جزار "مرمرة".. من هو خيار نتنياهو لرئاسة "الشاباك"؟

31 مارس 2025   |  آخر تحديث: 02 أبريل 2025 - 09:34 (توقيت القدس)
رئيس الشاباك الجديد إيلي شارفيت، 26 يناير 2020 (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تم تعيين إيلي شارفيت رئيسًا لجهاز الشاباك خلفًا لرونين بار، في خطوة مفاجئة ومناقضة للتوقعات، وسط انتظار قرار المحكمة العليا بشأن إقالة بار.
- شارفيت، الذي وُلد في "سديه بوكير"، لديه خلفية عسكرية قوية في سلاح البحرية الإسرائيلي، حيث قاد عمليات بارزة مثل مهاجمة سفينة مرمرة، وانخرط في مجال الطاقة المتجددة بعد تقاعده.
- يواجه تعيين شارفيت انتقادات بسبب مشاركته في احتجاجات ضد "الانقلاب القضائي" وانتقاداته لسياسات ترامب، مع مخاوف من قلة خبرته في الشاباك.

مكتب نتنياهو يخالف التوقعات حول هوية رئيس الشاباك الجديد

ارتكب مجزرة سفينة مرمرة التركية وسبق أن شارك في احتجاجات

عصي اليمين تعترض دواليب شارفيت

أعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، صباح اليوم الاثنين، عن تعيين رئيس جديد لجهاز الأمن الداخلي العام "الشاباك"، في قرارٍ مناقض للتوقعات، كاشفاً عن هويّة الرجل الذي سيخلف رونين بار المُقال من منصبه بقرار الحكومة.

ولئن كان إيلي شارفيت أحد المُرشحين السبعة الذين استدعاهم نتنياهو لمقابلته لدى سماح المحكمة العليا للأخير بهذا الإجراء، دون أن تُلغي، كما طلبَ، الأمر الاحترازي الذي جمّدت بموجبه إقالة بار إلى حين النظر في 8 إبريل/نيسان المقبل في الاستئنافات المقدّمة ضده، إلا أنه لم يكن اسماً محظوظاً بين أربعة محتملين سلّط عليهم الإعلام العبري الضوء.

هكذا إذاً في حال لم تلغِ العليا قرار الحكومة إقالة بار بعد النظر في الالتماسات، يصبح شارفيت رئيساً لـ"الشاباك"، وبقراره هذا يكون نتنياهو قد أعاد سابقةً أُقرت عقب مقتل رئيس حكومة الاحتلال سابقاً، إسحاق رابين، عندما عُيّن في حينه عامي أيالون رئيساً للجهاز على الرغم من أنه لم يخدم فيه إطلاقاً، وفي حالة شارفيت خصوصاً، يُعود نتنياهو إلى هذا "التقليد"؛ فشارفيت ينتمي إلى سلاح البحرية الذي قاده مدّة خمس سنوات.

"الشاباك هو منظمة تتمتع بحقوق واسعة، وقد مر بهزة شديدة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما قال مكتب نتنياهو صباح اليوم، مضيفاً في بيان لم يأتِ فيه على ذكر بار، ولم يقدّر فيه خدماته الأمنية أن "رئيس الحكومة مقتنع بأن شارفيت هو الشخص المناسب لقيادة الشاباك على الطريق الذي يحفظ الإرث المجيد للمنظمة"، وهو إرث "عريق" من التحقيق مع الفلسطينيين والعرب تحت صنوف التعذيب التي يعجز المخيال الإنساني عن تصوّرها.

في الأسبوع المقبل تعقد "العليا" جلسة للنظر في إقالة بار من منصبه، قبل دخولها حيز التنفيذ في 10 إبريل/نيسان المقبل وفق القرار الحكومي، ولم يُعلق بار حتّى الساعة على تعيين شارفيت خلفاً له، وقد كانت توصيته أن يُعيَّن أحد نوّاب قادة "الشاباك"، وفقاً لما أورده موقع "واينت" اليوم، وهو عملياً ما خالفه نتنياهو.

