"ثورة الفاصولياء" في غواتيمالا: غضب اجتماعي-اقتصادي ينفجر سياسياً

"ثورة الفاصولياء" في غواتيمالا: غضب اجتماعي-اقتصادي ينفجر سياسياً

30 نوفمبر 2020
أضرم ملثمون النار بحافلة أمام القصر الوطني (جوهان أوردونيز/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن النائب المحافظ في غواتيمالا روبين باريوس يدرك أنه عندما أطلق وصف "أكلة الفاصولياء" على المتظاهرين الذين يحتجون منذ أكثر من أسبوع، وذلك في محاولة للسخرية منهم، قدم لهم فكرة مجانية لإطلاق تسمية على حراكهم المتصاعد والذي تحول من كونه اجتماعياً واقتصادياً إلى سياسي أيضاً بعد بروز مطالبات بتنحي الرئيس أليخاندرو جياماتي.
وأطلق المحتجون اسم "ثورة الفاصولياء" على تظاهرة أول من أمس السبت بعدما وصف باريوس المتظاهرين بأنهم من "أكلة الفاصولياء". وانتشر وسم #فريخوليروسونيدس (الفاصولياء موحدة) على شبكات التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من تجميد ميزانية عام 2021 التي كانت الدافع المباشر وراء تفجّر الغضب والاحتجاجات في البلاد منذ أسبوع، إلا أن الغضب الشعبي لم يهدأ.
فهذه الميزانية، التي على الرغم من أنها الكبرى في تاريخ البلاد، يبدو أنها مثّلت الشرارة لسكان محتقنين في الأساس يتهمون حكامهم بالفساد، ويعيش نصفهم تحت خط الفقر ويواجهون تداعيات الإعصار الذي ضرب بلدهم أخيراً، إلى جانب تداعيات فيروس كورونا الذي لم تكن الأفضلية لمواجهته في الميزانية.

وتجددت الاحتجاجات أول من أمس السبت، بعد أسبوع على اندلاعها في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، عندما أدى إقرار ميزانية تقشّف تحدّ من نفقات التعليم والصحة إلى غضب الغواتيماليين، خصوصاً أن مصادقة النواب على قانون الميزانية تمت في سرية تامة وفي ساعات الصباح الأولى ليوم 18 نوفمبر، في الوقت الذي كان فيه ​إعصار​ "إيوتا" يغرق مناطق من غواتيمالا، بعدما اجتاح معظم أميركا الوسطى، وأدى إلى تشريد الآلاف من الغواتيماليين الذين فقدوا منازلهم وباتوا يعيشون في ملاجئ مؤقتة.


خمسة على الأقل من رجال الشرطة جرحوا السبت الماضي

وطالب آلاف المحتجين أول من أمس باستقالة الرئيس أليخاندرو جياماتي الذي يتهمونه بالفساد وبالحكم من دون شفافية. ورفع المتظاهرون في الساحة المركزية للعاصمة غواتيمالا أمام قصر الثقافة الوطني، المقر السابق للحكومة، لافتات كتب عليها "الشعب يجب ألا يخاف من الحكومة، بل الحكومات يجب أن تخاف من الشعب" و"ليرحل الفاسدون".

وبعد ثلاث ساعات من الاحتجاج السلمي، وصل ملثمون بحافلة نقل عام وأضرموا النار فيها أمام القصر الوطني. واستبعد المدافع عن حقوق الإنسان في غواتيمالا خوردان روداس أي مسؤولية للمتظاهرين في إحراق السيارة. وقال إن مجهولاً "ألقى زجاجة حارقة" ثم فرّ. ودان روداس وجود "مسلحين" خلال التظاهرة داعياً الشرطة إلى التحرك.

واعترفت الشرطة على مواقع التواصل الاجتماعي بأن الاحتجاج نُظم "بشكل سلمي"، لكنها قالت إن خمسة على الأقل من رجال الشرطة جرحوا. وكان جياماتي قد دعا، على وقع الاحتجاجات، إلى إجراء حوار وطني لتعديل الميزانية ودان "محاولات زعزعة استقرار الديمقراطية"، فيما تقوم بعثة من منظمة الدول الأميركية بزيارة البلاد لتقييم الوضع.

ويطالب معارضو الرئيس المحافظ باستقالته واستقالة النواب، وبأن تخصص في ميزانية الدولة موارد أكبر لمكافحة الفقر. كما يواجه الرئيس وهو طبيب، انتقادات حادة بسبب إدارته لوباء كوفيد-19 وطريقة حكمه بلا شفافية، لا سيما بعدما مرر البرلمان موازنة منحت أفضلية لإنقاذ الشركات والأثرياء على حساب مواجهة أزمة وباء كورونا، ومقابل تقليصات حادة في الصحة والتعليم. ويعاني نظام الرعاية الصحية في غواتيمالا من ضعف استثنائي ويثقل كاهل الفقراء.

وكان نائب الرئيس في غواتيمالا غييرمو كاستيو، قد حضّ الأسبوع الماضي على إثر الاحتجاجات، الرئيس على الاستقالة معه "لخير البلد". وقال كاستيو في رسالة إلى الأمة نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي وأرسلها إلى الصحافيين على مجموعات "واتساب" الخاصة بنائب الرئيس، "لخير البلد، طلبت منه أن نقدم استقالتنا معاً". وأكد أنه قال للرئيس إن "الأمور ليست على ما يرام". وأقرّ بأن علاقته ليست جيدة بجياماني. ومنذ بدء الولاية الرئاسية في يناير/كانون الثاني الماضي، برزت خلافات بين كاستيو وجياماتي.


مرر البرلمان موازنة منحت أفضلية لإنقاذ الشركات والأثرياء على حساب مواجهة أزمة وباء كورونا

وصادق البرلمان على قروض تفوق قيمتها 3.8 مليارات دولار لمواجهة تداعيات الوباء، فيما خصصت معظم الأموال الأخرى من الميزانية التي بلغت قيمتها 13 مليار دولار، وهي الكبرى في تاريخ البلاد، لصالح مشاريع بنى تحتية يديرها مقاولون وتتجاهل مكافحة الفقر وسوء تغذية الأطفال الذي يطاول قرابة نصف الأطفال ما دون الخمس سنوات. والبرلمان مؤلف بمعظمه من أعضاء الحزب الحاكم وأحزاب مرتبطة به.

وكان اشتد غضب الغواتيماليين بعد ورود أنباء تفيد بأنّ النواب أقروا ميزانية وجباتهم بقيمة 65 ألف دولار، في وقت تم فيه خفض تمويل وكالات الدفاع عن حقوق الإنسان. كما تضاعفت تقريباً ميزانيات مجالس تنمية الإدارات في البلاد، وهي الهيئات التي يديرها المحافظون ورؤساء البلديات من دون إشراف كبير. ومن أصل 13 مليار دولار من الميزانية، بلغت ميزانية مجالس الإدارات حوالي 4 مليارات دولار.

كما يطالب المعارضون باستقالة وزير الداخلية جيندري رييس، بعد قمع تظاهرات السبت قبل الماضي، ما أدى إلى جرح نحو عشرين شخصاً. وكان المتظاهرون قد أحرقوا البرلمان جزئياً حينذاك.

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون