تونس: وعود أميركية خارجة عن سياق التشاؤم

تونس: وعود أميركية خارجة عن سياق التشاؤم

12 مايو 2021
يمر الاقتصاد التونسي بأزمة خانقة (شاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

أبدت واشنطن اهتماماً متزايداً بتونس خلال الفترة الأخيرة، على الرغم من انشغالها بالعديد من الملفات والدول الأكثر أهمية ووزناً في العالم. فتأكيد السفير الأميركي في تونس، دونالد بلوم، مطلع مايو/أيار الحالي، أن الولايات المتحدة الأميركية "تعتبر تونس شريكاً ديمقراطياً هاماً، وأنها تحرص على مواصلة دعمها بشكل أكبر وعلى مدى طويل"، كان بمثابة الرسالة القوية نسبياً التي فهمها الكثيرون على أنّ إدارة جو بايدن ستعمل على عدم السماح بانهيار التجربة التونسية، على الرغم من حجم الصعوبات والمخاطر الداخلية وحتى الخارجية التي تواجهها حالياً.

أثبتت الأحداث المتتالية أنّ ما جاء على لسان السفير الأميركي ليس مجرد خطاب دبلوماسي يتبخر بعد النطق به مباشرة، وإنما هو تعبير عن وجود إرادة سياسية فعلية لدى واشنطن. وقد جاءت المحادثات الأخيرة بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي لتشكل مناسبة لإظهار مدى جدية هذه الوعود. 

قدمت أميركا نفسها كضامنة حتى يتمكّن المسؤولون التونسيون من الدخول إلى الأسواق المالية العالمية من دون عقبات

العلاقات بين البلدين قديمة جداً، تعود إلى بداية تأسيس الولايات المتحدة، وتحديداً بعد سنتين فقط من إعلان استقلالها، حين أكد جون آدامز الذي سيصبح الرئيس الثاني للبلاد أنّه "توجد دول أخرى يتعيّن إمضاء معاهدات معها في أقرب الآجال... وأعني هنا المغرب وولايات الجزائر وتونس وطرابلس". فكانت أوّل اتفاقية للصداقة والتبادل التجاري بين البلدين في 26 مارس/آذار 1799.

لهذا، لم يكن مستغرباً أن يسارع السفير الأميركي نحو طمأنة رئيس الحكومة هشام المشيشي، منذ أواسط شهر إبريل/نيسان الماضي، حين أكد له أنّ واشنطن ستدعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي "بقصد تعبئة الموارد المالية الضرورية"، وذلك في سياق "إنجاح المسار الديمقراطي". كما ثمّن السفير التقدم المحرز في البرنامج التنموي الذي تقوده مؤسسة "تحدي الألفية" الأميركية في تونس والذي "سيوفر حوالي 500 مليون دولار كهبة لدعم الاقتصاد الوطني، خاصة في مجالي النقل والزراعة".

كذلك، قدمت أميركا نفسها كضامنة حتى يتمكّن المسؤولون التونسيون من الدخول إلى الأسواق المالية العالمية من دون عقبات أو تحفظات، خصوصاً أنّ اقتصاد البلاد يمر بأزمة خانقة، وتوازناتها المالية قد عرفت اختلالاً خطيراً طيلة السنوات الأخيرة. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى قرار وكالة "موديز" الأميركية بتخفيض تصنيف تونس الائتماني من "بي 2" إلى "بي 3"، مع نظرة مستقبلية سلبية، وهو ما اعتبره خبراء اقتصاد بمثابة الإنذار الأخير لتونس. من جهة أخرى، شهدت الاستثمارات الدولية المتجهة نحو تونس انخفاضاً ملحوظاً، خلال الربع الأول من السنة الحالية، بنسبة 31.6 في المائة".

لهذا، لم يكن من باب الصدفة أن يستقبل مسؤولون أميركيون كبار أخيراً، الوفد التونسي المفاوض بعد انتهاء الجولة الأولى من المحادثات مع صندوق النقد الدولي، وذلك حرصاً منهم على تشجيع الحكومة على الشروع بالإصلاحات الضرورية حتى تحصل على الدعم المطلوب، والذي يتمثل في 4 مليارات دولار.

الصراع المتواصل بين أجنحة السلطة والرؤساء الثلاث من شأنه أن يقلل من الدعم الخارجي

تفيد هذه المؤشرات بوجود إرادة أميركية لحماية المسار الانتقالي للديمقراطية التونسية من الانتكاس والانهيار، إذ تعتبر أميركا تونس "شريكاً ديمقراطياً هاماً" كما جاء على لسان سفيرها. ولا يعود ذلك فقط إلى رغبة ورؤية بايدن وإدارته الجديدة، وهو الذي أعاد أخيراً التأكيد على أن الولايات المتحدة "لن تتراجع عن التزامها بحقوق الإنسان والحريات الأساسية"، وإنما تتسع هذه الرغبة لتشمل أيضاً معظم أعضاء الكونغرس، إلى جانب كبريات المنظمات الأميركية المدافعة عن القيم الديمقراطية في العالم. ففي تقرير حديث للكونغرس، تم التأكيد على ضرورة دعم تونس وديمقراطيتها الناشئة، وجعلها "في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الأميركية"، باعتبارها الاستثناء الديمقراطي في منطقة تعج بالاستبداد وانتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين.

الكرة الآن في مرمى النخب الفاعلة والحاكمة في تونس. فهي من جهة مُطالبة بالالتزام بتعهداتها تجاه الدول والمؤسسات الداعمة لها، ومن جهة أخرى مُطالبة بمُعالجة خلافاتها عن طريق الحوار واحترام الدستور والديمقراطية. إنّ الصراع المتواصل بين أجنحة السلطة والرؤساء الثلاثة من شأنه أن يقلل من هذا الدعم الخارجي، ويطرح لدى الأميركيين وغيرهم من الحكومات الغربية، أسئلة عديدة حول مستقبل تونس ومدى قدرة المسؤولين فيها على إدارة خلافاتهم بشكل ديمقراطي ومسؤول، خصوصاً أنّ الأوساط الدبلوماسية في تونس بدأت تلاحظ أنّ خلافات الرؤساء الثلاثة قد بلغت درجة خطيرة، وفهم بعضها من التحركات والاتصالات "السرية" التي يقوم بها أحد المتصارعين، أن الهدف منها هو تعطيل أعمال هذا الطرف أو ذاك، من أجل إضعافه أو إفشاله، ولو على حساب مصلحة البلد والشعب.

تقارير عربية
التحديثات الحية

المساهمون