من يكون شارفيت، رئيس الشاباك الجديد؟

مولودٌ في "سديه بوكير" في النقب، بادية فلسطين المحتلة. آخر العنقود في أشقائه، واليوم بينما يبلغ من العمر 58 عاماً هو والد لثلاثة أبناء، من "سديه بوكير" انتقلت عائلته إلى بئر السبع، حيث قضى سنوات طفولته. هو القائد السابق لسلاح البحرية الذي قال في مقابلة سابقة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن انضمامه إلى سلاح البحرية عموماً كان "محض مصادفة"، وعن تفاصيل هذه المُصادفة حكى أنه "ذات صباح وصل ظرف بريدي حمل عنوان 'متطوّع لدورة (قباطنة) البحرية'، فذهبت. لم أكن ذات يومٍ في الكشافة البحرية، وليس لدي ماضٍ في ذلك، هكذا انضممت عام 1985 إلى سلاح البحر، وتجندت لدورة القباطنة، التي استمرت عاماً ونصف العام".

قضى خدمته في منظومة السفن العسكرية، مازجاً مسيرته بين مناصب في هيئة الأركان وأخرى ميدانية. عام 2006، عُيّن نائباً لـ"شييطت 3" أحد الأساطيل للسفن الصاروخية الإسرائيلية، ثم عُين بعد ذلك قائداً لقاعدة سلاح البحر في حيفا، ثم نائباً لقائد سلاح البحر حتّى عُيّن عام 2016 قائداً للأخير، خلفاً لرام روتنبرغ. قاد شارفيت عدداً من الحروب والعمليات، بينها مهاجمة سلاح البحر لسفينة مرمرة التركية التي كانت متّجهة إلى غزة وعلى متنها نشطاء أجانب عام 2010. وخلال قيادته سلاح البحر، قاد شارفيت عمليات سريّة استهدفت الأسطول البحري الإيراني في إطار ما عُرف باستراتيجية "المعركة بين الحروب"، وخلال ولايته لم يكن لديه أي تعاملات مع جهاز الشاباك وفقاً لموقع "واينت"، وفي منصب واحد فحسب هو قيادة سلاح البحر، كان جنرالاً.

الجزّار البحري "المُحبّ للبيئة"

في عام 2021، أنهى شارفيت منصبه، وسُرّح من الجيش الإسرائيلي، ليتسلّم إدارة قسم الطاقة المتجددة في شركة تاديران، وبعد ذلك، عُيّن رئيساً لشركة متفرعة من "رافائيل" المتخصصة في إنتاج وتطوير المنظومات الدفاعية البحرية.

يبدو أن الحظ يُرافق شارفيت هذه الأيام، وهو حتّى كتابة هذه السطور يرأس مجلس إدارة شركة "كويديسول"، بموازاة كونه المدير التنفيذي لشركة "أليجري باور". وفي الأثناء كشفت صحيفة "كَلْكَليست" الاقتصادية، الليلة الماضية أن شركة "إنترنت جولد - جولد لاينز"، وهي شركة مدرجة في بورصة الأوراق المالية، قررت القيام باندماج استراتيجي مع شركة "أليغوري باور"، المتخصصة في إنشاء وإدارة مشاريع الطاقة الشمسية. وفي إطار الصفقة المذكورة ستستحوذ شركة "إنترنت جولد" على 100% من رأس مال شركة "أليجري" مقابل تخصيص أسهم، بحيث يمتلك مساهمو "أليجري" ما يقرب من 50% من الشركة المدمجة. وبحسب ما أوضحه موقع "أونلاين جولد"، فإن الصفقة ستستمر وفقاً للمخطط، على الرغم من تعيين شارفيت، رئيس مجلس إدارة شركتَي "كويديسول" و"أليجري"، رئيساً لـ"الشاباك"، وسابقاً اُعِدَّ شارفيت ليكون أحد المرشحين البارزين لتسلّم منصب المدير التنفيذي لـ"رافائيل"، لكنه كما قال في مقابلة مع "كَلْكَليست" رفض هذا العرض، ليُكرس نفسه في مجال الطاقات المتجددة في السوق الخاصة.

قائد المجزرة البحرية ضد ناشطي السلام الذين أتوا لفكّ الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2010، على متن أسطول "مافي مرمرة"، الذين استشهد وجرح عدد منهم على يد جيشه، لم يتورّع عن توجيه انتقادات حادة لسياسات المناخ التي ينتهجها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب؛ ففي مقال نشره في موقع الصحيفة الاقتصادية، كتب شارفيت: "سياسة ترامب، ليست خاطئة فحسب، بل هي خطيرة. فقُصر النظر الذي ينتهجه يبعث للعالم برسالة صادمة مفادها بأنه يتجاهل الوقائع العلمية، ورفاهية البشرية، والمسؤولية تجاه الأجيال القادمة".

