جدل في المغرب حول التوظيف السياسي للعمل الخيري

جدل في المغرب حول التوظيف السياسي للعمل الخيري

11 مايو 2021
اتهامات للأحزاب المغربية بتوزيع المساعدات الانسانية استعداداً للانتخابات القادمة (Getty)
+ الخط -

عاد الجدل حول توظيف العمل الخيري لأغراض انتخابية إلى المشهد الحزبي في المغرب، بعد أن وجه رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، الاثنين، سهام نقده لتوزيع المساعدات الرمضانية والإكراميات من قبل فعاليات حزبية.

واعتبر العثماني، خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب ( الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) مساء الاثنين، أن توزيع مساعدات رمضانية (القفف) والإكراميات بسبب الانتخابات لا يليق بكرامة المواطنين والمواطنات وليس في مستوى مغرب اليوم، كاشفاً أنه يضم صوته لأصوات جميع الأحزاب والفعاليات الرافضة لهذه الممارسة.

وفيما عبر العثماني عن أمله في أن تكون الانتخابات المقبلة نزيهة، انتقدت كتلة "الأصالة والمعاصرة"، أكبر حزب معارض، ما سمتها بثقافة توزيع الإكراميات، لافتة خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، إلى أن الأموال التي توزع اليوم عبر "القفف" أتت من الإثراء غير المشروع واستغلال النفوذ وتضارب المصالح.

ودعت كتلة "الأصالة والمعاصرة" الحكومة إلى وضع حد لمثل هذه الممارسات، مبدية استغرابها من أن الولاية الحكومية شارفت على الانتهاء دون أن تقوم الحكومة بأي تحرك في هذا الصدد.

وتصاعدت في الأيام الأخيرة حدة الجدل في المغرب بشأن توظيف العمل الخيري في العمل السياسي، مع تبادل قادة ومسؤولين حزبيين الاتهامات باستغلال المبادرات الإحسانية لاستمالة الناخبين واستخدامها كرشى لشراء أصواتهم.

ويتركز الجدل على توظيف حزب التجمع الوطني للأحرار، الساعي لقيادة الحكومة المغربية القادمة، للمساعدات الرمضانية عبر جمعية تابعة له، من أجل استمالة الناخبين، استعداداً للانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية المقررة هذه السنة.

غير أن هذا الجدل تحول إلى قضية رأي عام، بعد استنكارها من طرف غالبية الأحزاب السياسية، وفي الإعلام ووسط مواقع التواصل الاجتماعي، كما كانت محل مساءلة للوزير المنتدب لدى وزير الداخلية بمجلس النواب، أخيراً.

وفي السياق، كان لافتاً إعلان أحزاب المعارضة (الأصالة والمعاصرة،  الاستقلال، التقدم والاشتراكية) عن رفضها واستنكارها المبدئي لظاهرة التوظيف السياسي للعمل الخيري والتضامني، كيفما كان مـيـوله السياسي، في استمالة الناخبين، بأشكال بئيسة استقبلها الرأي العام بكثير من السخط، والاستهجان.

واعتبرت الأحزاب الثلاثة أنَّ هذه الظاهرة غير القانونية، التي تعتمد على استغلال غير مشروع، وغير أخلاقي للبيانات، والمعطيات الشخصية للمواطنين والمواطنات، تقتضي تدخل السلطات العمومية من أجل ردعها، وإيقافها.

بالمقابل، عبر المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار عن أسفه مما أسماه “محاولة بائسة للضرب في قيم الإحسان الأصيلة"، لافتاً إلى أن "هناك أطرافاً سياسية تركت كل إكراهات البلاد ومشاغل المواطنين، لتنبري في محاولة بئيسة للضرب في قيم الإحسان الأصيلة التي جبل عليها المغاربة، ودأبوا على ممارستها كل حسب موقعه وإمكانياته".

وأكد الحزب المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، أنه لا يمكن أن يسمح لأي كان أن يمارس الابتزاز والإرهاب الفكري، أو أن يقدم له الدروس، معتبراً أن تاريخه السياسي "الناصع البياض، لم يسجل قط أن سخر فيه الجانب الجمعوي، أو جمع بينه وبين الجانب السياسي، لخدمة أجندات سياسية".

وتمكن الحزب، خلال السنوات الماضية، من إنشاء ذراع إحساني قوي تحت اسم "مؤسسة جود للتنمية"، التي تعمل مع مجموعة من الجمعيات وفي مختلف المجالات بصورة نشيطة أقلقت باقي الأحزاب السياسية، إلى درجة أنها أعلنت عن عزمها توزيع مليون قفة خلال شهر رمضان.

وتعيد الانتقادات الموجهة إلى التجمع الوطني للأحرار، ما عاشه المشهد السياسي في المغرب في السنوات الماضية، من اتهامات لحزب "العدالة والتنمية " من استغلاله للعمل الإحساني في حشد الأصوات الانتخابية، وكذلك لأحزاب أخرى. في حين يرى مراقبون مغاربة أن ما عاشته البلاد في الأيام الماضية من بروز مبادرات إحسانية من خلال توزيع مساعدات رمضانية من قبل فاعلين سياسيين ظاهره قضايا الإحسان وجوهره سعي بسط السيطرة على الرقعة السياسية لما بعد انتخابات 2021 .

وشهدت المملكة حملات تضامنية واسعة من قبل العديد من المحسنين، خلال الأيام الماضية، تستهدف الفئات الأكثر هشاشة التي تضررت بشكل مباشر جراء تفشي فيروس كورونا وتوقف العديد من المرافق الحيوية في المغرب.

وحسب رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، جواد الشفدي، فإنه لا يمكن القبول بالخلط الحاصل بين العمل المدني والعمل الحزبي، حيت يتم تحويل الجمعيات إلى قناطر من أجل إمداد الأحزاب السياسية بالأصوات خلال الانتخابات، لافتاً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن جميع الأحزاب استفادت بشكل من الأشكال من هذه الإمدادات البشرية خلال الاستحقاقات الانتخابية.

وبينما يبدي الشفدي استغرابه من موقف "الهيئات السياسية التي تنتقد هذه الممارسات التي غرقت فيها سابقاً، ولا تزال، حتى النخاع"، اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، أن باقي الأحزاب السياسية وعلى رأسها التجمع الوطني للأحرار، تحاول منافسة حزب العدالة والتنمية بنفس مقاربتها وآلياتها، مع تغيير في تكتيك التعاطي مع مسألة الإحسان، إذ بعد أن كان رئيس الحزب عزيز أخنوش يركز على " تحقير " الاستغلال السياسي للإحسان، وإظهار العدالة والتنمية بصورة الحزب الساخر من المحتاجين، أصبح اليوم، يدافع عن المبادرات الإحسانية.

من جهته، ترى الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير، أن الأولوية اليوم هي لإخراج قانون يفرض عقوبات على مستغلي الفئات الهشة في الإحسان أو الاستغلال السياسي خاصة في ظل عدم توفر قانون يفرض عقوبات، لافتة إلى أن آلية المنع أو المراقبة التي تنهجها الدولة في صد الأحزاب السياسية غير كافية.

وتؤكد الباحثة المغربية على أهمية اعتماد مقاربة تضامنية شاملة  الفئات المحتاجة كي لا تكون هدفاً سهلاً للاستغلال السياسي، وكذا لقطع الطريق أمام الأحزاب السياسية الساعية إلى ذلك.