جرائم ضد المدنيين في الساحل السوري: تحذير من إعادة إنتاج ممارسات نظام الأسد

09 مارس 2025
عناصر أمن في جبلة، 7 مارس 2025 (محمد دبول/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد الساحل السوري معارك عنيفة بين قوات الأمن ومجموعات مسلحة، مع اعتراف الإدارة السورية بحدوث تجاوزات وضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم. وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 164 مدنياً و100 عنصر من قوات الأمن.
- أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى ارتفاع حصيلة القتلى إلى 1018 شخصاً، بينهم 745 مدنياً، نتيجة المجازر الطائفية. انتشرت فيديوهات توثق انتهاكات، مما دفع السلطات لاعتقال مجموعة عسكرية غير منضبطة.
- دعا المحامي غزوان قرنفل والباحث محمد صبرا إلى تحقيقات قضائية شاملة، وسحب السلاح من جميع الأطراف لضمان الاستقرار والسلام الأهلي.

ترافقت المعارك مع جرائم عدة ارتكبت بحق مدنيين عزل ترقى إلى مجازر

مرصد حقوقي: عدد القتلى الإجمالي حتى مساء السبت بلغ 1018 شخصاً

"العربي الجديد" يوثق روايات عدد من ذوي الضحايا

ترافقت المعارك بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة مساندة لها وبين فلول النظام في الساحل السوري والتي بلغت ذروتها أول من أمس الجمعة، مع جرائم عدة ارتكبت بحق مدنيين عزل ترقى إلى مجازر. وفيما ساد الصمت الرسمي لساعات طويلة يوم الجمعة إزاء الجرائم، بدأ الموقف بالتحول تدريجياً مساء، مع إقرار الإدارة السورية بحدوث تجاوزات وانتهاكات وعمليات نهب وسرقة في مدن الساحل السوري أثناء التصدي لمحاولة تمرد قام بها فلول للنظام المخلوع.

كما تطرق الرئيس السوري أحمد الشرع، في كلمة له مساء أول من أمس الجمعة، إلى أحداث الساحل السوري مشيراً إلى أن الدولة، في معركتها، تسعى لحماية جميع المواطنين، مؤكداً أن الهدف ليس إراقة الدماء، بل الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها. لكن الإقرار بالانتهاكات، وإن مع محاولة ربطها بمجموعات غير مضبطة، لن يكون بنظر كثر كافياً، ما لم يترافق ليس فقط مع إجراءات رادعة تجاه الذين ارتكبوا الجرائم ومحاسبتهم، بل أيضاً مع تبني نهج واضح يحدث قطيعة مع ممارسات نظام الأسد وعدم استنساخها، إلى جانب تبني خطاب رسمي واضح لا يقلل من الجرائم أو يحاول تبريرها تحت ذرائع شتى على غرار ما جرى من بعض المسؤولين في الإدارة.

غزوان قرنفل: ما جرى في الساحل السوري من عمليات استهداف لمدنيين يمكن وصفه بجرائم حرب

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حتى مساء الجمعة مقتل قرابة 140 مدنياً على يد فلول النظام والقوات الحكومية ضمن الحملة العسكرية في الساحل السوري. كما أكدت ذات الشبكة مقتل ما لا يقل عن 100 عنصر من قوات الأمن الداخلي نتيجة هجمات نفذتها مجموعات مسلحة مرتبطة بفلول نظام الأسد في محافظتي اللاذقية وطرطوس خلال الخميس والجمعة الماضيين، قبل أن تشير الأمس إلى ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين إلى 164. كما أشارت إلى فلول النظام قتلوا على مدى يومين 26 مدنياً. 

جرائم في الساحل السوري

من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، مساء أمس السبت، إلى ارتفاع "حصيلة الخسائر البشرية التي تتسارع أرقامها بالتزايد منذ دخول المسلحين لمؤازرة قوى الأمن وتشكيلات وزارة الدفاع"، موضحاً أن "عدد القتلى الإجمالي حتى مساء السبت بلغ 1018 شخصاً، هم: 745 مدنياً جرت تصفيتهم وقتلهم بدم بارد في مجازر طائفية، و125 من الأمن العام وعناصر وزارة الدفاع وقوات رديفة، من ضمنهم 93 سورياً على الأقل، و148 مسلحاً من فلول النظام السابق المتمردين والموالين لهم من أبناء الساحل".

وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات لمشاهد توثق عمليات إعدام ميداني لمدنيين، بالإضافة لعمليات تعذيب وإذلال لأسرى بلباس مدني يُجبرون على الزحف، ومنهم من تتم تصفيته أثناء عملية تعذيبه. كما انتشرت فيديوهات تظهر عمليات سرقة وتخريب لمنازل ومحال تجارية وحرق سيارات. 

وحصل "العربي الجديد" على روايات عدد من ذويي الضحايا الذين قتلوا الجمعة. وقتلت طبيبة الأسنان ربا الشيخ إلى جانب زوجها الطبيب البيطري بسام صبح وابنيهما؛ الشاب حيدرة وهو طالب في السنة الخامسة بكلية طب الأسنان، والطفل ورد صبح، أول من أمس الجمعة، في منزلهم الكائن في حي القصور بمدينة بانياس في طرطوس. وقالت الصحافية حلا منصور، ابنة أخت الزوجة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مجموعة من الأمن العام قدمت صباح يوم الجمعة لتفتيش المنزل، وعرّفوا أنفسهم أمام عناصر المجموعة، وقد كان الزوج أحد الأشخاص الذين عملوا بالمصالحة خلال السنوات الماضية في بانياس، وأجرى اتصالات عديدة مع مدير المنطقة خلال اليومين اللذين سبقا وفاته لتهدئة الأمور، لتقوم المجموعة بتفتيش المنزل، فيما أطلق أحد العناصر النار داخله، كما دُمّرت سيارة الزوجة عند خروجهم"، لافتة إلى أن "هذه المعلومات تأتي نقلاً عن خالتها التي اتصلت بها بعد خروج العناصر الذين كان من بينهم أشخاص أجانب"، وأضافت: "عند حوالي الساعة الثانية ظهراً، فُقد التواصل مع العائلة بشكل كامل، ليجرى فيما بعد التواصل مع أحد الجيران الذي أخبرها بدخول مجموعة أخرى إلى منزل خالتها وإطلاق النار على جميع من في المنزل"، لافتةً إلى أن "جثامين العائلة ما تزال في المنزل، ولم يتمكن أحد من نقلها إلى المشفى للقيام بإجراءات الدفن".

أما الشاب زين نيوف الذي فقد يوم الجمعة والده وأمه وشقيقه المتزوج قتلاً في منزلهم بمنطقة بانياس أيضاً، فقال، لـ"العربي الجديد"، إنه "تواصل مع أهله قبل حادثة القتل، ليخبروه بأنهم يختبئون في حمام المنزل، خوفاً من أي رصاص طائش، ليحاول فيما بعد هو وأخواته التواصل مع العائلة، لكن من دون أي رد، وبعد حوالي ساعة تواصل الجيران معه وأخبروه بما حدث، إذ دخلت مجموعة مسلحة إلى المنزل لتفتيشه، لتقوم في ما بعد بإطلاق النار على الأب والأم والابن، أما زوجة الابن التي كانت تحمل طفلها فقد رجت المسلحين ألّا يؤذوها وابنها فتركوها تذهب إلى منزل جيرانهم".

وعقب توارد أنباء الجرائم بحق المدنيين والردود الغاضبة التي أثارتها، اعتقل الأمن العام في وزارة الداخلية السورية، أمس السبت، ما قال إنها "مجموعة عسكرية غير منضبطة ارتكبت انتهاكات بحق مدنيين عزل"، في الساحل السوري، وفق وكالة "سانا" الرسمية، والتي أشارت إلى أن "الجيش يقوم بإغلاق الطرق المؤدية إلى الساحل وإعادة الأشخاص غير المكلفين بمهام عسكرية"، مؤكدة أن "الأمن العام يسير أرتالاً إضافية لحماية أهالي الساحل من أي تجاوزات". وفي السياق، أمرت وزارة الدفاع السورية وجهاز الأمن العام، أمس السبت، بـ"القبض على كل متجاوز ارتكب جرماً بحق المدنيين في الساحل السوري خلال العملية العسكرية"، لإحالتهم إلى المحكمة العسكرية والقضاء. كما أعلنت إدارة الأمن العام، في بيان أمس السبت، مصادرة أكثر من 200 آلية سرقها اللصوص في مدينة جبلة، مشيرة إلى أن "ضعاف نفوس استغلوا حالة عدم الاستقرار بسبب أفعال فلول النظام المخلوع"، مؤكدة اعتقال عدد كبير من اللصوص، مضيفة أن الآليات ستعاد إلى أصحابها وفق الأصول. بموازاة ذلك، قالت إدارة الأمن العام في اللاذقية إنها نشرت أمس عناصرها في مختلف أنحاء المدينة، وأقامت نقاطاً مؤقتة بهدف ضبط الأمن ومنع التجاوزات الحاصلة من قبل بعض المدنيين في المنطقة.

