جدل بأميركا حول تحصين الجيش ضد العنصرية ومحاولات تسييسه

جدل بأميركا حول تحصين الجيش ضد العنصرية ومحاولات تسييسه

24 يونيو 2021
وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن كشف عن خطوات لمحاربة العنصرية (Getty)
+ الخط -

منذ حوالي سنة وموضوع العنصرية في الجيش الأميركي تتراكم عناصره وتتوالى مظاهره التي بلغت ذروتها في غزوة الكونغرس الأميركي يوم 6 يناير/كانون الثاني الماضي، فالمؤشرات عن تلوث المؤسسة العسكرية أو حتى الاشتباه بتلوثها بالعنصرية فضلاً عن محاولات جرّها إلى الدخول طرفاً في الصراع السياسي المحتدم قبيل وبعد انتخابات الرئاسة الأخيرة، حملت البنتاغون، خاصة بعد مجيء بايدن، إلى القيام بعملية استدراك أثارت نقمة الجمهوريين الموالين للرئيس السابق دونالد ترامب في الكونغرس.

وتفجّر التوتر بين الجانبين، أمس الأربعاء، بصورة غير معهودة في الجلسة التي عقدتها لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب مع وزير الدفاع، لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان، الجنرال مارك مايلي، والمناسبة كانت مخصّصة لبحث موازنة الوزارة، لكنها تحوّلت إلى تراشق، على المكشوف، حول سعي البنتاغون لمواجهة العنصرية في الجيش، كما حول اتهام وزارة الدفاع "بالانحياز ضد المحافظين البيض"، أي ضد فريق تيار ترامب.

التهمة بحد ذاتها حساسة لطابعها السياسي، ويزيد من حساسيتها أنها تأتي في وقت يتولى فيه أميركي أسود، الجنرال لويد أوستن، وزارة الدفاع، مع ما في ذلك من غمز عنصري مبطّن يطاول قيادة المؤسسة العسكرية، التي يُنظر إليها بأنها محصنة أكثر من غيرها ضد التمييز والانحياز السياسي.

خلال الجلسة اشتكى النواب المحافظون من خطوات "مبالغ فيها" تقوم بها وزارة الدفاع لاحتواء أو اقتلاع الثقافة العنصرية في صفوفها، ومن هذه الخطوات تضمين هذا الموضوع في بعض الدروس التي تعطى لتلامذة المدرسة الحربية الشهيرة "ويست بوينت" التي تخرّج ضباط القوات المسلحة، وفي زعمهم أن هذا التوجه يعزز "الخلافات والانقسام" داخل الجيش، الملاحظة اعتبرها رئيس الأركان مايلي إهانة، مبرراً تدريس هذا الموضوع وفتح العيون عليه من زاوية العمل على "فهم العنصرية وأسباب الغضب في صفوف البيض، والمناخات التي أدت إلى هجمة 6 يناير ومحاولة الانقلاب على الدستور" وبالتالي لمعالجتها ومنع تكرارها.

رد مايلي كان إدانة قوية غير مباشرة للاجتياح ومن كان وراءه، ضمناً ترامب وفريقه والموالين له، وفي ذات الوقت كان رسالة تحذير وتحديد لموقف القوات المسلحة من مثل التوجه، كما أعرب هؤلاء عن اعتراضهم على ما قامت به الوزارة من عقد لقاءات مع كافة الوحدات العسكرية كل على حدة، ولمدة يوم كامل لغرض "البحث في مسألة التطرف" في صفوفها. رد وزير الدفاع لم يكن أقل امتعاضاً من كلام مايلي، مفنداً تهمة بأن المقصود من هذا الإجراء "ليس الاعتراض على قناعات العسكريين" ومحاولة قولبة تفكيرهم، بل مجرد "التعرف على سلوكياتهم".

هذه المساجلة العلنية غير المسبوقة، جاءت نتيجة لتراكم الاحتقان والتنافر بين الجانبين، على إثر محاولة ترامب الاستعانة بالقوات المسلحة لتعزيز وضعه ومواجهة التظاهرات التي اندلعت قبل حوالي سنة، بعد وفاة الأميركي الأسود جورج فلويد اختناقاً تحت ركبة شرطي أبيض، آنذاك استدعى ترامب رئيس الأركان مايلي للخروج معه وباللباس الميداني إلى حديقة لافاييت المتاخمة للبيت الأبيض، كرد على التظاهرات وكتلويح بالجيش لقمعها، لكن مايلي سرعان ما استدرك الأمر وأصدر بياناً نقد فيه خطوته وشدد فيه على رفض التدخل العسكري في الشؤون السياسية.

القصة أثارت كثيرا من اللغط والتساؤلات ولغاية اجتياح الكونغرس، حيث تبين يومذاك أن عدداً لا بأس به من العسكريين ورجال الأمن المتقاعدين شاركوا في العملية، مما حمل على الاعتقاد بأن المؤسسة الأم غير خالية من لطخة العنصرية وربما كانت مستشرية فيها، وكان تردد في حينه أن الجهات العسكرية في البنتاغون، التي كان القرار بيدها، تلكأت أو تعمّدت التأخير في إصدار الأوامر الفورية للحرس الوطني بالتوجه السريع إلى الكونغرس لرد الهجمة، وبعد نحو شهرين طلب الوزير أوستن، فور تعيينه، القيام بعملية مسح في القوات المسلحة لتشخيص حالات التطرف والميول العنصرية بين أفرادها والعودة إليه بتقرير شامل في غضون 60 يوماً، وكان تردد في حينه أن نسبة التلوث العنصري في الجيش تجاور 30% أو ربما أكثر، ومن هنا كان إدخال الموضوع العنصري في التدريس بالكلية الحربية، وكان قيام البنتاغون بعملية الاستقصاء عن مدى تمدّد هذه النزعة في صفوف العسكريين، والتي أثارت انزعاج النواب المحافظين.

فتح هذا الموضوع على هامش جلسة مخصصة للموازنة، كشف عن نية فريق المحافظين شد العصب العنصري في مؤسسة كان الاعتقاد أنها فوق عطب من هذا النوع، كما كشف عن مدى التخوف لدى قيادة البنتاغون من اللعب بهذه الورقة في المؤسسة العسكرية، الحذر عند البعض أن تبقى هذه الخلفية والنوايا والأعطاب منتعشة لحين حلول الاستحقاقات الانتخابية في 2022 للكونغرس وفي 2024 للرئاسة.

المساهمون