أثارت انتخابات مجلس الشيوخ في الصومال واختيار مقربين من رؤساء الولايات الفيدرالية الخمس، ردود فعل كبيرة وموجة غضب من المرشحين للانتخابات الرئاسية. وتحدثت وسائل إعلام محلية عن حدوث خروقات وفساد في عملية تنظيم انتخابات الشيوخ، ليتصدّر مقربون من رؤساء الولايات مقاعد المجلس، فيما مُنع عدد من المرشحين من الترشح، من دون وجود أعذار وأسباب مقنعة من قبل اللجان المنظّمة لانتخابات مجلس الشيوخ في الولايات الفيدرالية، وهو ما من شأنه أن يشوّه نزاهة الانتخابات النيابية في البلاد، وفق محللين. وحول هذه التطورات، قال رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات المستقلة محمد حسن عرو، في تصريح صحافي لوسائل إعلام محلية يوم الإثنين الماضي، إنه من غير المقبول أن يصبح أعضاء اللجنة المنظمة للانتخابات النيابية (مقاعد مجلس الشيوخ والشعب) مجرد حكام يصفقون لفساد رؤساء الولايات الفيدرالية، خصوصاً في عملية تعيين الناخبين وإجراء انتخابات أعضاء البرلمان بغرفتيه. وأكد أن انتخابات مجلس الشعب (275 عضواً) تختلف تماماً عن انتخابات مقاعد مجلس الشيوخ، حين كان لرؤساء الولايات الدور الكبير والسلطة الفعلية في تنظيم ومراقبة سير عملية الانتخابات، لكن رجال العشائر وأعضاء من المجتمع المدني، هم الذين سيتولون عملية تعيين الناخبين لمقاعد مجلس الشعب، ولا دور لرؤساء الولايات الفيدرالية أو تدخلاً محتملاً في انتخابات مجلس الشعب.
ستتولى العشائر عملية تعيين الناخبين لمقاعد مجلس الشعب
وحذّر عرو من تكرار هذه التجربة التي شوهت صورة وشفافية الانتخابات النيابية، وشدّد على أن الانتخابات الأخيرة التي جرت في البلاد، لا يمكن وصفها بانتخابات ديمقراطية. ووفق مصادر صحافية، فإن رؤساء الولايات الفيدرالية، سلبوا عدداً من المرشحين المعارضين لهم حق الترشح لعضوية مقاعد مجلس الشعب، وهو ما قد يهدد سير عملية تنظيم الانتخابات النيابية إذا تكررت تجربة انتخابات مقاعد مجلس الشيوخ أخيراً، وينسف جهود المجتمع الدولي في تنظيم انتخابات شفافة في البلاد.
وأصدرت اللجنة الوطنية للانتخابات المستقلة يوم الإثنين الماضي خريطة انتخاب أعضاء مجلس الشعب الصومالي، لكنها سرعان ما أثارت جدلاً وخلافات سياسية في البلاد بين اتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية من جهة، ورؤساء الولايات الفيدرالية من جهة ثانية. وقررت لجنة الانتخابات أن يتم تعيين الناخبين من قبل رجال العشائر (101 ناخب لكل مقعد)، بينما رؤساء الولايات الفيدرالية يسعون لأن تكون لهم السلطة في تعيين رجال العشائر الذين يعينون الناخبين بدلاً من سلاطين ووجهاء كل قبيلة، وهو ما يشكك في نزاهة الانتخابات النيابية خصوصاً مقاعد مجلس الشعب، وذلك بعد فقدان الثقة بين رؤساء الولايات الفيدرالية والمرشحين لعضوية البرلمان بغرفتيه والمرشحين للانتخابات الرئاسية.
