جبهة للمعارضة داخل العراق: تعويل على الشارع لا الانتخابات

جبهة للمعارضة داخل العراق: تعويل على الشارع لا الانتخابات

08 سبتمبر 2021
يسعى التجمع الجديد لضمّ المزيد من المحتجين (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

في خطوة هي الأولى من نوعها منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تشكلت في بغداد، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما يمكن اعتبارها أولى الجبهات السياسية المعارضة التي ستعمل من داخل البلد، وفقاً لأعضاء من داخل هذا التكتل الجديد تحدثوا لـ"العربي الجديد" بشأن ذلك. وتتكون الجبهة الجديدة بالغالب من قوى مدنية وشعبية لا طائفية، تشكل الكثير منها عقب الاحتجاجات الشعبية التي عمت مدن جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد نهاية العام 2019، واستمرت لنحو 14 شهراً متواصلة، وتسببت بمقتل أكثر من 700 متظاهر وجرح الآلاف.

باسم الشيخ: من أهم أولويات التجمع التأكيد على الهوية الوطنية الجامعة للعراقيين

وعقد السبت الماضي، أول اجتماع للقوى، التي انضوت تحت مسمى "تجمع قوى المعارضة العراقية"، في تطور يوضح بعض الناشطين في هذا التجمع، لـ"العربي الجديد"، أنه يمثل أحد أشكال التظاهر والاحتجاج السلمي، مشيرين إلى أن هدف المعارضة إزاحة العملية السياسية عن المحاصصة الطائفية والحزبية، واعتماد مبدأ المواطنة والدولة المدنية كونها الحل الأمثل لبلد مثل العراق، متعدد الطوائف والقوميات.
وبحسب قادة في التجمع الجديد، فإنه يضم أحزاباً ونخباً سياسية وشخصيات أكاديمية وأدباء وكتّاباً وكفاءات مهنية ونقابات واتحادات، كما أنه يسعى للتوسع عبر ضمّ المزيد من المحتجين، كجناح شعبي جاهز للنزول إلى الشوارع في حال استمرت السلطات بإهمال مطالب الإصلاح وتأسيس "دولة حقيقية، لا جمعية توافقات وحصص"، على حد تعبير أحد الفاعلين في التجمع، في وقت اختارت الجبهة الجديدة مقاطعة الانتخابات في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتواصلت "العربي الجديد" مع الناطق الرسمي باسم تجمع المعارضة باسم الشيخ، الذي قال إن "الكيانات السياسية الجديدة التي أسست لهذا التجمع تقدر بـ 40 كياناً، وهي جاهزة لخوض أولى التجارب العراقية المعارضة لشكل النظام الحالي، وطريقة إدارة الدولة منذ العام 2003". وأكد أن "انفلات السلاح بات يعيق أي عمل شبابي أو حراك سياسي مستقل، وبالتالي فإن بقاء الوضع على ما هو عليه، مع السيطرة الحكومية وقوات الأمن على الساحات وميادين الاحتجاج لمنع أي انتفاضة، يُجبرنا على اتباع الطرق السلمية الأخرى، ومنها فضح النظام الحالي وفساده، وسطوة الأحزاب عليه، من بوابة العمل السياسي، دون الاشتراك مع هذه الأحزاب في لوثة المحاصصة والتنافس على المناصب".

وأوضح الشيخ أن "من أهم أولويات التجمع التأكيد على الهوية الوطنية الجامعة للعراقيين، وليس ما عملت الأحزاب والفصائل المسلحة على افتعاله، من خلال تعكير صفو المجتمع العراقي الواحد عبر إثارة النعرات الطائفية، إضافة إلى الرفض القاطع لسياسة المحاصصة والتفرد بالقرارات والتحكم بالسلطة من قبل الأحزاب وبعض قادتها المزاجيين". ولفت إلى أن "الأحزاب التي تحكم حالياً حوّلت العراق إلى بلد مخترق السيادة، وباتت معظم دول الجوار قادرة على التجاوز على حدوده وحقوقه، ناهيك بالاختراق الحزبي للانتخابات، وامتلاكها أدوات التزوير والتلاعب بالأصوات وشراء المقاعد البرلمانية، وسنعمل على فضح كل هذه الممارسات".

