جنود إسرائيليون يكشفون بروتوكولاً ممنهجاً لاستخدام فلسطينيين دروعاً بشرية في غزة والضفة
استمع إلى الملخص
- أوضح جنود إسرائيليون سابقون أن تعليمات استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية جاءت من رتب عليا، وسميت "بروتوكول البعوض"، بهدف تسريع العمليات العسكرية رغم المخاطر الكبيرة على المدنيين.
- نددت حماس ومنظمات حقوقية بهذه الممارسات واعتبرتها جريمة حرب، داعية المجتمع الدولي للتدخل، وأكدت الأونروا تعرض موظفيها لسوء المعاملة.
أوردت وكالة أسوشييتد برس شهادات صادمة عن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيين دروعاً بشرية خلال الحرب المستمرة على غزة. وتحدثت الوكالة مع سبعة فلسطينيين وصفوا استخدامهم دروعاً بشرية في غزة والضفة الغربية المحتلة، ومع عنصرين من الجيش الإسرائيلي قالا إنهما شاركا في هذه الممارسة المحظورة بموجب القانون الدولي. وتدقّ جماعات حقوق الإنسان ناقوس الخطر، قائلةً إنّها أصبحت إجراءً روتينياً يُستخدم على نحوٍ متزايد في الحرب.
وتقول منظمات حقوقية إنّ إسرائيل استخدمت الفلسطينيين دروعاً بشرية في غزة والضفة الغربية لعقود. وقد حظرت المحكمة العليا هذه الممارسة عام 2005، لكن المنظمات الحقوقية استمرت في توثيق انتهاكات كهذه. وأكد أيمن أبو حمدان، البالغ من العمر 36 عاماً للوكالة، أنه أُجبر، وهو يرتدي ملابس عسكرية وكاميرا على رأسه، على دخول منازل في غزة لتفتيشها والتأكد من خلوّها من العبوات الناسفة أو المسلّحين، وأضاف: "كانوا يضربونني ويقولون لي: لا خيار أمامك، افعل هذا أو سنقتلك"، وأكد أنه تنقل بين وحدات إسرائيلية عدّة لمدة 17 يوماً، قضاها في تنفيذ مهام تفتيش خطرة بينما الجنود يقفون خلفه ثم يتبعونه.
ولفت جندي وضابط سابقان، رفضا الكشف عن هويتهما، إلى أن تعليمات استخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية جاءت من رتب عليا. وذكروا أنه كان يُشار إلى هذه الممارسة باسم "بروتوكول البعوض"، فيما يُشار إلى الفلسطينيين باسم "الدبابير" وغيرها من المصطلحات اللاإنسانية. وذكر الجندي والضابط، اللذان لا يخدمان في غزة الآن أن "هذه الممارسة سرّعت العمليات، ووفرت الذخيرة، وجنّبت الكلاب القتالية الإصابة أو الموت".
وأفاد أحد الضباط بأنه في نهاية خدمته التي استمرت تسعة أشهر في غزة، كانت جميع وحدات المشاة تقريباً تستخدم الفلسطينيين بهذه الطريقة، كما ذكر حادثةً قُتل فيها أحد المدنيين الفلسطينيين بطريق الخطأ بسبب عدم التنسيق بين وحدتين استخدمتا نفس الأسلوب. وأوضح الضابط أنه بحلول نهاية الأشهر التسعة التي قضاها في غزة، كانت كل وحدة مشاة تستخدم فلسطينياً لتطهير المنازل قبل الدخول.
وقال الشاب البالغ من العمر 26 عاماً: "بمجرد أن بدأت هذه الفكرة، انتشرت كالنار في الهشيم. ورأى الناس مدى فعاليتها وسهولة تطبيقها"، ووصف اجتماعاً تخطيطياً لعام 2024، إذ قدّم قائد لواء لقائد الفرقة عرضاً تقديمياً بعنوان "اصطد بعوضة"، واقترح عليهم "اصطياد واحدة من الشوارع"، وكتب الضابط تقريرين عن الحادث إلى قائد اللواء، يُفصّلان استخدام الدروع البشرية، وكان من الممكن رفعهما إلى قائد الفرقة، على حد قوله.
ووثّق أحد التقارير مقتل فلسطيني عن طريق الخطأ، على حدّ قوله، مشيراً إلى أن قوات إسرائيلية لم تُدرك أن وحدة أخرى كانت تستخدمه درعاً بشرياً، فأطلقت النار عليه أثناء ركضه إلى منزل. وأوصى الضابط بارتداء الفلسطينيين ملابس الجيش لتجنّب أي خطأ في تحديد هويتهم، وقال إنه يعرف فلسطينياً آخر على الأقل قُتل أثناء استخدامه درعاً، إذ فقد وعيه في نفق.
وصرح جنديٌ لوكالة أسوشييتد برس أن وحدته حاولت رفض استخدام الدروع البشرية في منتصف عام 2024، لكن قيل لهم إنه لا خيار أمامهم، إذ قال ضابطٌ رفيع المستوى إنه لا ينبغي عليهم القلق بشأن القانون الإنساني الدولي. وقال الرقيب، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، إن القوات استخدمت فتى يبلغ من العمر 16 عاماً وآخر يبلغ من العمر 30 عاماً لبضعة أيام.
