"جدار" جديد يقسم ألمانيا بين شرق وغرب... ميل شبابي نحو الأجنحة "الراديكالية"

25 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 15:39 (توقيت القدس)
من الانتخابات الألمانية في برلين، 23 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعكس الانتخابات البرلمانية الألمانية الأخيرة انقسامًا سياسيًا بين الشرق والغرب، حيث يبرز حزب "البديل من أجل ألمانيا" في الشرق، بينما يسيطر التحالف المسيحي في باقي المناطق، مما يعكس استمرار الفجوة بين ألمانيا الشرقية والغربية سابقًا.

- يتجه الشباب الألماني نحو خيارات سياسية جذرية، مع دعم كبير لحزب "البديل" و"دي لينكه"، مما يعكس عدم رضاهم عن الطبقة السياسية التقليدية، حيث تلعب الشخصيات الشابة دورًا في جذبهم من خلال التركيز على القضايا الاجتماعية.

- تواجه ألمانيا تحديات في التعامل مع الانقسام السياسي المتزايد، حيث يسعى اليمين المتطرف لاستغلال مظلومية غياب المساواة، بينما يسعى اليسار لتعزيز العدالة الاجتماعية، مما يشير إلى تغييرات سياسية واجتماعية محتملة.

بعد نحو 36 عاماً على انهيار جدار برلين الذي قسّم الألمان بين شرق وغرب، تقدّم تفاصيل انتخابات ألمانيا البرلمانية أول من أمس الأحد، صورة تذكر بذلك الجدار، وإن على المستوى السياسي-الحزبي. توزع خريطة البلد الكبير، يضم نحو 84 مليون نسمة وحوالى 60 مليون ناخب، بين شرق وغرب ويعطي صورة عن الانقسام المتحول إلى واقع معزز بتقدم اليمين المتطرف في حزب البديل من أجل ألمانيا.

في الشرق الألماني، باستثناء برلين التي حقق اليسار (دي لينكه) في بعض مناطقها تقدماً كبيراً، تلونت الخريطة باللون الأزرق المعبّر عن "البديل". تلوّن شمال البلد ووسطه وغربه وجنوبه بالأسود، لمصلحة التحالف المسيحي بين الاتحادين الديمقراطي والاجتماعي المسيحي، مع استثناءات لأحزاب يسار، ويسار الوسط، والخضر.

الواضح والمثير للانتباه في التقسيم الجغرافي-السياسي، أنّ اختفاء جدار برلين عام 1989، لم ينهِ الخط الفاصل بين الشرق والغرب. فالبقعة الزرقاء التي تسود الشرق، أو داخل حدود ما كان يعرف باسم جمهورية ألمانيا الديمقراطية (دي دي آر)، تبيّن مستوى تراجع يسار الوسط في الحزب الاجتماعي الديمقراطي، لمصلحة "البديل". والاستعانة بالأرقام تكشف أيضاً وجهاً آخر لهذا الاستقطاب الحاصل. فالشباب الألماني "يتخذ خيارات جذرية" أو راديكالية، أقله وفقاً لما عنونته صحيفة فرانكفورتر روندشاو الألمانية، اليوم الثلاثاء.

وبحسب استطلاع رأي أجراه معهد إنفراتست، فإن الفئة العمرية الشبابية بين 18 و24 عاماً صوتت بواقع 21% لـ"البديل" (حقق وطنياً نحو20%)، بينما اختار 25% من الشريحة نفسها التصويت لليسار دي لينكه (حقق 8.8% على المستوى العام). وتوضح الأرقام عزوفاً شبابياً عن التصويت للتحالف الديمقراطي المسيحي، الذي لم يحقق سوى 13% من أصوات تلك الفئة العمرية، بينما هي نحو 12% ليسار الوسط الاجتماعي الديمقراطي. أضف إلى ذلك أن "الخضر" لم يحصل إلا على 10% من تصويتهم، وبقية الأحزاب راوحت بين 5 و6% ممن هم بين 18 و24 سنة.

ولعبت في حزب دي لينكه الشخصية الشبابية اليسارية هايدي رايشينك دوراً رئيسياً في اجتذاب الشباب، عبر وسائل التواصل، وخصوصاً بتركيزها على النواحي الاجتماعية التي تهمّ الشباب، وبينها وضع سقف لأجور المنازل، ورفع الحد الأدنى للأجور. ورايشينك، التي يطلق عليها شبيبة الحزب "الملكة هايدي"، خبيرة بسياسات الشرق الأوسط، وتعرف اللغة العربية، حيث قضت بضعة أشهر في جامعة القاهرة في أثناء ثورة 25 يناير 2011، وهي لا تخفي ماركسيتها، واتخاذها من روزا لوكسمبورغ أيقونة ثورية واشمة صورتها على ذراعها. وفي الحياة السياسية يصنف الحزبان على جهة "التطرف" أو "التشدد"، بل إن بعض أجزاء من حزب البديل يراقب استخبارياً (من مكتب حماية الدستور) باعتباره مهدداً للدستور.

اتخاذ الشباب خيارات "جذرية" لا يمكن فصله عن قراءتهم السلبية للطبقة السياسية التقليدية، حيث عبّروا بنسبة 41% عن أن الحكومة لا تهتم بالناس العاديين، وفقاً لدراسة من معهد أبحاث الأجيال في العام الماضي. وعبّر هؤلاء عن رغبتهم في التصويت لـ"البديل" أو حزب تحالف سارة فاغنكنشت أو دي لينكه اليساري، ما أظهر تراجع مصداقية حكومة ائتلاف "إشارة المرور" بين يسار الوسط والخضر والليبراليين بزعامة المستشار أولاف شولتز.

وتؤكد لـ"العربي الجديد" البرلمانية الجديدة، الفائزة عن مدينتها كيل (شمالاً) عن حزب دي لينكه، تمارا مازي، أنّ "التصويت الشبابي لليسار يرسل رسالة واضحة بأنه لا يهمه تصنيفنا يساراً راديكالياً، بقدر ما يهمه عملنا لمصلحته ومن أجل مستقبله". صحيح أن الطبقة السياسية ستحاول الحفاظ على تفاهمات منع منح اليسار والبديل نفوذاً في تقرير سياسات البلد، إلا أن مازي تؤكد أن "لنا الحق في طرح القوانين التي نراها في مصلحة بلدنا، ومن بينها حظر توريد السلاح الألماني نحو المناطق التي تشهد حروباً واستخداماً له ضد المدنيين".

وما يلفت في التصويت الألماني، الأحد الماضي، أن الذكور كانوا أكثر ميلاً للتصويت ليمين الوسط واليمين المتشدد، بينما اختارت النساء التصويت أكثر لليسار ويسار الوسط والخضر. في كل الأحوال، وبالعودة إلى الخريطة الأوسع، فمن الواضح أن الألمان يستفيقون الآن من حمى الانتخابات، ليشاهدوا بلادهم وقد تقسمت بين أزرق شرقاً في العموم، وأسود وجيوب حمراء وغيرها غرباً، وكأن ما حققه "البديل" المتطرف يؤدي إلى ظهور "ألمانيا الديمقراطية (الشرقية)" بصورة افتراضية، وتماماً خلف الحدود الوطنية التي قسمت البلدين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى 1990. ولا تزال تُسوَّق في الشرق الألماني مظلومية غياب المساواة بين شرق البلاد وغربها، وهو ما يلعب على وتره اليمين المتشدد، إلى جانب لعبته المفضلة بالتخويف من المهاجرين والمسلمين.

المساهمون