عدا عن حظه في السوق الخاصة، كان شارفيت أحد المُرشحين لمنصب المدير العام لوزارة الأمن بدلاً من إيال زامير، الذي عُيّن قائداً لهيئة أركان جيش الاحتلال، خلفاً للمستقيل هرتسي هليفي، وقد رفض شارفيت هذا العرض أيضاً ليُعيّن أمير برعام الذي كان نائباً لهليفي، مديراً عاماً لوزارة الأمن.

مُحتجٌ ضدّ "الانقلاب القضائي" ومؤيّد لصفقة الغواصات

كونه قائداً لسلاح البحر سابقاً، عيّنه رئيسُ الأركان زامير، مؤخراً عضواً في الفريق العسكري الخاص لفحص تحقيقات الجيش حول إخفاق السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 (طوفان الأقصى)، برئاسة هذا الفريق عُيّن اللواء في الاحتياط، سامي ترجمان، وقادة عسكريين متقاعدين إضافيين.

أشهر قليلة عقب إنهاء منصبه، وخلال عدوان "حارس الأسوار" (سيف القدس) عام 2021، قال شاريفت إن "حماس أصبحت أقوى على نحوٍ ملحوظ، ولا لبس فيه"، مُقراً بأن "حزب الله أصبح قوياً جداً في ذلك الوقت أيضاً، وقال (كما فعل الجيش في عدوانه على لبنان) إن الخطة تقتضي بحرمان حزب الله من قدراته خلال بضعة أيام، بغية تشغيل ميناءي حيفا وأشدود"، على حد تعبيره.

شارفيت، الذي نادراً ما كانت له تصريحات علنية منذ سُرّح من منصبه، وبالتأكيد ليس بشأن القضايا التي تقع فيها المسؤولية على جهاز "الشاباك"، قال في مقابلة مع "كان" عام 2022 إنه "ثمة وهم"، موضحاً أنه لا يتفق مع الرأي القائل "إن بقاءنا في حالة الهدوء التي نتنجّب خلالها الاحتكاك، سيُحسن وضعنا ويرخي بالسلام داخل حدودنا"، وحسب ما تابع: "هناك كيان خطير للغاية هنا يهدف إلى إيذائنا من خلال تمركزه قرب حدودنا. وثمة فرق بين عدو على بُعد آلاف الكيلومترات، وإيران المتمركزة قرب حدودنا، وعلى إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها لتحول دون ذلك"، في إشارة إلى حزب الله.

الصورة
إيلي شارفيت بجانب رئيس الأركان الجديد إيال زامير 26 يناير 2020 (إكس)
إيلي شارفيت (يسار) بجانب رئيس الأركان الجديد إيال زامير، 26 يناير 2020 (إكس)

وعلى الرغم من أن نتنياهو هو من عيّنه في هذا المنصب، فقد شارك شارفيت وفقاً لموقع "واينت" على الأقل مرّة واحدة في تظاهرة احتجاجية في "كابلان" بتل أبيب، نُظّمت في حينه ضدّ ما وُصف بـ"الانقلاب القضائي" الذي قادته الحكومة الحالية منذ توليها سدّة الحكم سعياً لتغير طابع إسرائيل وهوّيتها بما يتسق أكثر مع المبادئ الصهيونية الدينية، ولتقويض سلطة القضاء والإخلال بالميزان الذي نَظَمَ، منذ عقود العلاقة بين مختلف مؤسسات الحكم.

في التظاهرة المذكورة، لم يُعلن شارفيت صراحة موقفه من موجة رفض الامتثال للخدمة التي اجتاحات صفوف احتياطيّ الجيش الإسرائيلي آنذاك، غير أنه شارك في مسيرة نُظمت في مارس/آذار من العام 2023؛ إذ مشى في "كابلان" إلى جانب مجموعة ضباط، ختمها أحدهم بإعلانه إنهاء منصبه مقابل مقر وزارة الأمن (الكرياة).

