جرمانا... مدينة متنوعة تَنشُد الاستقرار وبناء الثقة مع الحكومة

08 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
أحد الشوارع المزدحمة في جرمانا، 2 مارس 2025 (بكر القاسم/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الوضع الأمني في جرمانا: تشهد المدينة استقرارًا نسبيًا بعد اتفاق بين الوجهاء والسلطات لتفعيل الأمن العام والشرطة المحلية، رغم وجود حواجز يديرها مسلحون محليون. أثار دخول عناصر الأمن العام تظاهرة محدودة، لكن الوجهاء أكدوا التزامهم بالاتفاق لضمان الأمن.

- التحديات الاقتصادية والخدمية: تعاني جرمانا من تحديات اقتصادية، مثل تكدس القمامة وصعوبة العثور على فرص عمل للشباب، رغم النشاط التجاري في الأسواق.

- التنوع السكاني والتوترات الطائفية: تضم جرمانا مزيجًا سكانيًا متنوعًا يعيش في وئام نسبي، رغم بروز توترات طائفية أحيانًا. يؤكد الوجهاء على أهمية الوحدة والتعاون لتعزيز الثقة.

مَن يَزُر مدينة جرمانا الواقعة على بُعد كيلومترات قليلة جنوب شرق دمشق، في هذه الأيام، لا بدّ أن يلحظ الحركة النشيطة داخل المدينة المكونة من خليط سكاني متنوع، يعكس مُجمل التركيبة السكانية في سورية. ويؤكد وجهاء وسكان في المدينة، على أهمية ضمان استمرار الاستقرار وفرض النظام في جرمانا، التي لطالما عانت في ظل النظام السابق، وتتطلع الآن إلى بناء ثقة كاملة مع السلطة في دمشق وتجاوز التحديات الاقتصادية.

ورغم غياب المظاهر المسلّحة داخل جرمانا، هناك حواجز على مداخلها من جهاتها الثلاث؛ من جهة دمشق حاجز عند ساحة الكرامة، ومن جهة طريق المطار حاجزان، الأولُ عند جسر عقربا والثاني عند نادي معلا، أمّا الحاجز الثالث فمن جهة المليحة بالغوطة الشرقية. يقف على هذه الحواجز مسلحون محليون يحملون بنادق كلاشينكوف ويعملون بالتنسيق مع الأمن العام، وبينما لا يتدخلون في حركة مرور الأفراد والمركبات، فإنهم يطلبون ممن يحمل سلاحاً وضع هذا السلاح لديهم، واسترجاعه حين خروجه من المدينة، مع العلم أن دخول عناصر الأمن العام إلى جرمانا، قبل أيام، أثار لغطاً لدى البعض، نتج عنه خروج تظاهرة وصفت بأنها "محدودة ومعزولة" ضد هذا الدخول، فيما ردد المشاركون فيها هتافات ضد الحكومة في دمشق. يُذكر أنّ في جرمانا مخفر شرطة يتبع عناصره لوزارة الداخلية السورية، وهم خليط من عناصر الوزارة وأبناء المدينة، لكن بموجب الاتفاق الأخير، مطلع شهر مارس/آذار الماضي، بين وجهاء المنطقة وممثلي الداخلية السورية، جرى الاتفاق على افتتاح مركز للأمن العام أيضاً، يغطي هذا المركز الشق الأمني إلى جانب مركز الشرطة الذي يتكون من عدد قليل نسبياً من العناصر، ولا يغطي الاحتياجات الأمنية للمدينة التي يزيد عدد سكانها عن المليون، وفق تقديرات محلية.

أما الأسواق في المدينة فتعجُّ بالناس، وكثير من أصحاب المحلات هم من سكان دمشق الذين يعملون تاريخياً في التجارة، وتوفر الكثافة السكانية فرصة لهم للحركة، خصوصاً مع انخفاض أسعار المحلات التجارية مقارنة بالعاصمة، أو حتى المناطق الأخرى المجاورة القريبة من دمشق، مثل باب توما، غير أن الظاهرة اللافتة هي تكدّس القمامة في الشوارع، ووفق بعض الأهالي، فإن الإمكانات محدودة لدى البلدية للتعامل مع موضوع القمامة وغيرها من الخدمات، وكثيراً ما يضطرون لتنفيذ مبادرات أهلية وتكليف جهات خاصة برفع القمامة على نفقة الأهالي. يبقى أن الارتياح العام للوضع الحالي، هو السمة البارزة لمجمل التعليقات التي تصدر عن الأهالي بمختلف مشاربهم، مستذكرين الضغط الكبير الذي كانت تعيشه جرمانا في عهد النظام السابق، لجهة كثرة الحواجز الأمنية، ومحاولات الابتزاز المالي للسكان من جانبها وجانب عناصر النظام ومليشيات "الدفاع الوطني" أو ما يعرف بـ"الشبيحة"، وكان هؤلاء، وفق ما يرويه بعض السكان، يبتزون الأهالي في مصادر رزقهم، أو يفرضون أنفسهم شركاءَ في أيّ أعمال تجارية ناجحة. 

