جزر كوك أحدث عناوين الاستقطاب الصيني الغربي بالمحيط الهادئ

20 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 04:15 (توقيت القدس)
براون في دبي، 2 ديسمبر 2023 (دومينيكا زارزيكا/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- زيارة رئيس وزراء جزر كوك إلى الصين أثارت مخاوف من هيمنة بكين في المحيط الهادئ، مع تأكيد جزر كوك على استمرار علاقتها مع نيوزيلندا.
- جزر كوك تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي وعلاقات تاريخية مع نيوزيلندا منذ 1965، وتحافظ على علاقات حرة معها ضمن دول الكومنولث.
- الصين تعزز شراكاتها مع دول المحيط الهادئ، مما يثير قلق القوى الغربية، بينما تفضل الدول الجزرية التعاون مع الصين لعدم فرضها شروط مسبقة.

أثارت زيارة رئيس وزراء جزر كوك مارك براون إلى الصين، الأحد الماضي، مخاوف حلفاء الولايات المتحدة من هيمنة بكين على الدول الجزرية في منطقة المحيط الهادئ. وكانت نيوزيلندا قد أعربت عن مخاوفها بشأن تعميق التعاون بين جزر كوك والصين. وسارعت وسائل إعلام غربية إلى توجيه أصابع الاتهام إلى بكين محذرة من أن جزر كوك على وشك الوقوع تحت النفوذ الصيني. ورداً على ذلك، صرح براون بأنه لن يكون هناك ما يدعو للقلق، وأكد أن العلاقة مع الصين لا تحل محل العلاقة طويلة الأمد مع نيوزيلندا والشركاء الإقليميين. من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قوه جيا كون في إفادة صحافية، الاثنين الماضي، أن بكين تعتقد أن نيوزيلندا وجزر كوك شريكان مهمان في التعاون، وأن الصين مستعدة لتعزيز العلاقات وتنفيذ التعاون مع دول جزر المحيط الهادئ، بما في ذلك جزر كوك. ولم ينته السجال عند هذا الحد، فقد سلطت وسائل إعلام صينية، أول من أمس الثلاثاء، الضوء على طبيعة العلاقة التي تربط الصين بالدول الجزرية الواقعة في منطقة المحيط الهادئ، وقالت "إذا نظرنا إلى الرأي العام الغربي في السنوات الأخيرة، سنجد أنه كلما عززت الصين تعاونها مع أي دولة في جنوب المحيط الهادئ، كلما زادت الشكوك والمخاوف. ولكن هل كان حذرهم مبرراً؟". وأضافت أن حذر الغرب مدفوع إلى حد كبير باعتباراته الجيوسياسية الخاصة، وليس باهتمام حقيقي بتنمية دول جزر المحيط الهادئ.


لي تشونغ: الصين تمكنت من إحراز تقدم كبير في تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع الدول الإقليمية

اختيار شركاء التنمية

ولفتت إلى أن العقلية التنافسية الغربية قصيرة النظر وعدم اليقين السياسي ليسا بالضبط ما تريد دول جنوب المحيط الهادئ رؤيته. وأشارت إلى أن التحدي الأكثر إلحاحاً الذي يواجه هذه الدول ليس إلى أي جانب ينبغي لها أن تنحاز، بل كيف تحقق التنمية الاقتصادية، وتحسن سبل العيش، وتعالج تهديد تغير المناخ، وبالتالي يتعين على هذه الدول أن تختار شركاء التنمية الأكثر ملاءمة لاحتياجاتها، وينبغي لهذه الدول أن تقرر مستقبلها بنفسها، وليس من قِبَل قوى خارجية. وحسب بيان أصدرته بكين بشأن زيارة مارك بروان، فقد اطّلع وفد جزر كوك أثناء زيارته على الخبرات المتقدمة للصين في مجالات مثل الحد من الفقر، وأعرب عن رغبته في التعاون في البحوث والصناعات البحرية والطاقة المتجددة. كما تم الاتفاق على إنشاء إطار للتعاون في التجارة والاستثمار والبنية الأساسية والنقل وعلوم المحيطات، بما من شأنه أن يوفر فوائد ملموسة لجزر كوك.

تكمن أهمية جزر كوك في أنها من مجموعة الجزر المتناثرة جنوبي خط الاستواء، بين جزر ساموا الأميركية وبولينيزيا الفرنسية، فضلاً عن أنها في منتصف المسافة بين جزر هاواي الأميركية وكل من أستراليا ونيوزيلندا، أي أنها نقطة جغرافية بارزة في السيطرة على المحيط الهادئ، إذ إن عدد جزرها يبلغ 15 جزيرة، بينها جزيرتان كبيرتان. وتبلغ مساحة هذه الجزر 236.7 كيلومتراً مربعاً، وعدد سكانها نحو 15100 نسمة. وتمت تسميتها على اسم المستكشف جيمس كوك مكتشف نيوزيلندا والساحل الشرقي من أستراليا في عام 1773، وباتت جزر كوك منذ ذلك الحين تحت الحكم البريطاني، حتى تم نقل إدارة الحكم إلى نيوزيلندا في عام 1900.