وأفاد بيان لاتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية يوم الإثنين الماضي بعد سلسلة من المشاورات استمرت لمدة يومين، بأن من الضروري وضع حدٍ لتدخل رؤساء الولايات الفيدرالية في الانتخابات التشريعية المقبلة، وأن يبقى دورهم فقط في تسهيل إجراءات وترتيبات انعقاد انتخابات مقاعد مجلس الشعب. ودعا الاتحاد، المرشحين إلى ضرورة إرسال مراقبين وبعثات أجنبية لمتابعة سير عملية تنظيم الانتخابات النيابية، وذلك بهدف صون نزاهة الانتخابات المقبلة، وعدم حصرها بيد سلطات الولايات الفيدرالية، للحؤول دون تكرار تجربة انتخابات مقاعد مجلس الشيوخ، إلى جانب تنظيم مؤتمر تشاوري موسع بين رؤساء الولايات الفيدرالية والحكومة الصومالية واتحاد المرشحين للانتخابات قبل بدء انتخابات مقاعد مجلس الشعب، بهدف مناقشة المستجدات الأخيرة حول المسار الانتخابي والاستحقاق الرئاسي المقبل.
وفي السياق، قال الباحث السياسي علي سعيد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الانتخابات التي جرت في الأقاليم الفيدرالية، كانت معلومة النتائج سلفاً، خصوصاً النواب الذين تصدروا المشهد الانتخابي، وهذا ما لم يكن موجوداً في السابق في انتخابات مقاعد مجلس الشيوخ عام 2016، ما يجعل النواب المختارين ممولين من جهات خاصة. وأضاف أنه لا يمكن وصف الانتخابات التي شهدتها البلاد بالشفافة، إذا لم تتوافر فيها معايير النزاهة، بقدر ما كانت مسبقة النتائج، إذ منع عدد من المرشحين من الترشح، فضلاً عن الضغوط السياسية والمالية التي مورست بحق أعضاء برلمانات الولايات لانتخاب أشخاص معينين ومختارين بعناية من قبل رؤساء الولايات الفيدرالية. ولم تجرِ عملية مراقبة من قبل وفود محليين أو إقليميين للاطلاع على سير ونزاهة الانتخابات، وهو ما يوحي بأن خروقات كبيرة شابت عملية تنظيم أعضاء مقاعد مجلس الشيوخ.
وقال إن إجراء انتخابات نيابية غير شفافة ستكون له انعكاسات أمنية واجتماعية في البلاد، وإن انتخاب مقربين أو متحالفين مع رؤساء الولايات الفيدرالية ولا يمثلون قبائلهم أو المناطق التي يتحدرون منها، سيترك آثاراً اجتماعية وسياسية في البلاد، بغض النظر عن النظرة الضيقة المستقبلية والتي محورها ما إذا كان سينتخب لهذا المرشح للانتخابات الرئاسية أو ذاك أم لا، وهو ما سيفاقم فعلاً نسبة الفساد في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
نتائج الانتخابات التي جرت في الأقاليم كانت معروفة مسبقاً
وكان رئيس الحكومة الصومالية محمد حسين روبلي، قد قال في لقاء مع الجالية الصومالية في كينيا الأسبوع الماضي، إن الانتخابات النيابية والرئاسية التي شهدتها الصومال عام 2016، تبدو هي الأفضل حتى الآن مقارنة مع ما يجري حالياً من أزمات ومشاكل وتعقيدات سياسية حول عملية تنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية. ولفت إلى أن "الوضع السياسي في البلاد مختلف تماماً عن السابق، من ناحية الاستقرار السياسي والأمني، وهو ما لا يمكنني من الخوض في سباق الانتخابات الرئاسية، لكن الحكومة الفيدرالية ستركز حالياً على تنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية في البلاد".
ووفق مراقبين، فإن الانتخابات النيابية التي تشهدها الصومال في الفترة ما بين أغسطس/آب الحالي وأكتوبر/تشرين الأول المقبل، ستكون المرحلة الحاسمة لمستقبل البلاد؛ فأعضاء البرلمان بغرفتيه هم الذين سينتخبون رئيس البلاد في العاصمة مقديشو أواخر هذا العام، وهو ما يجعل معركة الانتخابات النيابية حامية الوطيس بين رؤساء الولايات الفيدرالية واتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية، إلى جانب دور التدخل الأجنبي والمالي السياسي، والاصطفاف الداخلي لانتخاب رئيس رابع منذ عقد ونيف.