جرائم حرب... خيار وفقوس

جرائم حرب... خيار وفقوس

08 ابريل 2022
لا يمكن لعاقل إلا إدانة الجرائم في بوتشا (كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -

لا يمكن لعاقل ومنهم العرب إلا رفض وإدانة الجرائم المرتكبة في بوتشا الأوكرانية، ولو على قاعدة "من قتل نفساً بغير حق... فكأنما قتل الناس جميعاً". 

لكن ذلك لا يحجب حقيقة انتشار الشعور بازدواجية المعايير الأوروبية وغياب العدالة والإنصاف لضحايا آخرين، بعد مراقبة حجم الردود الغربية المتضامنة مع ضحايا بوتشا، بما يعمّق توجس الشارع العربي إزاء أغلب سياسات أوروبا وحليفها الأميركي، وما يسوقان له من قيم ومبادئ.

يعرف ساسة أوروبا بالتأكيد مشاعر غضب الشارع العربي جراء التعامل مع جرائم الحرب وفق المثل القائل: "خيار وفقوس". فالقائمة الممتدة من مذابح النكبة الفلسطينية عام 1948، وتواصل إرهاب المستوطنين برعاية رسمية، إلى بحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا، وقتل مئات آلاف العراقيين حصاراً وغزواً، بالطبع تشير إلى عدالة عوراء.

فمن يفرش السجاد الأحمر لقتلة، محليين ومحتلين، ملطخين بدماء الضحايا، معتقداً أن الناس سذّجاً، يراهن في الواقع على ديمومة قمع شوارع العرب، والاستخفاف برأيهم العام، على قاعدة المصالح وتزييف الوعي وتمييع الجرائم لإسقاطها بالتقادم.

لكن، إذا كانت الشوارع الأوروبية تعبر صادقة عن صدمتها من مشاهد بوتشا، مثلما فعلت خلال مذبحة سربرنيتسا البوسنية عام 1995، فثمة في المقابل حاجة عربية للنظر جيداً في المرآة.

ذات يوم من أيام ثورة 25 يناير المصرية، فرض الشارع على دولة الاحتلال الإسرائيلي والقوى الغربية، النظر بجدية إلى بداية تشكّل شيء من رأي عام عربي وازن، وهو ما أمكن ملاحظته في صحافة ومراكز أبحاث وتقارير السفارات وتحرك ساسة أوروبا. ولعل ذلك سرّع في إطلاق الثورات المضادة.

أما اليوم، وإذا فتشنا بعمق عن حالة الاستهتار الذاتي بالضحايا، فإن الناتج يفسّر الكثير. فمقابل استنفار المنظومة الأوروبية، برأي عام وصحافة ضاغطين، لإبراز الجرائم في أوكرانيا، فإن منظومة الحكم العربية تُجرم التعاطف مع الضحية، وتُدخل دعمها في تصنيفات عقيمة عن "الإرهاب"، وذلك يتعلق بفلسطين وسورية، وقضايا أخرى كثيرة. كما أنها ترعى، قبولاً وصمتاً، جرائم موسكو في سورية، مثل جريمة سوق معرة النعمان في 2019، والمسالخ البشرية، وحماية الكرملين لقتل البشر بالسلاح الكيميائي.

ذلك، وغيره كثير، يعبّر ربما عن الفارق بين رأي عام حاضر وضاغط وآخر مغيّب. ببساطة، ينظر الغربيون جيداً إلى احتقار المنظومة العربية للضحايا، واعتبار تفاعل الناس مع قضاياهم، ولو من باب إنساني، مؤامرة ضد الحكم، لإنتاج مشاهد قبول تهاوي القيمة والدوس على القيم. وماذا يهم الغرب، طالما أن مصالحه متواصلة، فيما تضبط المنظومة، قمعاً وتجويعاً وفساداً، مسألة تحرر الشارع؟

المساهمون