محمد علي، هو أحد الذين وفدوا إلى المدينة عام 2014، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه أقام مشروعاً تجارياً صغيراً بالشراكة مع شخص آخر من أبناء المدينة، لكن لسوء حظه أن هذا الشخص كان له صلات مع مليشيات "الدفاع الوطني"، فعمد الأخير إلى مضايقته وتهديده بالاعتقال، إلى أن تخلى علي عن المشروع وترك حصته لذلك الشخص، التي كانت تقدر بنحو مليون ونصف المليون ليرة سورية، أو ما يعادل عشرين ألف دولار آنذاك، ويكفي علي اليوم ما يصفه بـ"الشعور بالأمان، وأنّ لا أحد يمكنه الاستقواء عليه بالنظام وشبيحته لابتزازه والضغط عليه، إذ يشعر كل شخص الآن بأنه حر حقاً ولا يقبل أن يظلمه أحد". هذا الشعور هو ما تعبر عنه أيضاً مجموعة من الشباب ممن التقهم "العربي الجديد" عند محل لبيع الفطائر، تقول فتاة عرّفت عن نفسها باسم راما، إنّ "الوضع مريح جداً من ناحية الأمان والطمأنينة والراحة النفسية، لكن المشكلة في جرمانا وكل سورية، هي عدم توفر فرص عمل للشباب"، وتوضح أنها تخرجت من معهد للحاسوب، منذ عام ونصف العام، لكنها لم تجد فرصة عمل حتى الآن.

ما حكاية تظاهرة الخميس؟

تضم مدينة جرمانا اليوم، وفق الناشط السوري المدني، ربيع منذر، نحو مليون شخص من مختلف أطياف المجتمع السوري؛ من دروز ومسيحيين وسنة، خصوصاً من دير الزور (شمال شرقي البلاد)، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنهم "يعيشون في وئام دون حدوث أي مشكلات بينهم". وحول التظاهرة التي خرجت، مساء الخميس، يوضح منذر، الذي يعمل ضمن مجموعة العمل الأهلي في المدينة، أن مَن شاركوا فيها "أغلبهم من أصحاب السوابق والجنائيين الذين خرجوا من السجن بعد سقوط نظام بشار الأسد (في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي)"، ويلفت إلى أنهم "لا يمثلون المدينة، وقد تكون لديهم غايات معينة"، كما شارك فيها مَن وصفهم بـ"الموتورين الطائفيين"، نتيجة اعتقاد خاطئ منهم بأن الأمن العام أخل بالاتفاق مع أهالي المدينة، حين رأوا مجموعات من الأمن تدخل جرمانا، لكن الحقيقة، يضيف منذر، أن "دخول الأمن العام كان بالاتفاق مع الوجهاء، وأن هدفهم كان افتتاح مركز للأمن العام منفصل عن مركز الناحية الذي يضم عناصر شرطة عادية".

ويبيّن أن "قوات الأمن العام، مهمتها الحفاظ على الأمن في المنطقة وحدودها، ومساندة عناصر الشرطة في حال دعت الحاجة"، مشيراً إلى أن عددهم حوالى مئة عنصر، ويلفت إلى أنّ عناصر الأمن العام وعناصر الشرطة، هم خليط من أبناء المدينة والقوة التي أرسلتها وزارة الداخلية في دمشق. وحول أسباب ومبررات هذا الوضع الخاص للمناطق التي يقطنها المكوّن الدرزي مثل جرمانا وصحنايا في محيط دمشق، وأن دخول قوات الحكومة يتطلب تنسيقاً وموافقة من أهالي المنطقة خلافاً للمناطق الأخرى، يقول منذر إن "الوضع في جرمانا كما في صحنايا، يتأثر بعوامل عدة، لأن الناس هنا لم يتوصلوا حتى الآن إلى الثقة التامة بالحكومة والفصائل العسكرية التي تشكل منها جيش سورية الجديد"، يأتي ذلك خصوصاً "في ظل ضعف التشاركية على المستوى السياسي والحكومي"، معتبراً أن "الأمر يحتاج إلى وقت كي تتولد هذه الثقة". عامل آخر يشير إليه منذر وهو "الصور الذهنية السلبية المسبقة لدى شريحة من الناس، التي يعود بعضها إلى عهد النظام السابق"، مشدداً على أن "دور الوجهاء وناشطي المجتمع المدني هو المساعدة في تقبل الناس للحكومة ولقوات الأمن العام".

