تونس: هل ينجح الضغط الداخلي والخارجي في الدفع نحو "حوار وطني"؟

تونس: هل ينجح الضغط الداخلي والخارجي في الدفع نحو "حوار وطني"؟

25 أكتوبر 2021
من الاحتجاجات ضد سعيّد في تونس (Getty)
+ الخط -
يصطدم الحوار الذي يطرحه الرئيس التونسي قيس سعيّد للخروج من الأزمة برفض واسع داخل تونس من أحزاب ومنظمات وشخصيات، وخارجها أيضا من خلال مواقف الدبلوماسية الأميركية والاتحاد الأوروبي وغيرهما، إذ يدعو الجميع إلى "حوار شامل" يجمع كل مكونات المشهد التونسي، في حين يدعو الرئيس إلى حوار "مع الشباب والشعب التونسي عموما عبر المنصات الإلكترونية".
وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، اليوم الاثنين: "إذا أراد الرئيس أن يذهب لحوار مع الشباب ويستبعد المنظمات والأحزاب، فهو حر"، محذرا من "العودة لنظام الحكم الفردي".
ويفسر سعيّد الخيار بالحوار مع الشباب بأن "البعض يبحث عن الحوار لإضفاء مشروعية على نفسه، فيما نبحث نحن عن الحوار ونقبل بالرأي المخالف، ولكن في إطار الحوار الصادق النزيه، لا الحوار الذي يراد به الخروج من أزمة سياسية هم اختلقوها".
ويوضح سعيّد موقفه بسلسلة من اللاءات: "لا حوار إلا مع الصادقين الثابتين الذين استبطنوا مطالب الشعب التونسي"، ولا حوار مع ما وصفها بـ"الخلايا السرطانية"، و"الحوار مع الجميع باستثناء اللصوص ومن باع ذمته إلى الخارج"، و"الحوار المرتقب لن يشارك فيه من يذهبون إلى العواصم الغربية ومن يتسولون أمام السفارات على أعتاب بعض القوى الأجنبية"، و"من خان وطنه ووضعه في سوق يقايض به التأييد والدعم لا يمكن أن يكون ممثلا للشعب التونسي".

وجدد سعيد مواقفه تلك اليوم، لدى اجتماعه بوزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، محمد الرقيق، وقال إنه "لن يتحاور مع من نهبوا مقدرات وأموال التونسيين"، وأن "هناك من يدعو للحوار وهو متورط في قضايا"، وأنه "يتحاور مع الغلابة وليس مع نهبوهم". 

ودعا إلى وضع حدّ لكلّ محاولات نهب مقدّرات الشعب التونسي والتصدّي لمظاهر الاحتكار والرشوة والفساد واسترجاع أملاك الدولة، مشدّدا على أنه "لا يوجد أي شخص أو حزب أو تنظيم خارج القانون"، وقال إنه سيكشف الأسماء المتورطة، ودعا القضاء لـ"لعب دوره التاريخي واستعجال النظر في هذه القضايا".

