جدل في الجزائر بشأن استخدام السلطة "هيئة الفتوى" للتحذير من الحراك

جدل في الجزائر بشأن استخدام السلطة "هيئة الفتوى" للتحذير من الحراك

11 فبراير 2021
تدخّل المؤسسة الدينية ضد الحراك وُصف بـ"التوظيف السياسي" (Getty)
+ الخط -

تثير عودة السلطة السياسية في الجزائر إلى استخدام المؤسسات الدينية في الشأن السياسي، ودفع المراجع الدينية إلى إصدار مواقف وتحذيرات من الخروج على السلطة أو الاستجابة لنداءات التظاهر المعلنة على مواقع التواصل الاجتماعي، جدلاً متصاعداً في البلاد بسبب ما يعتبره الناشطون "انحرافاً وتوظيفاً سياسياً".   

ورد وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري يوسف بلمهدي على اتهامات للسلطة بتوظيف المرجعيات الدينية والفتاوى لأغراض الدعاية السياسية والانحياز لمشاريع السلطة، من خلال مهاجمة طروحات المعارضة، ووصف مواقفها بـ"الفتنة"، وقال بلمهدي، في تصريح صحافي على هامش زيارته الميدانية إلى ولاية أم البواقي شرقي الجزائر، اليوم، "الكلمة المغرضة وزرع الشبهات الموجودة في كل مكان من طرف أعداء التقدم والاستقرار، ودحرها، مبدأ ديني وليس بياناً سياسياً للمتاجرة".   

ودافع الوزير الجزائري عن موقف المراجع الدينية، وقال إن "العالم الافتراضي أصبح مكاناً للحرب عن طريق تجنيد قوى أجنبية لأشخاص يمارسون حرب التشكيك وزعزعة الصفوف في الجزائر"، وكان بلمهدي يعلق على ردود فعل صاخبة من قبل الناشطين والقوى المدنية منذ الأربعاء الماضي، بعد إصدار لجنة الفتوى التابعة لوزارة الشؤون الدينية فتوى تحذر فيها الجزائريين من الانسياق وراء ما تصفها بـ"محاولات التفرقة والتنازع، سيما في ظل المؤامرات الأجنبية التي تحاك ضد للبلاد، وضرورة المساهمة في الحفاظ على اللحمة القوية بين الشعب والسلطة والجيش".

وزعمت اللجنة أنه من "الواجب على كل مواطن إذا لاحت بوادر الفتنة أن يحسم الدواعي ويقطع أسباب التنازع عملاً بمبدأ سد الذريعة وتحقيقاً للمصلحة الراجحة، لا سيما وقد أخذت تتضح خيوط المؤامرات الأجنبية التي تصنعها مخابر الفتنة والحقد ضد الجزائر والتي تهدف للتشكيك في أواصر اللحمة القوية بين مكونات المجتمع الجزائري شعباً وسلطة"، في سياق تحذيراتها من الاستجابة لدعوات متصاعدة على مواقع التواصل الاجتماعي للتظاهر ومواصلة الحراك الشعبي للمطالبة بالديمقراطية والحريات، وهو ما اعتبره بيان لجنة الفتوى "خطر الكلمة خصوصاً في هذا الزمن الذي تطورت فيه وسائل التواصل وصارت تنقل عبر قنوات كثيرة وخصوصاً الفضاء الإلكتروني، الذي تتخذه بعض الجهات ميداناً لحروب ممنهجة ضد الأمم والدول والشعوب".  

ونشرت كثير من المواقف الرافضة لهذه الفتوى، والمستغربة لصدورها، خاصة وأن هيئة الفتوى لم تصدر في المقابل بىانات تدين مظاهر الفساد الحكومي والظلم القائم على الشعب. وقال الناشط في الحراك الشعبي، عبد السلام بوقوفة، لـ"العربي الجديد"، إن لجوء السلطة إلى مسعى توظيف المؤسسة الدينية لصد دعوات التظاهر يؤكد أنها فعلياً في حالة خوف من المتغيرات، وهذا الأسلوب هو نفسه الذي لاحظناه عشية اندلاع مظاهرات الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019، لأن النّظام، وبالرغم من استرجاعه لبعض زمام الأمور بعد الهزات العنيفة التي أحدثها الحراك في أركانه، يبقى تسييره لمرحلة ما بعد الحراك ومحاولات احتوائه للوضع أضعف من أيّ وقت مضى.. ولذلك كل سلوكياته وتصرفاته تراها مرتبكة وفاشلة أحياناً، ويسعى  من جانب آخر إلى تغذية الاصطفاف الأيديولوجي والتفرقة بين الفاعلين في الحراك، ليستفيد لا محالة من مزيد من الاستمرارية".  

وبحسب تفسير الباحث عبد الحميد إبراهيمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، فإن "استغلال رجال الدين قديم في تاريخ الجزائر المعاصر، ويعود حتى إلى عهد الاحتلال الفرنسي، حيث عمد الأخير لاستغلال بعض شيوخ الطرق الصوفية وشراء ذممهم لغرض استصدار فتاوى للجزائريين تثبت قدرية الاحتلال ووجوب الرضوخ للسلطة الفرنسية"، لافتاً إلى أن السلطة في الجزائر، ومنذ السنوات الأولى للاستقلال، "احتكرت الدين من خلال تثبيته كمادة في الدستور تقر بأن دين الدولة هو الإسلام، رغم انحصاره حقيقة في قانوني الأسرة والميراث، ورغم غياب المفتي للدولة ككثير من الدول الإسلامية، إلا أن وزارة الشؤون الدينية والمجلس الإسلامي الأعلى الممثلين لإسلام السلطة،كثيراً ما تتدخلان في السجالات السياسية التي تحتمل اجتهادات واسعة، وتصدر بناء على ذلك فتاوى تذم نقد السلطة السياسية أو اختياراتها، وتدعو المواطنين لوجوب الخروج للانتخاب وحرمة المقاطعة، وأحياناً تشير مباشرة لمواقف وتصريحات المعارضة، وتحريم المظاهرات والاحتجاجات بدعوى تهديد الأمن والاستقرار". 

وأضاف  إبراهيمي أنه يتم في الوقت الحالي" استغلال المؤسسات الدينية الرسمية في الجزائر من خلال تجنيد أئمة المساجد في محاولة لتجريم الحراك الشعبي وإقناع الشباب في العدول عن الخروج للمطالبة بمحاربة الفساد وضرورة بناء مؤسسات شرعية نابعة من الإرادة الشعبية بدعوى أن ذلك خروج عن الحاكم وقد يؤدي لحدوث فتنة في البلد، في حين لا تتوجه هذه المؤسسات الدينية ولا رجال الدين بالنصح للحكام ودعوتهم لاحترام خيار الشعب في الانتخابات وإعلان حرمة التزوير، وحثهم على التفاني في توفير أساسيات الحياة الكريمة للمواطن الجزائري".