أما بشأن التركيبة السكانية في المدينة، فيقول منذر إن "جرمانا تضم بين 25 إلى 30% من الدروز، ونحو 40 إلى 50 ألف من المسيحيين، والبقية من العرب السنة، خصوصاً المنحدرين من محافظة دير الزور والموجودين بمئات الآلاف في المدينة (يقدر عددهم بنحو 300 ألف شخص)"، ويلفت إلى أن "أبناء دير الزور يتميزون بالعصبية العشائرية، ما يجعل منهم كتلة واحدة تقريباً في حال حدثت أي مشكلة (الفزعات)، وهو الأمر القائم أيضاً لدى المكوّن الدرزي، بينما بقية المكونات يعتبرون أفراداً، وليس كتلة واحدة". ويوضح منذر أن "مدينة جرمانا الموغلة في القدم، كان عدد سكانها محدوداً، لكن بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية والعسكرية ضد النظام السابق، تحولت إلى مركز رئيسي لاستقبال المهجّرين من المناطق الأخرى، ما أدى إلى ارتفاع عدد سكانها إلى أكثر من مليوني نسمة في بعض المراحل"، ليتراجع هذا العدد إلى النصف تقريباً اليوم، إذ "لم تظل المدينة تحت سيطرة قوات النظام السابق، ولم تشهد أي عمليات عسكرية، ما جعل منازلها ومبانيها تسلم من التدمير".

من جانبه، يؤكد أحد سكان المدينة، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، أنه كان قريباً من مكان التظاهرة في ساحة السيوف بالمدينة، ليل الخميس الماضي، مشيراً إلى أن عدد المشاركين فيها كان محدوداً جداً، ولم تستغرق تظاهرتهم أكثر من عشر دقائق. ويوضح أن وجهاء ومشايخ جرمانا سلموا، الخميس الماضي، قوى الأمن العام بعض الأشخاص ممن كان النظام السابق يتعامل معهم، بينهم تجار مخدرات، فيما تلا ذلك اجتماع لوجهاء المنطقة مع بعض أهالي المدينة ومن بينهم أقارب من جرى تسليمهم إلى السلطة في دمشق، وكانت الغالبية مع موقف الوجهاء الذين أكدوا بدء سريان الاتفاق مع الحكومة والتزامهم بهذا الاتفاق، لكن البعض ممّن حضر الاجتماع لم يعجبهم قرار المشايخ والوجهاء وحملوا رايات الطائفة، وحرضوا على الخروج بتظاهرة ضد الحكومة.

عبد الناصر شاكر: أهالي جرمانا مع فرض سلطة القانون

عبد الناصر شاكر، وهو من محافظة إدلب (شمالي سورية) ويقيم في جرمانا منذ 25 عاماً، ويملك نادياً رياضياً في المدينة، يقول إن "التظاهرة المحدودة، مساء الخميس، معزولة عن المزاج العام في المدينة المؤيد للحكومة، والداعم لنشر قوات الأمن العام فيها للحفاظ على الأمن الداخلي"، ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنه وجد على هاتفه 32 رسالة من الأصدقاء والأقارب داخل المدينة وخارجها يسألون عمّا حدث في جرمانا ليل الخميس، ما يشير برأيه إلى قلق لدى الناس من أي تطورات قد تؤدي إلى انتكاس الأوضاع والعودة إلى الخلف.

تكمن مصلحة الغالبية العظمى من أهالي المدينة، وفق شاكر، في الهدوء والاستقرار، وعدم السماح بعودة العجلة إلى الخلف، مؤكداً أن "مجمل سكان جرمانا وطنيون ومع العهد الجديد، بعد أن عانوا، كما بقية سورية، من النظام السابق"، ويشير إلى أنه "كان لديه مراجعات أمنية منتظمة للفروع الأمنية، يتخللها ابتزاز مالي، بسبب نشاطه في مرحلة شبابه المبكر مع أحد الفصائل الفلسطينية". باعتقاد شاكر، فإن الهيئة الروحية في المدينة ومجمل الأهالي "لن يسمحوا لفلول النظام السابق بالنشاط في المدينة، أو اختطاف أصوات أهلها الحقيقيين"، ويروي في السياق حادثة جرت الخميس الماضي، بالقرب من سكنه، إذ أقدم أحد الأشخاص تحت تأثير الحشيش المخدر على إطلاق النار عشوائياً، وكاد يصيب بعض المدنيين، لكن الأهالي استدعوا الشرطة المحلية التي بادرت إلى اعتقاله.