من جانبه، قال مسعود أبو سعيد، وهو فلسطيني آخر، إنه استُخدم درعاً بشرياً لمدة أسبوعين في خان يونس، وأُجبر على البحث عن أنفاق وحفر مشبوهة، رغم توسلاته للجنود بأنه أب لأطفال ويريد العودة إليهم. وقال الرجل البالغ من العمر 36 عامًا إنه أُجبر على دخول منازل ومستشفى لحفر أنفاق يُشتبه بأنها متفجرات وتطهير المناطق. وأضاف أنه كان يرتدي سترة الإسعافات الأولية لسهولة التعرف عليه، ويحمل هاتفًا ومطرقة وقواطع سلاسل. ولفت أبو سعيد أنه خلال إحدى العمليات، اصطدم بأخيه، الذي استخدمته وحدة أخرى درعاً بشرياً، مشيراً إلى أنه عانق أخيه حينها. وأضاف "ظننتُ أن جيش إسرائيل قد أعدمه".
وامتدت هذه الممارسات إلى الضفة الغربية أيضاً، إذ قالت الفلسطينية هزار استيتي، من مخيّم جنين، إن جنوداً أُجبروها على تصوير شقق سكنية وتفتيشها قبل اقتحامهم لها، رغم توسلاتها للعودة إلى طفلها الصغير.
في المقابل، قالت السلطات العسكرية الإسرائيلية للوكالة إنها تحظر استخدام المدنيين في العمليات العسكرية وتحقق في بعض الحالات، لكنها لم تقدم تفاصيل أو تعليقات إضافية حول مدى انتشار هذه الممارسة أو ما إذا كانت بأوامر مباشرة من قيادات الجيش.
وندّدت منظمات مثل "كسر الصمت"، التي توثق انتهاكات الجنود الإسرائيليين، بما وصفته بـ"فشل منهجي وانهيار أخلاقي مروع"، وقال نداف وايمان، المدير التنفيذي لمنظمة "كسر الصمت" – وهي مجموعة من الجنود الإسرائيليين السابقين الذين يوثقون شهادات من داخل الجيش، إن "هذه الشهادات ليست حوادث فردية، بل تكشف عن خلل منهجي وانهيار أخلاقي مروّع". وأضاف: "صحيح أن إسرائيل تدين حماس لاستخدامها المدنيين دروعاً بشرية، لكن جنودنا أنفسهم يروون كيف يمارسون الأسلوب ذاته".
حماس: جريمة حرب موصوفة
من جهتها، قالت حركة حماس إن "استخدام جيش الاحتلال الفلسطينيين دروعاً بشرية باعتراف جنوده جريمة حرب تكشف الانهيار الأخلاقي للعدو"، وأضافت في بيان، اليوم السبت، أن تحقيق أسوشييتد برس "وما تضمّنه من شهادات صادمة حول إجبار فلسطينيين على دخول المباني وتفتيش الأنفاق، والتمركز أمام الجنود وآلياتهم خلال العمليات العسكرية، لا يمثّل حوادث فردية، بل يكشف عن سياسة منهجية مدروسة، تعكس الانهيار الأخلاقي والمؤسسي في صفوف هذا الجيش الإرهابي".
وأضافت الحركة أن التحقيق يؤكد أن "جيش الاحتلال يمارس أبشع صور الاستغلال الإجرامي للأسرى والمدنيين، وهو ما يشكّل جريمة حرب موصوفة يحظرها القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، وكل المواثيق الدولية"، ودعت حماس المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومؤسساتها كافة "إلى التحرّك لوقف هذه الانتهاكات المستمرة، ومحاسبة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة الدولية، ومغادرة حالة الصمت والعجز التي تشكل غطاءً للاحتلال للاستمرار في جرائمه".
وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أعلنت نهاية الشهر الماضي أن أكثر من 50 من موظفيها تعرضوا لسوء المعاملة، واستخدموا دروعاً بشرية إبّان اعتقالهم من جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني عبر حسابه على منصة إكس: "منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، جرى احتجاز أكثر من 50 موظفاً من الأونروا، بينهم معلمون وأطباء وعاملون اجتماعيون، وتعرضوا لسوء المعاملة"، وأضاف لازاريني: "لقد عوملوا بطرق هي الأشد ترويعاً وأبعد ما تكون عن المعاملة الإنسانية، وأفادوا بأنهم تعرضوا للضرب واستخدموا دروعاً بشرية".
وكان تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية كشف في وقت سابق أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم مدنيين فلسطينيين دروعاً بشرية عند تمشيط الأنفاق والمباني في قطاع غزة، وأضافت الصحيفة أن استخدام المدنيين الفلسطينيين دروعاً بشرية بغزة يجري بمعرفة رئاسة هيئة الأركان وضباط كبار بالجيش الإسرائيلي. وعبر سلسلة شهادات من جنود وقادة بجيش الاحتلال الإسرائيلي، كشفت الصحيفة أن عناصره يقومون بنقل فلسطينيين من غزة غير مشتبه بكونهم "مسلحين" إلى وحدات مختلفة تابعة له؛ إذ يقومون باحتجازهم كمعتقلين، ثم يرسلونهم لمرافقة القوات عند تفتيش الأنفاق والمنازل بالقطاع.