استهداف المدنيين جرائم حرب

من جانبه، رأى المحامي غزوان قرنفل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما جرى في الساحل السوري من عمليات استهداف لمدنيين يمكن وصفه بجرائم حرب"، مضيفاً: بعضها يرقى إلى جرائم إبادة جماعية من وجهة نظر محايدة أو قانونية. وتابع: "بعض الجرائم تم ارتكابها من قوات الأمن العام أو المجموعات التابعة لها، لذا على الدولة فتح تحقيق لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم بمحاكمات علنية لبث الطمأنينة في نفوس الشعب، وتوجيه رسالة أن لا أحد فوق سقف القانون". وطالب قرنفل الإدارة السورية الجديدة بالتركيز على ضبط الأمن والاستقرار في البلاد، ولكن "بالطرق والأدوات القانونية"، مضيفاً: على القوى التابعة للأمن العام ووزارة الدفاع التصرف كقوى تابعة للدولة وليس كمليشيات خارجها. وتابع: يجب ضمان أمن وسلامة المجتمع بكل أطيافه الدينية والعرقية والمذهبية، وعدم تحميل الطائفة العلوية وزر ما يرتكبه بعض أبنائها بحق السوريين أو بحق الدولة.

ودعا قرنفل الحكومة السورية إلى حوار مع قيادات ورموز مجتمعية لها وزنها في المجتمع وفعاليات دينية وعلمية من كل الطوائف السورية من أجل "تأسيس دولة يتشارك بها الجميع من دون تهميش أو إقصاء أي مكون من مكونات الشعب السوري"، مضيفاً: من غير المعقول والمقبول أن تحاول السلطة الحالية إعادة إنتاج نموذج مغاير في الشكل ومطابق في المضمون لنموذج ممارسات نظام الأسد متابعاً: إشراك الجميع يفكك خطاب الإقصاء الذي يتكلم فيه الآخرون، وبنفس الوقت يحدث اختراقاً حقيقياً في جدار العقوبات ويسمح بالاعتراف القانوني بالسلطة الحالية، بحيث نستطيع تعيين دبلوماسيين جدد بدلاً من دبلوماسيي الأسد وإصدار وثائق تعترف بها الدول.

محمد صبرا: ملاحقة العصابات المسلحة يجب أن تقوم على مبدأ التمييز بين المدنيين وبين المجرمين

وقال مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، لـ"العربي الجديد"، أول من أمس، إن "العصابات، وأرفض تسميتها بالفلول، هي مجموعات مسلحة خارج الدولة، هاجمت قوات الأمن العام وقتلت نحو 100 شخص منهم، وهو رقم مرعب. كما نفذت كمائن وهجمات منظمة أسفرت عن مقتل 15 مدنياً في جبلة". وأضاف عبد الغني: "تحركت قوات الأمن العام للرد، لكن مع الأسف وقعت أعداد كبيرة من الانتهاكات بحق مدنيين، وليس بحق العصابات المسلحة. فالمدني الذي يحمل السلاح حتى لو لدقيقة واحدة يصبح هدفاً مشروعاً، لكننا نتحدث عن تصفية مدنيين لم يحملوا السلاح". وأشار إلى أن "إدارة العمليات العسكرية في سورية لم تقم بقتل مدنيين سابقاً، ولكن نتيجة حل جهاز الأمن والشرطة، تم جلب عناصر غير مدربة من فصائل الشمال السوري، وهم من ارتكبوا هذه الانتهاكات، إلى جانب مدنيين حملوا السلاح بدافع الانتقام".