وحتى قبل قرارات 25 يوليو/تموز، كان سعيّد يرفض التحاور مع الأحزاب، وقال في شهر إبريل/نيسان الماضي إن الحوار ليس هدفا في حد ذاته، وإن بعض القوى ما زالت تسيطر على أجهزة الدولة، و"التعددية الحزبية شكلية، حيث تم الانتقال من الحزب الواحد إلى اللوبي الواحد"، موضحا عدم استعداده للتعامل "مع اللوبيات ومع من سرقوا وسطوا على مقدرات هذا الشعب"، بحسب تعبيره.
وتساءل رئيس مكتب المغرب العربي للشبكة الأورومتوسطية للحقوق، رامي الصالحي، في حديث لـ"العربي الجديد": "أين مكان المنظمات الوطنية من هذا الحوار؟ وهل يمكن استثناء اتحاد الشغل والقضاة ورابطة حقوق الإنسان وهيئة المحامين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والجمعيات النسوية وغيرها؟"، مؤكدا أن "جل هؤلاء الفاعلين لا يمكن استثناؤه من الحوار إلى جانب الفاعلين السياسيين والأحزاب".
وبيّن أن "الحوار المطروح سيستثني الفاسدين، ولكن من يحدد الفاسد من عدمه؟"، مضيفا أن "هناك عدة أسئلة؛ فهل من يحدد ذلك هو رئيس الجمهورية وأعضاء حملته التفسيرية، أم القضاء؟"، مشيرا إلى أن "المرحلة غامضة والمنهج الإقصائي نفسه يتواصل من رئيس الجمهورية؟".
وتابع المتحدث أن "الحل يكمن في عودة الرئيس إلى الجادة والتواصل مع الفاعلين السياسيين ومنظمات المجتمع المدني، بما يغلق الباب أمام كل التدخلات الخارجية عبر خفض منسوب الاحتقان مع الشركاء الدوليين والدفاع عن مصالح كل التونسيين، الذين همهم الأول هو الدفاع عن القضايا الاجتماعية قبل مشروعه السياسي".
ودعا حزب التكتل الديمقراطي، اليوم الاثنين، إلى ''حوار وطني جدي وليس استشارة عبر الإنترنت، من أجل تصحيح حقيقي للانتقال الديمقراطي والعودة إلى مسار دستوري يحترم المؤسسات ويحكم الشعب عبر الانتخاب الحر''.
وعبّر الحزب، في بيان أصدره إثر اجتماع مكتبه السياسي، عن ''قلقه من تواصل وتعقد الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة''، إذ ''يتواصل خرق الدستور دون أي خطة أو خريطة طريق للخروج من الوضع الاستثنائي ودون أي توجه تشاركي جدي لصياغة حل للأزمة السياسية والمؤسساتية".
من جهته، قال الوزير الأسبق والقيادي المستقيل من حركة "النهضة" عبد اللطيف المكي: "في حين يقودون البلاد إلى الهاوية المالية والاقتصادية وإلى العزلة العالمية، يتحدثون عن حوار اللجان الثورية".
وأوضح المكي، في منشور على صفحته في "فيسبوك": "لا جدوى من حوار، مهما كان، في ظل الاستقواء بالقوة الصلبة وتعليق الدستور، ولا جدوى من حوار إلا إذا كان بإشراف محايد ولا تتجادل فيه الفكرة إلا مع الفكرة، ولا قيمة  لحوار في ظل خطاب التقسيم والتشويه واحتقار المخالفين في الرأي". واختتم بالقول: "أوقفوا اختطاف الدولة وأعيدوا المؤسسات، وليكن الحوار".
ولكن الموقف الوازن هو موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي قاد حوار أزمة 2013 الخانقة، وتمكن بمعيّة منظمات أخرى من نزع فتيلها وصياغة الدستور والوصول إلى انتخابات 2014.
موقف اتحاد الشغل بخصوص خيارات الرئيس سعيّد كان واضحا، وجاء بعد صبر طويل وانتظار أن يطرح سعيّد مشروعا ينهي ما قبل 25 يوليو، ولكن لا يذهب في المقابل بالبلاد إلى المجهول. وأمهل الاتحاد سعيّد قرابة ثلاثة أشهر، ولكن يبدو من خلال التصريحات والمواقف أنه توصل إلى استنتاج أن البلاد تقف على مفترق خطير، وأن سعيّد يريد أن يستفرد بالحل وينجز مشروعه السياسي الشخصي، ولذلك جاء موقف الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي حاسما بأن "رسم مستقبل تونس لا يمكن أن يتم بمعزل عن الاتحاد، ولا أحد بإمكانه تجاوز المنظمة النقابية، وهذا ما أثبته تاريخ تونس".
وقال الطبوبي، في مؤتمر نقابي السبت، إن حل الأزمة في تونس "لا يكون عبر التصادم والتدافع وتقسيم التونسيين، ولن يكون أيضا عبر الإقصاء، لأن الجميع تونسيون ولهم الحق في بلادهم". وأضاف "لن نقدم صكا على بياض لأحد".
وشدّد الطبوبي على أن "أي ديمقراطية في العالم تقوم على الأحزاب، ومحاسبتها تكون عبر الصندوق، وإرادة الشعب تتجلى هناك، وهو الذي يختار ويقصي، والاتحاد العام التونسي للشغل لن يقبل بخيار اللجان الشعبية"، في إشارة إلى المشروع السياسي للرئيس سعيّد. ومضى إلى القول إن "الاتحاد لا يقبل بمشروع يعود بالبلاد إلى الحكم الفردي".
من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم الاتحاد سامي الطاهري أن "الحوار في ظرف الأزمات يعد آلية لتجميع الفرقاء حول الإصلاحات، ويتطلب من رئاسة الجمهورية إعداد المضامين والآليات مع مختلف مكونات الحوار حتى يحقق غايته".
وشدد على "أهمية مشاركة النسيج المتنوع للمنظمات التونسية في الحوار الوطني"، وذكّر، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، بموقف الاتحاد العام التونسي للشغل الرافض العودة إلى منظومة ما قبل 25 يوليو، لافتا إلى أن "العودة إلى التجربة النيابية تفرض إجراء إصلاحات تشريعية تشمل تنقيح قانون الأحزاب والجمعيات وتغيير القانون الانتخابي".

المساهمون