اتفاق ينهي توتراً في جرمانا

شهدت جرمانا، مطلع الشهر الماضي، توتراً بين بعض القوى المحلية والسلطات في دمشق، انتهى باتفاق يقضي بتفعيل عمل ناحية جرمانا ومخفرها من الإدارة السورية، وإدخال نحو مئة عنصر من الأمن العام إلى المدينة، بعضهم من أبناء جرمانا، وحاولت "العربي الجديد" مراراً الاتصال مع مدير ناحية جرمانا، الشيخ العقيد حسام بلان، للوقوف على رأي السلطة الأمنية حول ما جرى والوضع الأمني عموماً في المدينة، لكنّ رقم هاتفه كان دائماً خارج الخدمة. وجدّد وجهاء ومشايخ مدينة جرمانا، مساء الجمعة الماضي، التزامهم بالاتفاق المبرم مع الحكومة السورية الجديدة، وقطع الطريق أمام الحملات الطائفية التي تحاول إشعال التوتر في المنطقة. وشدّد كل من الشيخ هيثم كاتبة والشيخ أبو فهد عبد الوهاب دبوس، أمام دار شيخ الطائفة في المدينة (كاتبة)، وسط حشد من أهالي المدينة، على وحدة الكلمة، وعلى أن مرجعية كل أهالي المدينة هو ما يقرره مشايخ جرمانا ووجهاؤها، وأكد كاتبة ودبوس "وحدة الموقف والحفاظ على المحبة والألفة"، وأن "كل قرار يصدر عن وجهاء المدينة هدفه الحفاظ على أمنها بكل ما تضم من مكونات وأطياف".

وأكد مشايخ ووجهاء مدينة جرمانا، في بيان باسم أهالي المدينة، الجمعة الماضي، التزامَهم بما اتُّفق عليه مع الإدارة في دمشق، في الرابع من مارس/ آذار الماضي، معتبرين أن ذلك الاتفاق "أمر نافذ، ونحن حريصون كل الحرص على تطبيقه، لا سيّما في ما يتعلق بتفعيل واستمرار عمل الدولة ومؤسساتها، وفي مقدمتها عمل الناحية والأمن العام". وحثّ البيان أهالي المنطقة على الامتثال لقرارات مشايخ المدينة، مضيفاً أن مشايخ المدينة هم الجهة الوحيدة التي تمثل المدينة وأهلها، وأن هذا الأمر "من الثوابت التي ميّزت المدينة وأبناءها، وساهمت في تحصينها في مختلف الظروف"، وتابع: "نحن على يقين بأن شبابنا سيكونون، كما كان أسلافهم وآباؤهم، حريصين على هذا النهج الثابت"، معتبراً أن إعادة بناء الدولة، "تتطلب منا جميعاً التحلي بأعلى درجات العقل والحكمة، وهو ما نطلبه ونراهن عليه من الجميع".

عمار ديوب: السلطة ضعيفة وعليها التعاون مع المجتمع المحلي

من جانبه، يقول الصحافي والكاتب السوري، عمار ديوب، المقيم في المدينة، لـ"العربي الجديد"، إن سورية عموماً في مرحلة انتقالية، ولم تترسخ بعد سلطة الدولة، فيما لبعض المناطق وضع خاص، لأنها تضم أقليات ومجموعات عسكرية محلية. هذه المناطق، وفق ديوب، لديها "تخوّفات من الإدارة الجديدة، ما يتطلب تنسيقاً مع الوجهاء والفعاليات المحلية، قبل دخول قوات الأمن العام إلى المدينة (مناطق مثل جرمانا)"، ويوضح أن هذا الوضع الخاص كان قائماً حتى في عهد النظام السابق، إذ تولت الحفاظ على الأمن مجموعات محلية من "الدفاع الوطني" بالتنسيق مع قوات الأمن التابعة للنظام السابق.

ويرى ديوب أنه من حيث المبدأ يجب أن تحتكر الدولة السلاح، لكن "السلطة في دمشق اليوم ضعيفة، ولم تبادر إلى إعلان أسماء المطلوبين لديها في جرمانا وبقية المناطق، ليعمل الأهالي والمجتمع المحلي على تسليمهم لها"، كما ينتقد ديوب عدم مبادرة السلطة إلى إجراء محاكمات علنية للمُدانين من النظام السابق، ما من شأنه تخفيف الاحتقان لدى أهالي ضحايا ذلك النظام، الذي قد يدفعهم لتنفيذ عمليات انتقام عشوائية تطاول مدنيين آخرين لا ذنب لهم فيما جرى، كما حصل في الساحل السوري أخيراً.

المساهمون