في فبراير/شباط 2021، انضم رئيس حركة "العدل والمساواة" المتمردة جبريل إبراهيم، إلى حكومة عبد الله حمدوك في منصب وزير المالية السوداني، ووجد الطريق معبّداً في مهمته، لأن حكومة حمدوك نجحت في إدخال البلاد في مرحلة تعافٍ اقتصادي برفع العقوبات وإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، وحصلت على إعفاءات من الديون، وعلى دعم مالي خارجي.
في أشهره الأولى، لم يتحمس إبراهيم لضغط الحكومة المدنية وتحالفها الحاكم لجعل الشركات الأمنية برأسمالها الضخم وأنشطتها الاقتصادية المتعددة تابعة لوزارة المالية، وعارض بقوة تفكيك نظام حزب المؤتمر الوطني المنحل، وأشاع أحاديث عن عدم تسلّم وزارة المالية للأصول والأموال المستردة من عناصر النظام البائد.
لم يكتفِ بذلك، بل خلق مع آخرين بيئة مواتية للعسكر كي ينقضّوا على السلطة المدنية عبر الانقلاب العسكري. لكن فاته أن وزارته وسياستها الاقتصادية، إن كانت لديه سياسة أصلاً، هي أول من سيدفع الثمن.
عقب 25 أكتوبر/تشرين الأول، برز جبريل إبراهيم من أوائل المؤيدين لانقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، مقابل استمراره في منصبه مثل بقية ممثلي حركات التمرد، وها هو يكمل نحو 20 شهراً في الوزارة، فما النتيجة؟
النتيجة نجاح باهر ومكاسب يومية يحققها جبريل إبراهيم، ليس في مجال التعافي الاقتصادي ولا حلحلة الأزمات اليومية... بل نجاح في مجال التمكين لمنسوبي حركته، إذ يوزع عليهم المناصب الأهم في الوزارة، ويقدّم التسهيلات والإعفاءات لهم، وهو ما برز أكثر عبر تسريبات انتشرت أخيراً.
ذلك النجاح يقابله أداء هو الأسوأ على الإطلاق في تاريخ وزارة المالية. ففي عهده، شهد سعر الجنيه السوداني انهياراً غير مسبوق، إضافة إلى عجز في إيرادات الدولة، وعدم شفافية في صرف ما هو متاح، وفشل ذريع في المواسم الزراعية، وتدنٍ في الصادرات، وغلاء فاحش في أسعار السلع والخدمات، واعتماد كلي على الرسوم والضرائب التي تؤخذ عنوة من الناس. عدا الإخفاق الدائم في فتح أي قنوات تعاون اقتصادي مع أي دولة أو مؤسسة تمويل دولية أو إقليمية، على الرغم من زيارات التسوّل المستمرة لبعض البلدان.
يبدو أن زعيم "العدل والمساواة" يقرأ من كتاب تمكين الحركة الإسلامية التي استخدمته لفترتين، الأولى أثناء مشاركتها حكم الرئيس جعفر نميري، والثانية بعد سيطرتها على الحكم في العام 1989. لكن على الوزير إكمال قراءة الكتاب حتى فصله الأخير، ليعي حتمية السقوط في الحالتين، ولعنة التاريخ والناس.