وفي عام 1965 اختار السكان المقيمون الاتحاد الحر مع نيوزيلندا، مع صياغة دستور جديد في عام 1965، حين طبقت البلاد استقلالاً داخلياً كاملاً تمتعت بموجبه بكامل السلطات التشريعية والتنفيذية، ولكن في الوقت نفسه حافظت على علاقات حرة مع نيوزيلندا، وتلقت المساعدة من ويلينغتون في مسألة الدفاع وفي المحافل الدولية. وفي عام 1989، أرسلت حكومة نيوزيلندا رسالة إلى الأمم المتحدة ذكرت فيها أن جزر كوك تتمتع بالقدرة الدستورية الكاملة على التعامل بشكل مستقل مع علاقاتها الخارجية وتوقيع الاتفاقيات الدولية، وأعربت عن أملها في أن يعامل المجتمع الدولي جزر كوك معاملة دولة ذات سيادة. وجزر كوك جزء من مجموعة دول الكومنولث تحت التاج البريطاني.

في السياق، رأى الباحث في الشؤون الدولية لي تشونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن علاقة الصين بجيرانها، خصوصاً الدول الجزرية الصغيرة الواقعة في منطقة المحيط الهادئ، خاضعة لتفسيرات وتقييمات خاطئة، بسبب الفارق الكبير بين الصين باعتبارها قوة اقتصادية وعسكرية وهذه الدول التي بالكاد يعرفها البعض، نظراً لصغر حجمها الجغرافي ومحدودية تأثيرها السياسي. وانطلاقاً من ذلك تسوق القوى الغربية وحلفاء واشنطن في المنطقة أن الصين تستغل هذه الدول بما يخدم مصالحها الخاصة. ولفت لي تشونغ إلى أن الصين تمكنت خلال العقد الأخير من إحراز تقدم كبير في تعزيز علاقاتها وشراكاتها الاستراتيجية مع الدول الإقليمية، ووسعت نطاق التعاون في البنية التحتية والصناعة والزراعة ومصائد الأسماك، إلى جانب التعليم والرعاية الصحية والاستجابة لتغير المناخ، وأن هذه الشراكات ساهمت بشكل ملحوظ في رفع مستوى التنمية في هذه الدول، وحققت نتائج مرئية وملموسة.


كاي فنغ: الحديث عن شراكة استراتيجية مع الصين يعني بالضرورة تغطية قضايا عسكرية

وأضاف لي أن الغرب ينظر إلى مشاريع الصين وشراكاتها في المنطقة باعتباره تنافساً على النفوذ، دون أدنى اعتبار لاحتياجات الدول الأخرى، والأسباب التي تقف وراء سعيها لتعزيز التعاون مع قوة اقتصادية بحجم الصين. وأشار إلى أن النموذج الصيني أكثر جذباً نظراً لأنه لا يفرض اشتراطات مسبقة مثل الولايات المتحدة، ولا يمارس الترهيب بفرض العقوبات والتعرفات الجمركية. وقال إن استمرار هذه الدول بتعزيز علاقاتها مع الصين رغم التشكيك الغربي ومحاولات التأثير المستمرة، يؤكد أن دول جنوب المحيط الهادئ ليست مهتمة بالألعاب الجيوسياسية، وأن هدفها الوحيد هو معالجة احتياجات شعوبها التنموية.

تقارب الصين وجزر كوك

في المقابل، أوضح الخبير في الشؤون الآسيوية المقيم في هونغ كونغ كاي فنغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أي تقارب بين الصين وجزر كوك من شأنه أن يثير حفيظة نيوزيلندا، إذ تعتبر ويلينغتون أن جزر كوك دولة تتمتع بالحكم الذاتي وأن ارتباطها الحر معها هو المصلحة الوطنية الأساسية لنيوزيلندا، وأن الحديث عن شراكة استراتيجية مع الصين يعني بالضرورة تغطية قضايا تتعلق بالأمن والدفاع، وهي مسائل يتوجب على الجزيرة أن تتشاور مع نيوزيلندا بشأنها حسب اتفاقيات سابقة بين البلدين. وأضاف أن أي حراك صيني في هذه المنطقة التي تتداخل فيها السلطات بين قوى حليفة للولايات المتحدة وجزر صغيرة تتمتع بحكم ذاتي محدود، قد يدفع باتجاه تأجيج المنطقة وإثارة المزيد من الشكوك حول نوايا بكين وتطلعاتها الاستراتيجية.

من ناحيتها، لطالما شددت الصين على أنها دعمت باستمرار دول جنوب المحيط الهادئ في اتخاذ خيارات مستقلة على أساس مصالحها الخاصة، وأكدت أنها لا تنوي استبدال أي أحد، بل إنها تسعى إلى التعاون مع الدول الإقليمية لتعزيز التنمية المستدامة في جنوب المحيط الهادئ بشكل مشترك. ودعت القوى الغربية إلى التحرر من العقلية التنافسية، وبدلاً من ذلك التفكير في كيفية تقديم الدعم الهادف باعتبار أن التنمية هي الحاجة الأكثر إلحاحاً في جنوب المحيط الهادئ.