علي الحجيمي: هناك فريق متخصص ضمن التجمع سيتجه إلى تدويل ملف الاغتيالات

وكان الشيخ قال، في تصريح عبر محطة تلفزيون محلية، إن "قناعتنا هي أن هذه القوى لا تريد أن تكون واجهة حقيقية لمسار ديمقراطي يمكن أن يعتد به في البلاد، لذلك نحن ذاهبون باتجاه الضغط بمختلف الوسائل القانونية والسلمية المتاحة لدينا من أجل تغيير هذه المنظومة"، في إشارة الى العملية السياسية الحالية، معتبراً أن الشارع العراقي "فقد ثقته بها، وهي نسفت كل الجسور بينها وبين العراقيين".
من جهته، أشار المتظاهر والناشط السياسي علي غازي الحجيمي إلى أن "تجمع المعارضة الجديد يمثل أبرز حالات الوعي السياسي الذي أعقب انتفاضة تشرين (الأول) في العراق، وهو يضم العديد من القوى السياسية والوطنية، إضافة إلى ناشطين من منظمات المجتمع المدني والحقوقيين ووجهاء في عشائر عراقية مساندة للتغيير والإصلاح في البلاد. كما أن العديد من أسر ذوي ضحايا الاحتجاجات هم من المشاركين الفاعلين في هذا التوجه". وبيّن، لـ"العربي الجديد"، أن "التوجه نحو المعارضة السياسية من الداخل هو الخيار السلمي المتاح وفقاً للدستور العراقي، ونحن نعمل من خلاله على إصلاح النظام وإبعاد القتلة والمتاجرين بالدماء. وهناك فريق متخصص ضمن التجمع، سيتجه إلى تدويل ملف الاغتيالات داخل العراق، وفضح الجهات المتورطة".
لكن ميثم الشريفي، وهو عضو في حركة "قادمون" التي تشكلت أخيراً من عشرات الشبان والناشطين المدنيين، اعتبر في حديث، لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة السياسية، من دون الاشتراك السياسي ومزاحمة الأحزاب والدخول إلى البرلمان، ستكون ظاهرة احتجاجية قد ينتهي مفعولها عبر تصفية رموزها، أو كسبهم إلى صفوف الأحزاب الفاسدة بالإغراءات. وبالتالي، يمكن القول إن أي معارضة لا تملك دعماً سياسياً من قبل فاعلين داخل البرلمان أو الحكومة، أو حتى المشاركة فقط، على سبيل التوغل في الانتخابات، لن تجدي نفعاً مع أحزاب تمتلك المال والسلاح والنفوذ". وأوضح أنهم ينتظرون "الخطوات العملية لهذا التجمع".
بدوره، رأى الباحث والمحلل السياسي عبد الله الركابي، أن "معظم قادة الأحزاب العراقية الحاكمة حالياً، والتي تسيطر على البلاد منذ الاحتلال الأميركي، كانوا من المعارضين لنظام صدام حسين، وبالتالي فهم يعرفون تماماً الخيارات الكثيرة المتاحة أمام المعارضين للنظام الحالي. وقد نشهد حالة من الغضب الحكومي والحزبي على هذا التجمع، لا سيما إذا فكر القائمون عليه بالتحرك نحو المجتمع الدولي بقضايا وملفات حقوقية وإنسانية، مثل الحريات العامة والخاصة والتعبير والرأي وسطوة المليشيات والأحزاب الدينية".

تخوف عبدالله الركابي من استهداف أي صوت معارض 
 

وأكد الركابي، لـ"العربي الجديد"، أنه "من الجيد وصول الوعي الشبابي إلى هذه المرحلة، كما أن العمل السياسي سيكون ربما أخطر من الاحتجاجات، وهناك الكثير من المشقة في طريق المعارضة لحين التوصل إلى نتائج". ودعا إلى "عدم الموافقة على أي دعم خارجي، لأن في ذلك تكراراً للأزمة العراقية الحالية". وأعرب عن تخوفه من أن "البيئة العراقية المسلحة، والرافضة لأي صوت سياسي معارض آخر، قد تعني استهداف هذا التشكيل ومواجهته، بطرق الاغتيال أو الخطف والتهديد، في حال بدأ فعلاً بتشكيل إزعاج للأطراف السياسية المسيطرة على المشهد العراقي اليوم".
وكانت التظاهرات العراقية قد اندلعت في الأول من أكتوبر 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق. وشهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، لا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل أكثر من 700 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، فيما لم تتم محاسبة أي جهة متورطة في هذه الأعمال.