جمهورية المرور بقوة

جمهورية المرور بقوة

20 يونيو 2022
يرأس بلعيد اللجنة المكلفة إعداد دستور جديد لتونس (Getty)
+ الخط -

يدخل القضاة التونسيون أسبوعهم الثالث من الإضراب، ويصعّدون في احتجاجاتهم بتنظيم يوم غضب ودخول عدد منهم في إضراب عن الطعام. وأمس الأحد، خرج التونسيون في تظاهرة لـ"جبهة الخلاص الوطني" وسط العاصمة تونس، وفي اليوم نفسه خرجت أحزاب الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء في نابل، شمال شرقيّ البلاد. وقبلها بيوم، السبت، خرج أنصار الحزب الدستوري الحر في مسيرة وصلت أمام مقر الحكومة في القصبة، وسط تونس، يضاف إليها الإضراب الذي خاضه الاتحاد العام التونسي للشغل، الخميس.

وتشكل كل هذه الأحزاب والمنظمات تقريباً كل المشهد السياسي في تونس، إذا أضفنا إليها الغالبية العظمى من الجمعيات والمنظمات التي تعارض حكم الرئيس قيس سعيّد وانفراده بتحديد مستقبل التونسيين وحده مع بعض أصدقائه القلائل من الجامعيين وأحزاب لا تعكس شيئاً من المشهد ولا شعبية لها، باستثناء حركة الشعب، وأخرى لا يعرف عنها أغلب التونسيين شيئاً ولا حتى الصحافيون الذين يكتشفون باستغراب بعض الشخصيات التي جاءت من العدم. وعلى الرغم من ذلك، فهي تشارك في لجنة تحديد الجمهورية الجديدة التي يعد بها سعيّد التونسيين.

ويفترض أن تقدّم هذه اللجنة التي لم تجتمع إلا مرات محدودة، دستورها المنتظر، اليوم الاثنين، إلى سعيّد، وسط استغراب من هذه السرعة في وضع دستور كامل للبلاد في بضعة أيام، وذهول المتابعين من طريقة عملها وما يرشح ويتسرب منها على لسان رئيسها، الصادق بلعيد، رجل الـ83 عاماً، الذي أقصى الجميع وجلس على أعلى التلة يسطّر حياة التونسيين على هواه، ويتصور أنه سينجح في فرض رؤاه عليهم، وهو يتجول من تلفزيون إلى آخر، ويروي بكثير من الاعتداد بالنفس، ما يراه صالحاً لشعب أنجز ثورة، بأبوية خارجة عن السياق لم يطلبها منه أحد.

ويعتقد بلعيد وأصدقاؤه، بمن فيهم سعيّد، أن بإمكانهم فرض أحلامهم على التونسيين، ويظنون أن المرور بقوة يمكن أن يحل المشكل، وأن الناس في نهاية الأمر ستسكت وستتقبل الأمر الواقع رغماً عنها. وهؤلاء كأنهم لا يرون حجم هذه المعارضة، ولا يسمعون أصوات الشوارع الصاخبة الرافضة التي يستحيل أن تعود إلى ما كان قبل الثورة، وأن تقبل التنازل عن حريتها، ولا يرون أيضاً حجم المعارضة في الخارج، الولايات المتحدة وأوروبا كلها والأمم المتحدة والمنظمات الدولية من دون استثناء، ولا يرون حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي سترحل بالجميع كالطوفان. فهل سيتحدى سعيّد وأصدقاؤه كل هؤلاء؟ وهل سيبنون جمهوريتهم الجديدة رغم أنف التونسيين؟

لو كانت نيّات إصلاح الأخطاء فعلاً صادقة، لاجتمع الناس حول الفكرة، لكنّ جمهورية المرور بقوة لن تنجح، عاجلاً أو آجلاً.