طوال ولايته قائداً لسلاح البحر، دعم شارفيت اقتناء البوارج الحربية، والغواصات الألمانية من ThyssenKrupp Marine Systems. دعمه هذا، بينما كان لا يزال يرتدي البزة العسكرية البحرية، أضعف في الواقع الاتهامات بالفساد التي طاولت نتنياهو في قضية "الغواصات الألمانية" الشهيرة. وحول هذه القضية، ادعى شارفيت في إحدى المقابلات التي أجراها، أنه لم يكن هناك من فرض أو أي شخص حدَّد للجيش أيّ سفن وغواصات عليه شراؤها. وقال "نحن معجبون بهذا الحوض (الحوض الألماني لبناء السفن والغواصات)، فهو ينتج سفناً رائعة، ومنذ عقود ونحن نشتري منه الغواصات، وبصراحة ليس لدي علم حول ما إذا كان الجيش دُفع لذلك. في الواقع إذا لم نَرد شيئاً فلن نأخذه، نحن مَن أراد ومَن حدد المواصفات، وقد صممت الغواصات بدقة بناء على متطلباتنا ومقاييسنا"، في رسائل التحذير التي أرسلتها لجنة الغواصات إلى سلف شارفيت، أقرّت اللجنة بأن اقتناء السفن والغواصات "يشكل خطراً على الأمن القومي". ومع ذلك، ادعى شارفيت آنذاك، أن "الحقيقة التي يحاولون من خلالها تصوير هذه السفن، سواءً الغواصات أو السفن، على أنها سفن غير ضرورية وشرائها فُرض علينا فرضاً، لا أساس له من الصحة. فهذه سفن اخترناها، وعملنا بجد لسنوات من أجل الحصول عليها".

فيما تعلق بلبنان، أعرب شارفيت عن دعمه لاتفاق ترسيم الحدود البحرية، الذي وقعه رئيس الحكومة السابق، يائير لابيد، الذي موجبه سُمح للبنانيين بالتنقيب عن الغاز في إحدى الحقول البحرية. وفي تعليقه على الاتفاق قال شارفيت إن لإسرائيل "مصلحة في أن يكون لدى لبنان منصة غاز". وإحدى قرارات شارفيت المثيرة للاهتمام خلال منصبه قائداً لسلاح البحر، هي إخراج مجندات المراقبة من مواقع المراقبة البحرية الواقعة على خط التماس في ساحتين: الأولى، نقل المُراقبات في قطاع غزة من موقع إيريز، الذي تعرض للهجوم في "طوفان الأقصى"، إلى القاعدة البحرية في أشدود، والثانية أنه نقل تلك الموجودة في رأس الناقورة في القطاع اللبناني إلى القاعدة البحرية في حيفا.

عصي اليمين تعترض دواليب شارفيت

في الأثناء، وصلت أخبار ماضي شارفيت في مظاهرات "كابلان"، وانتقاداته للرئيس ترامب، إلى آذان الأوساط اليمينة، ومنذ انتشار خبر التعيين صباحاً، تضغط الدوائر في محيط نتنياهو عليه للتراجع عن القرار "تفادياً لوجع الرأس"، وكما نقل "واينت" عن أوساط "الليكود" فإن "هذا التعيين لن يُكتب له النجاح".

على الجهة الأخرى، اعتبرت المعارضة الصهيونية أن تعيين شارفيت المفاجئ ليس سوى "بالون اختبار" للمحكمة العليا يُراد من خلاله فحص تعاطيها مع عدم احترام قرارها بتجميد إقالة بار، فيما اعتبر لبيد أن تعيين شارفيت أُريد من خلاله "التغطية على اعتقال موظفين كبيرين في مكتب نتنياهو صباح اليوم، في القضية الجنائية التي يحقق فيها الشاباك ضدهم"، في إشارة إلى رغبة نتنياهو في شغل الرأي العام بتعيين رئيس الشاباك، بغية إزاحة الأنظار عن الفضائح التي تغزو مكتبه.

من جهته، عبر اللواء المتقاعد، يسرائيل زيف، عن صدمته من التعيين على الرغم من ثقته بشارفيت، وبحسبه "فإن نتنياهو بخطوته هذه يُحرج شارفيت الذي لن يُكتب له النجاح في رئاسة الجهاز"، في إشارة إلى أنه لا يعلم عنه شيئاً، وليس لديه أيّ خبرة فيه.