وكشف عبد الغني أن "الحصيلة الأولية تشير إلى مقتل 125 مدنياً في قرى المختارية، والحفة، والفندارة، وريف حماة الغربي، بالإضافة إلى أرزة، وقمحانة، وحي القصور في بانياس. وقد تُركت الجثث في المكان، مما يستوجب تحقيقاً رسمياً لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات". وحذر من أن "عدم المحاسبة سيؤدي إلى تصاعد العنف وانتقام متبادل، خاصة أن هذه العصابات لا يتجاوز عددها 1500 شخص، وفي حال لم يتم التعامل معها بحكمة، قد تنضم إليها أعداد أكبر، مما يفتح الباب أمام دوامة من الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي".

من جهته، أمِل الباحث السياسي محمد صبرا، في حديث مع "العربي الجديد"، تشكيل لجنة تحقيق قضائية شاملة "ذات ولاية بالحوادث التي وقعت في الساحل"، مشيراً إلى أن "بعض الفيديوهات تظهر عمليات إعدام وقتل خارج القانون وتقديم من قام بذلك للعدالة واجب على الدولة". كما دعا صبرا، وهو المختص بالقانون، وزارة العدل إلى إصدار قوائم اسمية بمجرمي الحرب من الذين كانوا مع نظام الأسد المخلوع وتحريك الدعوى العامة بحق هؤلاء وإصدار مذكرات توقيف. وتابع: عدم ملاحقة هؤلاء قانونياً سمح لهم بإعادة تنظيم أنفسهم وإنشاء مجموعات تنسق فيما بينها لارتكاب عمليات هدفها ضرب الأمن والاستقرار.

وأشار صبرا إلى أن "العدد الكبير للشهداء في صفوف الأمن العام والجيش والمدنيين يظهر خطورة هذه المجموعات"، مضيفاً: الحوادث التي جرت في الساحل أظهرت فشلاً استخبارياً ذريعاً لدى جهاز الاستخبارات العامة. وأضاف: "ملاحقة هذه العصابات المسلحة المُشكلة من مجرمي الحرب يجب أن تقوم على مبدأ التمييز بين المدنيين وبين هؤلاء المجرمين، لمنع ارتكاب أي انتهاكات لحقوق الإنسان أثناء تنفيذ الدولة واجباتها في محاربة الجريمة وحماية الأمن العام. كذلك فإن الحوادث كشفت عن ضرورة الإسراع في سحب السلاح من يد كل الأطراف وحصره بيد الدولة وضرورة الإسراع ببناء الجيش والمؤسسات الأمنية، لأن الضامن الوحيد لأمن واستقرار المواطن والوطن هو القوى العسكرية النظامية، ويجب الخروج من الفصائلية وعقلية الفزعات التي كانت مسؤولة عن عدد كبير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأدت لارتكاب جرائم بحق مدنيين، وهذا أمر يجب معالجته بحزم وسرعة". وقال: "نحن نريد بناء دولة القانون والعدل، ولذلك لا بد من الإسراع بتشكيل الهيئة العليا للعدالة، والتي يجب أن تبدأ عملها في محاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب الفارين، لأن هذه المحاسبة هي التي تؤمن الاستقرار وتحمي السلام الأهلي".

وكان العشرات من أفراد الجيش السوري والأمن العام قد قُتلوا أثناء التصدي لعملية التمرد الواسعة والتي هددت السلم الأهلي في الساحل السوري وكادت أن تطيح الاستقرار الهش في البلاد. وفي هذا الصدد، أشار الباحث السياسي بسام سليمان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "ما حصل في اللاذقية كان اعتداء على قوات الأمن، بطريقة مخططة"، مضيفاً: سجلنا مقتل نحو 100 فرد منهم، و15 مدنياً على يد العصابات المتمردة. وقال سليمان: "حدثت انتهاكات من كل الأطراف، وعمليات تمثيل بالجثث"، موضحاً أن "مجموعات فلول النظام ارتكبوا مجازر بحق عناصر الشرطة وبعض المدنيين بهدف تأجيج الطائفية في البلاد". وبين أنه عندما حدثت عملية التمرد ضد الدولة "اتجهت عدة مجموعات من عدة مناطق سورية لمساعدة الجيش والأمن العام، وهو ما خلق فوضى أدت إلى وقوع انتهاكات"، مضيفاً: لا يمكن وصفها بالفردية والمحدودة لأن عدد الذين مارسوا الانتهاكات كبير، إلا أنها لم تكن ممنهجة.