى ماليزيا منذ أكثر من عقد من الزمن بسلسلة من تعهدات التجارة والاستثمار، بما في ذلك دعم مبيعات الطائرات صينية الصنع والتعاون في أشباه الموصلات، إذ تسعى بكين إلى أن تكون شريكاً أكثر موثوقية في جنوب شرق آسيا وسط تصاعد الحرب التجارية مع واشنطن. وخلال توقفه في كوالالمبور، وهي أول زيارة له منذ عام 2013، شهد شي على توقيع العشرات من الاتفاقيات مع ماليزيا، بما في ذلك صفقات بشأن التعاون في مجال السكك الحديدية والطيران في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، فضلاً عن الشراكات في مجال التكنولوجيا والطاقة. وفي بيان مشترك، قالت الصين وماليزيا إنهما ستواصلان العمل معاً ضمن الأطر الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، و"ترفضان التدابير التقييدية التجارية أحادية الجانب بما في ذلك الزيادات التعسفية في التعرفات الجمركية التي تتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية".
وفي محطته الأخيرة، كمبوديا، قال شي، في خطاب مكتوب ألقاه في المطار أمس الخميس، إن "الصين تعتبر كمبوديا اتجاهاً رئيسياً لدبلوماسية الجوار"، وأن بلاده تتطلع إلى تعزيز الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الاستراتيجي مع كمبوديا للمساهمة في الاستقرار الإقليمي والعالمي. وأضاف: "في حين يشهد العالم قرناً من التغيّر السريع، تقف آسيا عند نقطة بداية جديدة لتحقيق التجديد الشامل"، مشدداً على أن الصين ستواصل سياستها المتمثلة في تعزيز التعاون مع الدول المجاورة.
وتتزامن جولة شي مع تعليق ترامب لمدة 90 يوماً فرض رسوم جمركية باهظة على دول مثل فيتنام، كان أعلن عن فرضها في الثاني من إبريل/نيسان الحالي، في حين لا تظهر الحرب التجارية الضارية بين بكين وواشنطن أي علامة على التراجع. علماً أن ترامب فرض رسوماً جمركية على الصين بما يصل بمجمله إلى 145%. ورداً على ضغوط من واشنطن، قالت هانوي في وقت سابق، إنها سوف تشدد الضوابط على بعض تجارتها مع الصين، أكبر شريك تجاري لفيتنام، وأحد أكبر مستثمريها الأجانب. وتُعتبر فيتنام حلقة وصل مهمة في سلسلة التوريد الدولية لكونها تمثل طريقاً رئيسياً للصادرات الصينية المتجهة إلى الولايات المتحدة.
ومعلقاً على جولة شي الآسيوية، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل أيام، إن جهود الصين لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع فيتنام ربما تكون جزءاً من خطة لخداع الولايات المتحدة، وأضاف: "لا ألوم الصين، لا ألوم فيتنام، لا ألومها. أرى أنهما تجتمعان. هل هذا رائع؟ إنه اجتماع رائع. كأننا نحاول فهم كيف نخدع الولايات المتحدة؟". وجاءت تصريحات الرئيس الأميركي للصحافيين في المكتب البيضاوي، مدعياً أن سلفه جو بايدن خسر تريليونات الدولارات من التجارة مع الصين. من جهتها، قالت وسائل إعلام صينية إن جولة شي تهدف إلى استقرار العلاقات بين الدول المجاورة وسط الاضطرابات التي تسببت فيها إدارة ترامب.
تُعتبر فيتنام حلقة وصل مهمة في سلسلة التوريد الدولية
حشد دول الجوار ضد التعرفات
وحول جولة شي والرسائل التي تحملها، رأى أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الصين تريد من خلال هذه الزيارة وفي هذا التوقيت على وجه التحديد، تأكيد التزامها لجيرانها بالعمل على مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية المتصاعدة، وذلك من خلال اتخاذ تدابير عملية تفضي إلى تعميق العلاقات، بما في ذلك إجراء المزيد من الاستشارات على المستوى القيادي، إلى جانب مناقشة الملفات الخلافية المتعلقة بالنزاع في بحر الصين الجنوبي، باعتبارها العقبة الرئيسية والثغرة التي تعمل عليها واشنطن من أجل تأزيم العلاقات بين دول الجوار وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
لين تشين: تريد الصين إنشاء جبهة آسيوية موحدة، تقف في وجه التهديدات الأميركية
وأضاف لين تشين أن بكين ترغب من جهة، في توسيع العلاقات الاقتصادية وتعزيز التنسيق مع دول المنطقة عبر المنصات متعددة الأطراف، ومن جهة أخرى، فإنها تعمل على تحسين التفاعلات البحرية الإيجابية، ولديها رؤية في هذا الإطار تتمحور حول ضرورة التعامل بشكل صحيح مع القضايا البحرية، لقطع الطريق أمام الإدارة الأميركية. ويتمثل ذلك، وفق رأيه، في دعوتها إلى تسريع العمل من أجل الانتهاء المبكر مما يعرف بـ"مدونة قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي".
ولفت تشين إلى أن العديد من دول الجوار، لديها مطالبات واسعة النطاق في المياه الغنية بالموارد والتي تخضع بطبيعة الحال إلى عدد من الادعاءات المتنافسة والمتداخلة بشأن السيادة، بما في ذلك الفيليبين وماليزيا وبروناي، وقد أدّت الخلافات في بحر الصين الجنوبي إلى صدامات دامية خلال العام الماضي بين مانيلا وبكين، لذلك فإن الصين لا ترغب في تكرار هذا المشهد، وفق اعتباره، وتريد خلق حالة من الاستقرار والاتزان في المنطقة، وإنشاء جبهة آسيوية موحدة، تقف في وجه التهديدات الأميركية.
من جهته، شدّد الباحث المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن الجوار أولوية في الدبلوماسية الصينية، وهناك رغبة مشتركة بين دول المنطقة في تذليل العقبات في ظل التحديات الراهنة، مشيراً إلى أن بكين تسعى من خلال جولة شي إلى تعزيز الوحدة والتعاون بما يخدم مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك من لديهم مشاكل معها، مثل الفيليبين واليابان وكوريا الجنوبية.
وأضاف جينغ وي، أنه في المقابل، فإن دول جنوب شرق آسيا مستعدة لزيادة التنسيق والتعاون مع الصين ودعم التعددية، والحفاظ على قواعد التجارة الدولية، خصوصاً بعد التعرفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب. أما الدول التي لديها نزاعات بحرية، فهي ترغب أيضاً، وفق رأيه، في التعامل بشكل صحيح وإدارة الخلافات مع بكين بما يحافظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
ولفت الباحث في هذا الصدد إلى اتفاق الصين واليابان وكوريا الجنوبية في أواخر مارس/آذار الماضي، على مواصلة التعاون الاقتصادي والتجاري الثلاثي. وذكّر بأنه في شهر مايو/أيار المقبل، ستستضيف ماليزيا، بصفتها رئيسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في إطار سعي هذه الكتل الإقليمية لتعزيز تعاونها الاقتصادي، وقد دُعيت الصين إلى القمة بصفة ضيف، وفق توضيحه. واعتبر أن هذه التطورات تُسلّط الضوء على النفوذ العالمي المتنامي للصين ودورها المحوري المتزايد في صياغة استجابة دولية منسقة لحرب ترامب التجارية، مشيراً إلى أن تطوير العلاقات مع بكين هو المطلب الموضوعي والاختيار الاستراتيجي والأولوية الأولى لدول جنوب شرق آسيا.